مقدمة
يشهد المشهد السياسي والأمني في سوريا تطورات جوهرية عقب سقوط نظام الأسد وصعود إدارة جديدة، وهو حدث محوري غيّر موازين القوى في المنطقة وأعاد تشكيل المشهد الجيوسياسي بشكل عميق. مع هذا التحول، تواجه البلاد تحديات أمنية معقدة تتجاوز مجرد إعادة بناء المؤسسات السياسية والاقتصادية، لتشمل أيضًا إعادة هيكلة المشهد الأمني والعسكري في ظل وجود عدد كبير من المقاتلين الأجانب الذين كان لهم دور أساسي في الإطاحة بالنظام السابق.
يشكل ملف هؤلاء المقاتلين أحد أكثر القضايا حساسية، إذ تتداخل فيه عوامل متعددة، من بينها التوازنات الإقليمية، والمخاوف الأمنية للدول المجاورة، والتزامات الإدارة الجديدة تجاه المجتمع الدولي. فبينما تسعى دمشق إلى فرض سيطرتها الكاملة على البلاد، تجد نفسها أمام خيارات صعبة تتعلق بمصير آلاف المقاتلين الأجانب الذين يحملون توجهات أيديولوجية متنوعة، ويشكلون مصدر قلق للمجتمع الدولي.
في هذا السياق، يتناول هذا التقرير موقف القوى العالمية والإقليمية من هذا الملف، والتحركات الدبلوماسية الجارية للتعامل معه، بالإضافة إلى السيناريوهات المحتملة لمستقبل المقاتلين الأجانب، والخطوط الحمراء التي وضعتها الإدارة السورية الجديدة في هذا الشأن، والتي سيكون لها تأثير مباشر على استقرار البلاد ومستقبلها السياسي والأمني.
الموقف الدولي والمباحثات الدبلوماسية
في ظل المشهد الأمني المعقد في سوريا، أجرى ثلاثة مبعوثين أوروبيين اجتماعًا مهمًا مع وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، حيث ركزوا خلاله على التحديات الأمنية التي تواجه البلاد بعد سقوط النظام السابق. أكد المبعوثون أن القضاء على "المقاتلين الجهاديين" يشكل أولوية قصوى لبلدانهم، مشيرين إلى أن أي تهاون في معالجة هذا الملف قد يؤدي إلى فقدان الدعم الدولي للإدارة الناشئة. هذا الموقف يعكس مخاوف العواصم الأوروبية من تداعيات استمرار وجود المقاتلين الأجانب في سوريا، سواء من الناحية الأمنية أو السياسية.
ونقلت وكالة "رويترز" عن المبعوثين الأوروبيين قولهم إن إحكام السيطرة الأمنية في البلاد ومنع تكرار عمليات القتل العشوائي يعدان شرطين أساسيين لاستقرار سوريا، مما يسلط الضوء على الضغوط المتزايدة التي تواجهها الإدارة السورية الجديدة في هذا الصدد. فبالنظر إلى التجارب السابقة في مناطق النزاع، تعي الدول الغربية جيدًا المخاطر التي قد تنجم عن عدم التعامل الحاسم مع الجماعات المسلحة، الأمر الذي دفعها إلى التشديد على ضرورة فرض النظام والقانون في أسرع وقت ممكن.
علاوة على ذلك، دعت الدول الأوروبية إلى محاسبة مرتكبي الجرائم وضمان تطهير قوات الأمن من أي عناصر متطرفة أو متشددة قد تهدد الاستقرار. هذا المطلب يعكس رغبة العواصم الغربية في تجنب تكرار سيناريوهات الفوضى والانفلات الأمني التي شهدتها دول أخرى بعد الإطاحة بأنظمتها الحاكمة. وقد شدد المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، كريستوف لوموان، على أهمية محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الأخيرة، معتبرًا أن أي تساهل في هذا الإطار قد يضر بسمعة الإدارة السورية الجديدة ويؤثر على علاقاتها الدولية، خاصة مع الدول الداعمة.
هذا التوجه الأوروبي يوضح أن الدعم الدولي لدمشق ليس غير مشروط، بل مرتبط بشكل وثيق بمدى التزامها بالمعايير الأمنية والقانونية التي تتوقعها العواصم الغربية. ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة مزيدًا من الضغوط الدبلوماسية والتواصل بين الجانبين لضمان تحقيق هذه الأهداف بطريقة تتماشى مع المصالح الدولية والإقليمية.
التحديات التي تواجه الإدارة الجديدة
في ظل التحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها سوريا بعد سقوط النظام السابق، يتعين على الإدارة السورية الجديدة تحت قيادة الرئيس المؤقت أحمد الشرع التعامل مع تعقيدات كبيرة تتعلق بالجماعات المتشددة التي كان لها دور محوري في الأحداث الأخيرة. ومن أبرز هذه الجماعات "هيئة تحرير الشام"، التي تمثل تهديدًا رئيسيًا للأمن والاستقرار في البلاد. حسب التقديرات الغربية، تضم الهيئة حوالي 20,000 مقاتل، ولكن الأهم من ذلك هو أن قوتها الحقيقية لا تكمن في هذا العدد فقط، بل في التنوع الكبير في المقاتلين الأجانب الذين انضموا إليها من مختلف الجنسيات. هؤلاء المقاتلون ينتمون إلى فصائل متشددة وعقائد مختلفة، وهو ما يعقد من فرص استعادة النظام والأمن في سوريا ويزيد من قلق المجتمع الدولي.
وتشمل هذه المجموعات الجهادية مجموعة واسعة من المقاتلين الأجانب الذين قد لا يكون ولاؤهم للمجتمع السوري أو استقراره، مما يثير مخاوف حول إمكانية استخدام هذه الجماعات كأداة لتحقيق أهداف سياسية أو عسكرية في سوريا. كما أن وجود هؤلاء المقاتلين الأجانب يخلق حالة من الفوضى، حيث قد يشكلون تهديدًا ليس فقط للأمن الداخلي بل أيضًا للعلاقات الدولية لسوريا، خصوصًا في ظل التنسيق المتزايد بين القوى الغربية في محاربة الإرهاب.
في هذا السياق، قدمت الولايات المتحدة سلسلة من الشروط التي يتعين على دمشق تلبيتها لضمان دعمها المستقبلي، وهو ما يعكس ضغطًا كبيرًا على الحكومة السورية الجديدة. من بين هذه الشروط، تدمير أي مخازن للأسلحة الكيميائية، وهو مطلب قد يكون حاسمًا لإزالة أي مبررات لفرض المزيد من العقوبات على النظام السوري. علاوة على ذلك، طالبت واشنطن بتعاون أكبر من قبل دمشق في محاربة الإرهاب، وهو ما يعني ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة ضد المجموعات المسلحة، بما في ذلك تلك التي تضم مقاتلين أجانب.
أما الشرط الأبرز في قائمة الشروط الأمريكية فهو رفض وجود قيادات أجنبية في المناصب الحكومية العليا. هذا المطلب يعكس رغبة واشنطن في تقليص النفوذ الأجنبي في صنع القرار السوري، خصوصًا إذا كان هذا النفوذ يأتي من عناصر غير سورية قد تشكل تهديدًا طويل الأمد للاستقرار الداخلي وسلامة الدولة. هذه المطالب الأمريكية توضح أن المجتمع الدولي، وخصوصًا الولايات المتحدة، لا يعتزم دعم الحكومة السورية الجديدة إلا في حال اتخذت خطوات واضحة نحو تحقيق الاستقرار الداخلي، وفصلها عن أي تأثيرات أجنبية قد تؤدي إلى تفاقم الأزمات في البلاد.
تصنيف المقاتلين الأجانب في سوريا
تواجه سوريا في ظل النزاع المستمر تحديات معقدة تتعلق بوجود المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى مختلف الفصائل المسلحة، وتحديدًا "هيئة تحرير الشام". المقاتلون الأجانب في سوريا ينتمون إلى مجموعة واسعة من الجنسيات، مما يضفي بعدًا دوليًا على النزاع السوري ويزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي في البلاد. يمكن تصنيف هؤلاء المقاتلين الأجانب إلى عدة فئات رئيسية على النحو التالي:
الأويغور (التركستان): يمثل الأويغور أحد أكبر المجموعات الأجنبية في صفوف المقاتلين في سوريا، حيث يقدر عددهم ببضعة آلاف. ينتمي الأويغور إلى مجموعة من المسلمين من إقليم شينجيانغ في الصين، وقد انخرطوا في القتال ضمن صفوف "هيئة تحرير الشام". يعد هؤلاء المقاتلون جزءًا أساسيًا من الهيئة، حيث يتمتعون بمهارات قتالية عالية ولديهم خبرة كبيرة في النزاعات المسلحة. يمثلون أحد أبرز التحديات للأمن السوري، حيث يعتقد أن بعضهم قد يكون قد حصل على تدريب عسكري في مناطق النزاع الأخرى قبل انضمامهم إلى "الهيئة".
الشيشان: القادة والمقاتلون الشيشان يشكلون فئة أخرى من المقاتلين الأجانب في سوريا. يتميز هؤلاء المقاتلون بخبرتهم القتالية العالية، خاصة في الحروب الحضرية والمناطق الجبلية، وهو ما جعلهم عنصرا مهما في "هيئة تحرير الشام". معظم هؤلاء المقاتلين يأتون من منطقة القوقاز في روسيا، وهم معروفون بتكتيكاتهم القتالية المتطورة وولائهم القوي لقضيتهم. علاوة على ذلك، تشكل هذه المجموعة تهديدًا للأمن السوري بفضل قدرتها على قيادة العمليات العسكرية وتنظيم الهجمات المسلحة بفعالية.
العرب: يأتي العديد من المقاتلين العرب من دول الخليج العربي، الأردن، مصر، تونس، والمغرب. هذه المجموعات تضم عناصر متطرفة تتبنى أيديولوجيات إسلامية متشددة، وقد انضمت إلى الفصائل المسلحة في سوريا بهدف دعم القتال ضد النظام. يُعتبر هؤلاء المقاتلون أحد أبرز المحركات التي تعزز من تمويل وتوسيع نطاق الجماعات الجهادية في المنطقة. إلا أن بعض التقارير تشير إلى عودة العديد من هؤلاء المقاتلين إلى بلدانهم بعد انتهاء مهماتهم في سوريا.
الأوروبيون: شهدت السنوات الأخيرة دخول عدد من المقاتلين الأوروبيين إلى سوريا، ينحدرون من دول مثل فرنسا، بريطانيا، وألمانيا. رغم أن أعدادهم تضاءلت في الآونة الأخيرة بسبب عودة الكثير منهم إلى بلدانهم، إلا أن المقاتلين الأوروبيين لا يزالون يشكلون تهديدًا في بعض الفصائل الجهادية، حيث كانوا جزءًا من العمليات العسكرية الكبرى في مناطق مثل إدلب وحلب. كما أن هؤلاء المقاتلين أصبحوا يشكلون قضية حساسة داخل دولهم الأوروبية التي كانت تسعى إلى محاكمتهم عند العودة.
آخرون: إلى جانب المجموعات الرئيسية، يوجد عدد من المقاتلين الأجانب القادمين من دول مثل أوزبكستان، طاجيكستان، تركيا، وألبانيا. هؤلاء المقاتلون غالبًا ما ينضمون إلى فصائل متعددة، وقد تمركزوا في مناطق معينة من سوريا مثل المناطق الحدودية والشمالية الغربية. بعض هذه الفصائل قد تكون تابعة لجماعات إسلامية متطرفة أو على ارتباط بشبكات خارجية.
تتوزع هذه المجموعات على مختلف الفرق العسكرية التي نشأت في سوريا، مثل "الحزب الإسلامي التركستاني" الذي يقوده مقاتلون من الأويغور، و**"أجناد القوقاز"** الذي يضم المقاتلين الشيشان. إضافة إلى ذلك، "أنصار التوحيد" الذي يضم خليطًا من المقاتلين المحليين والأجانب. تجدر الإشارة إلى أن التوزيع العرقي والجنسياتي لهذه المجموعات يعكس تعقيدًا إضافيًا في مواجهة هذه الجماعات المسلحة، حيث تتداخل الأيديولوجيات والولاءات القتالية ما بين المجموعات الأجنبية والمحلية.
في النهاية، فإن تنوع المقاتلين الأجانب في سوريا يمثل تحديًا كبيرًا للإدارة السورية الجديدة، التي يجب أن تتعامل مع هذه المجموعات بطريقة لا تؤثر على استقرارها الداخلي. الأمر الذي يتطلب منها اتخاذ خطوات جادة في ملف المقاتلين الأجانب لضمان استقرار البلاد على المدى الطويل.
التعامل مع المقاتلين الأجانب: الموقف السوري الرسمي
أكد الرئيس أحمد الشرع في تصريحات سابقة أن المقاتلين الأجانب الذين ساهموا في إسقاط نظام الأسد "يستحقون المكافأة"، ملمحًا إلى إمكانية منحهم الجنسية السورية. كما تم تعيين عدد من القيادات الأجنبية في مناصب عسكرية عليا، مثل خطاب الألباني، مختار التركي، وعبد الله الداغستاني.
السيناريوهات المحتملة لمصير المقاتلين الأجانب
تبنت الإدارة السورية الجديدة بقيادة الرئيس المؤقت أحمد الشرع موقفًا مختلفًا فيما يتعلق بالمقاتلين الأجانب الذين ساعدوا في الإطاحة بالنظام السابق. ففي تصريحات له، أشار الشرع إلى أن المقاتلين الأجانب الذين شاركوا في الصراع ضد النظام "يستحقون المكافأة"، مما يفتح المجال لاحتمالية منحهم الجنسية السورية.
مستقبل المقاتلين الأجانب في سوريا يعتبر قضية معقدة تتداخل فيها الاعتبارات الأمنية والسياسية، وقد تم تحديد أربعة سيناريوهات رئيسية يمكن أن تؤثر في هذا الملف، وهي تتراوح بين دمج هؤلاء المقاتلين في المجتمع السوري، وعودتهم إلى بلدانهم، أو حتى انتقالهم إلى ساحات قتال أخرى. إليكم التوسع في هذه السيناريوهات:
السيناريو البوسني (الدمج والتوطين): في هذا السيناريو، يتم منح المقاتلين الأجانب فرصة للاندماج في المجتمع السوري كمواطنين عاديين. يتطلب هذا منهم الالتزام بالقوانين السورية، والابتعاد عن أي أنشطة تهدد الأمن الوطني أو الاستقرار الداخلي. هذا الخيار يعتمد على قدرة الإدارة السورية الجديدة على تسوية الأوضاع القانونية للمقاتلين الأجانب وتوفير برامج تأهيلية تهدف إلى دمجهم في المجتمع بشكل سلمي. كما يتطلب ضمان عدم انخراط هؤلاء المقاتلين في أي نشاطات تهدد أمن البلاد أو العلاقات مع الدول المجاورة والمجتمع الدولي.
هذا السيناريو يحمل في طياته بعض التحديات الكبيرة، حيث يمكن أن يثير مخاوف لدى بعض السوريين ودول الجوار من أن هؤلاء المقاتلين قد يشكلون تهديدًا طويل الأمد إذا لم يتم مراقبتهم بشكل دقيق. كما أن دمجهم في المجتمع قد يؤدي إلى ظهور تقسيمات اجتماعية جديدة في البلاد، خاصة في المناطق التي شهدت عمليات عسكرية مكثفة أو وجود مكثف للمقاتلين الأجانب.
السيناريو الأفغاني (عودة كل مقاتل إلى بلده): في هذا السيناريو، يتم التعامل مع المقاتلين الأجانب على أنهم عناصر يجب إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، حيث تقبل هذه الدول عودتهم وتعمل على إعادة تأهيلهم. قد يتضمن ذلك برامج تدريبية أو اجتماعية تهدف إلى إدماجهم مرة أخرى في المجتمع المدني، بالإضافة إلى تقييم مستوى التهديد الذي قد يشكلونه بمجرد عودتهم. ومع ذلك، في بعض الحالات، قد يؤدي عودتهم إلى احتجازهم في سجون خاصة بسبب الانتماء إلى جماعات متشددة أو مشاركتهم في أنشطة إرهابية.
العديد من البلدان التي شهدت عودة مقاتلين أجانب لديها برامج خاصة لإعادة تأهيلهم، لكن في بلدان أخرى قد يكون مصيرهم السجون والملاحقات القضائية، خاصة إذا كانوا قد شاركوا في أنشطة إرهابية أو ارتكبوا جرائم حرب خلال وجودهم في سوريا.
منح اللجوء السياسي: خيار آخر هو منح اللجوء السياسي لبعض المقاتلين الأجانب الذين قد يطلبون اللجوء في دول غربية أو أخرى لديها مصالح استراتيجية في جمع معلومات استخباراتية. يتم منح هؤلاء المقاتلين اللجوء السياسي بشرط أن يتعهدوا بعدم المشاركة في أي أنشطة عسكرية أو إرهابية بعد وصولهم إلى الدولة المستقبلة. هذا السيناريو قد يكون مغريًا لبعض الدول التي ترى في المقاتلين الأجانب مصدراً للمعلومات المتعلقة بأنشطة الجماعات المتشددة.
ومع ذلك، يمكن أن يثير هذا الخيار اعتراضات من بعض الدول التي تخشى من أن تصبح هذه المجموعات ملاذًا آمنًا للمقاتلين المتطرفين. كما أن هناك مخاوف من أن منح اللجوء السياسي قد يؤدي إلى تعزيز قدرات هذه الجماعات في مناطق أخرى، إذا تم استغلال المقاتلين للأنشطة العسكرية أو الاستخباراتية لصالح أطراف دولية معينة.
السيناريو العراقي (الانتقال إلى ساحات قتال أخرى): في هذا السيناريو، يبدأ بعض المقاتلين الأجانب، مثل الذين ينتمون إلى المجموعات الشيشانية، بالانتقال إلى مناطق صراع أخرى، مثل أوكرانيا. على الرغم من تراجع وجودهم في سوريا بعد فترة من التوترات العسكرية، إلا أن بعض هؤلاء المقاتلين قد يواصلون أنشطتهم القتالية في مناطق أخرى قد تشهد صراعات جديدة. هذا الانتقال قد يعكس استمرار الالتزام الأيديولوجي للجماعات المسلحة، وتجنب التصعيد في سوريا لصالح مواجهة أو التورط في نزاعات أخرى.
في حالة استمرار انتقال المقاتلين إلى مناطق جديدة مثل أوكرانيا أو ليبيا، فإن هذا قد يفتح بابًا جديدًا من التحديات للدول المعنية، حيث سيكون من الصعب على الحكومة السورية أو المجتمع الدولي متابعة أو التأثير على تحركاتهم بعد مغادرتهم الأراضي السورية. أيضًا، قد يتطلب ذلك تحركًا من قبل الحكومات المعنية لمراقبة تلك الجماعات وضمان عدم تشكيل تهديدات جديدة في مناطق النزاع.
خلاصة: في النهاية، يتوقف مصير المقاتلين الأجانب في سوريا على مجموعة من العوامل، بما في ذلك مواقف الدول المعنية، والقدرة على التأثير على الوضع الأمني الداخلي، والخيارات السياسية التي ستتخذها الإدارة السورية. قد يكون السيناريو الذي سيُنفذ في النهاية مزيجًا من هذه السيناريوهات الأربعة، بناءً على التطورات التي ستطرأ في المستقبل وعلى التوازنات الأمنية والدبلوماسية في المنطقة.
الخطوط الحمراء التي وضعتها الإدارة السورية الجديدة
وضعت الإدارة السورية الجديدة بقيادة الرئيس المؤقت أحمد الشرع ثلاثة خطوط حمراء صارمة تتعلق بالمقاتلين الأجانب في سوريا، في محاولة لضبط الوضع الأمني والسياسي في البلاد بعد سقوط النظام السابق. هذه الخطوط الحمراء تمثل أولويات استراتيجية تهدف إلى الحفاظ على استقرار سوريا وعلاقاتها مع الدول المجاورة والمجتمع الدولي. يمكن توسيع هذه الخطوط الحمراء على النحو التالي:
عدم تسليم أي مقاتل إلا بمبرر قانوني واضح: من أبرز المواقف التي تتبناها الحكومة السورية الجديدة هي عدم تسليم أي من المقاتلين الأجانب دون وجود مبرر قانوني قاطع. هذا القرار يهدف إلى تجنب أي ضغوط دولية قد تكون مبنية على اعتبارات سياسية أو أمنية لا تستند إلى قاعدة قانونية متينة. إدارة دمشق تؤكد أنها لن تساوم على سيادتها في هذا الملف، متمسكة بمبدأ حماية أمنها الداخلي والإقليمي. تسليم المقاتلين الأجانب فقط في حالات يكون فيها هناك مبررات قانونية قوية، مثل التورط في جرائم حرب أو الانتهاكات الخطيرة ضد حقوق الإنسان، يعد بمثابة تأكيد على رفضها لأي ضغوط خارجية قد تهدف إلى المساس بسيادتها.
منعهم من تشكيل أي تنظيمات مسلحة خارج سيطرة الدولة: تضع دمشق حدودًا قاسية لمنع المقاتلين الأجانب من تشكيل أو قيادة أي تنظيمات مسلحة مستقلة أو خارجة عن سيطرة الدولة. هذا الخط الأحمر يعكس حرص الحكومة السورية على احتكار القوة العسكرية في يد مؤسساتها الرسمية، ومنع أي تمرد داخلي قد يؤثر على الاستقرار الأمني. في الوقت الذي يسعى فيه المقاتلون الأجانب إلى توسيع نفوذهم في بعض المناطق، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى فرض سلطتها بشكل كامل على هذه الجماعات، وعدم السماح لهم بتشكيل خلايا نائمة أو مجموعات قتالية مستقلة قد تعيد إثارة الفوضى في البلاد.
عدم السماح لهم بالقيام بأي أنشطة تهدد أمن الدول الصديقة: تلتزم الحكومة السورية بتقديم ضمانات بأن المقاتلين الأجانب الموجودين على أراضيها لن يقوموا بأية أنشطة تهدد أمن الدول الصديقة أو تقوض العلاقات الثنائية مع الدول المجاورة. إن أحد التحديات التي تواجهها الإدارة السورية الجديدة هو كيفية التوفيق بين مصالحها الأمنية ومطالب المجتمع الدولي بخصوص محاربة الإرهاب. بهذا الصدد، تعهدت دمشق بعدم السماح للمقاتلين الأجانب باستخدام الأراضي السورية كمنصة لانطلاق العمليات العسكرية أو الهجمات ضد دول أخرى في المنطقة. يعتبر هذا الموقف خطوة مهمة في محاولة لتقليل أي أضرار محتملة قد تنشأ عن استمرار وجود المقاتلين الأجانب على الأراضي السورية.
الخاتمة
يمثل ملف المقاتلين الأجانب أحد التحديات الأمنية والسياسية الكبرى التي تواجه سوريا في مرحلة ما بعد نظام الأسد. إذ أن تعقيدات هذا الملف تتراوح بين التهديدات الأمنية الداخلية، مثل تزايد نفوذ الجماعات المتشددة، وبين الضغوط السياسية والاقتصادية من المجتمع الدولي الذي يتطلع إلى ضمان استقرار المنطقة وعدم تحول سوريا إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية.
تتباين الرؤى بشكل كبير بين المجتمع الدولي والإدارة السورية الجديدة حول كيفية التعامل مع المقاتلين الأجانب. بينما تدعو بعض الدول إلى محاسبتهم وتسليمهم أو محاكمتهم وفقًا للقوانين الدولية، يفضل الجانب السوري اتباع نهج أكثر مرونة قد يشمل الاستيعاب والتعامل مع هؤلاء المقاتلين على أساس مواقف سياسية أو أمنية معينة.
في ضوء هذه الضغوط، من المرجح أن تتبنى دمشق نهجًا براغماتيًا يتراوح بين محاسبة المقاتلين الأجانب واستيعابهم، بناءً على المتغيرات الإقليمية والظروف الدولية المتغيرة. قد يتضمن هذا النهج تصفية العناصر المتطرفة داخليًا بينما يتم السماح للبعض بالاندماج أو العودة إلى بلدانهم الأصلية تحت ظروف محددة، بما يتوافق مع مصالح سوريا الأمنية.
في النهاية، ستستمر هذه القضية في تشكيل محورًا أساسيًا في السياسة السورية، وسيظل التعامل معها يتطلب مرونة دبلوماسية وحلولًا تتماشى مع التفاهمات الدولية والإقليمية، لتجنب أي تهديدات محتملة قد تعرقل استقرار البلاد في المستقبل.