تعيش مدينة بصرى الشام في ريف درعا الشرقي توتر أمني، بعد سلسلة من التطورات الأمنية والشعبية المتسارعة، التي بدأت بمقتل القيادي السابق في فصائل المعارضة، بلال الدروبي، وانتهت بحلّ أحد أبرز التشكيلات المسلحة في الجنوب السوري، اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس. هذه الأحداث، المتلاحقة والمترابطة، أعادت رسم المشهد في المدينة، وأشعلت غضبًا شعبيًا لم يعد بالإمكان تجاهله.
بدأ كل شيء حين تم الإعلان عن مقتل بلال الدروبي، وهو أحد القادة البارزين سابقًا في صفوف المعارضة، والذي كان يتمتع بعلاقات متشابكة ومعقّدة مع مختلف القوى العسكرية في المنطقة. الحادثة، التي قيل إنها وقعت إثر إصابته على يد عناصر من الفيلق الخامس، أشعلت فتيل الغضب الشعبي، وأثارت تساؤلات حول أسباب استهدافه، والدور الحقيقي الذي تلعبه التشكيلات المسلحة في المدينة.
ردود الفعل لم تتأخر. صباح اليوم التالي، عمّت حالة من التوتر أحياء المدينة، حيث أطلقت المساجد نداءات عبر مكبرات الصوت، دعت فيها الأهالي إلى الخروج في مظاهرات حاشدة بعد صلاة الظهر. وبالفعل، اجتمع المئات من السكان في الساحات، رافعين شعارات تُندد بالفيلق الخامس، وتطالب بحلّه وسحب السلاح من عناصره، بالإضافة إلى إخلاء السجون التابعة له، ومحاسبة المتورطين في مقتل الدروبي.
ولاحقا، سُلّم اثنان من المطلوبين إلى جهاز الأمن العام في المدينة، في خطوة بدا أنها جزء من اتفاق محلي بين وجهاء المدينة وقائد الفرقة 40 بالتعاون مع قيادة الفيلق الخامس. وبينما كانت الأنظار تتجه إلى هذه الخطوة كمحاولة للتهدئة، شنت الجهات الأمنية حملة مداهمات في أحد أحياء بصرى الشام، بحثًا عن مستودع أسلحة مشبوه، لكنها لم تثمر عن نتائج تذكر.
لكن التطور الأكثر لفتًا كان إعلان اللواء الثامن، التابع للفيلق الخامس، عن حلّ نفسه بشكل كامل. وجاء هذا الإعلان بمثابة مفاجأة، خاصة وأنه تزامن مع تصاعد الاحتجاجات وضغط الشارع. بيان اللواء أكد تسليم جميع مقدراته العسكرية والبشرية لوزارة الدفاع السورية، في خطوة فسّرها مراقبون بأنها تنازل اضطراري لتفادي انفجار أكبر في المدينة.
وسرعان ما انتشرت قوات من وزارة الدفاع والأمن العام في المقرات الأمنية والعسكرية داخل بصرى الشام، في مشهد بدا وكأنه نهاية لمرحلة وبداية لأخرى، أكثر انضباطًا على المستوى الرسمي. هذه الخطوة لاقت ترحيبًا حذرًا من الأهالي، لكنها لم تمحُ بعدُ الغضب الذي تراكم بفعل سنوات من الانتهاكات والهيمنة المسلحة على تفاصيل الحياة اليومية.
في المقابل، ما تزال عائلة بلال الدروبي تُصرّ على معرفة الحقيقة الكاملة حول ملابسات مقتله، ومحاسبة من أصدر الأوامر بتنفيذ عملية التصفية. العائلة ترفض أي تسويات شكلية، وتعتبر أن ما جرى لا يمكن أن يُطوى دون مساءلة واضحة وعلنية.