تركيا وإسرائيل في سوريا: صراع رؤى واستراتيجيات

سامر الخطيب

2025.04.21 - 12:53
Facebook Share
طباعة

 رغم محطات التعاون السابقة بين تركيا وإسرائيل، لا سيما على الصعيدين الأمني والاقتصادي، إلا أن الساحة السورية كشفت عن تباينات جذرية في رؤى البلدين حول مستقبل سوريا، وتحديدًا منذ سقوط النظام المركزي في دمشق أواخر 2024. ومع استمرار تمدد النفوذ الإسرائيلي جنوبًا، برزت ملامح توتر غير مباشر بين أنقرة وتل أبيب، اتخذ أشكالًا سياسية وعسكرية.


وفقًا لمصادر أمنية تركية نقلت عنها وسائل إعلام إقليمية، ترى أنقرة أن الحل في سوريا يجب أن يرتكز على وحدة الأراضي السورية، وقيام دولة مركزية قادرة على ضبط أمنها واستعادة دورها الإقليمي. وتشير تركيا إلى أنها تسعى لإعادة دمج الجماعات المسلحة ضمن مؤسسات الدولة، تحت مظلة حكومة سورية قوية.


على الجانب الآخر، تتبنى إسرائيل استراتيجية مغايرة بالكامل. فبدلاً من دعم بناء دولة سورية قوية، تفضل تل أبيب بيئة جيوسياسية مفتتة وهشة، تعزز من خلالها نفوذها العسكري والأمني في الجنوب السوري. وتتهم أنقرة تل أبيب بالسعي إلى خلق كيانات دينية وعرقية مستقلة، تضمن من خلالها إضعاف أي تهديد مستقبلي من سوريا، وخاصة على الجبهة الشمالية المحاذية للجولان.


تباين في الأهداف أم تنافس إقليمي؟
التحليل السياسي لهذا المشهد يشير إلى أن الأمر لا يتعلق فقط بخلاف حول مصير سوريا، بل بموقع سوريا كجزء من توازنات إقليمية أوسع. فأنقرة ترى نفسها لاعبًا مركزيًا في مستقبل الشرق الأوسط، وتسعى إلى صياغة نظام إقليمي مستقر تنخرط فيه كضامن أمني واقتصادي، بينما تنظر إسرائيل إلى هذا الاستقرار كتهديد محتمل لميزان الردع الذي بنته عبر تحركاتها العسكرية منذ 2024.


من هنا، نشأ ما يمكن وصفه بـ"صراع الرؤى الاستراتيجية" في سوريا: بين من يسعى إلى استقرار من خلال الدولة، ومن يعمل على فرض أمنه عبر تفتيت الجوار.


آليات منع الاشتباك: إدارة التوتر لا حله
في ظل هذا التوتر غير المباشر، عُقدت مؤخرًا مباحثات بين أنقرة وتل أبيب في أذربيجان، تم خلالها بحث إنشاء "آلية منع اشتباك" شبيهة بتلك التي طبقتها تركيا مع روسيا والولايات المتحدة في سوريا والعراق.


هذه الآلية العسكرية تقوم على تبادل المعلومات بين الجانبين لتجنب أي صدام ميداني غير مقصود، خصوصًا في مناطق العمليات المتداخلة. وسبق أن استفادت تركيا من هذا النوع من التنسيق شرق الفرات مع واشنطن، وغرب الفرات مع موسكو، وكذلك في العراق، بما يعكس رغبة في تقنين النزاع لا إنهائه بالكامل.


ختامًا
يبدو أن تركيا وإسرائيل، رغم عدم خوضهما مواجهة مباشرة، تتحركان في مسارين متضادين في سوريا. تركيا تحاول ترميم الدولة السورية بصيغتها المركزية، فيما تسعى إسرائيل لإعادة رسم الجنوب السوري بما يخدم أمنها بعيدًا عن عودة مركزية دمشق. ومع استمرار الانقسام السوري والتشابك الإقليمي، قد يتحول هذا التوتر إلى عنصر دائم في المشهد، ما لم تُبنى تفاهمات أوسع تتجاوز منطق "منع الاشتباك" نحو تقارب في الرؤية والمصالح.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 7