بعد انتهاء سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على مدينة الرقة في عام 2017، ضمن حملة "غضب الفرات" التي قادها التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية، بدأت مرحلة جديدة في المدينة تمثلت في التعامل مع تداعيات سنوات من الصراع، ومن ضمنها ملف عائلات عناصر التنظيم، خصوصًا النساء والأطفال الذين تم نقلهم إلى مخيمات مثل "الهول" و"روج" في ريف الحسكة.
وبعد عدة مناشدات من فعاليات مجتمعية وشخصيات عشائرية، تم السماح بعودة قرابة ألف عائلة من هذه العائلات إلى الرقة، بعد التأكد من خلو سجلاتهم الأمنية من أي نشاط مسلح أو ارتباط تنظيمي مباشر، باستثناء روابط عائلية أو ظروف احتجاز قسري سابقة.
منذ ذلك الحين، واجه العائدون تحديات اجتماعية واقتصادية ومعيشية متنوعة، في ظل محاولات من مؤسسات المجتمع المدني والمجلس المحلي، بدعم من منظمات إنسانية، لتوفير برامج دعم وتأهيل تسهم في إعادة دمجهم بالمجتمع، خاصة النساء اللاتي واجهن تحديات مضاعفة بسبب النظرة المجتمعية المرتبطة بماضيهن.
وفي عام 2023، أنشأت الإدارة الذاتية "مركز الرعاية الاجتماعية" بمدينة الرقة، ليكون منصة لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي والمهني للنساء العائدات. يقدّم المركز دورات تدريبية متنوعة في مجالات مثل الخياطة، التطريز، صناعة المنظفات، والمشاريع الصغيرة، ضمن برامج تهدف لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز سبل العيش المستدام.
خلال السنوات الماضية، استطاعت العديد من النساء الاستفادة من هذه البرامج، حيث تم تزويدهن بمعدات وأدوات مهنية ساعدتهن على إطلاق مشاريعهن الخاصة. بعضهن افتتحن محال خياطة صغيرة، وأخريات بدأن العمل في تصنيع المنظفات والصابون والمنتجات العطرية المنزلية، ضمن ورش صغيرة داخل أحيائهن السكنية.
هذه المبادرات لم تسهم فقط في تحسين الظروف المعيشية لتلك الأسر، بل ساعدت أيضًا في تقليل اعتمادهن على المساعدات الإغاثية، ومهّدت الطريق لاندماج أوسع في المجتمع المحلي، رغم التحديات النفسية والاجتماعية التي صاحبت تجربة العودة.
وفي ظل غياب حلول وطنية شاملة لملف العائدين من المخيمات، تبقى الجهود المحلية في الرقة نموذجًا مهمًا لنهج يركّز على التمكين الاقتصادي والاجتماعي كخطوة نحو الاستقرار والتعايش. وتُظهر تجارب هؤلاء النساء كيف يمكن لفُرص بسيطة أن تصنع تحوّلًا حقيقيًا، عندما تتوفر الإرادة والدعم المناسب.