تسوية استراتيجية جديدة لاحتواء أزمة داعش شمال شرق سوريا

سامر الخطيب

2025.03.26 - 04:16
Facebook Share
طباعة

 
في خطوة نوعية نحو حلحلة الأزمة الأمنية التي يشهدها شمال شرق سوريا، أبرمت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) اتفاقًا مع كل من الحكومة السورية والحكومة العراقية، ينص على تسليم عناصر تنظيم "داعش" السوريين والعراقيين المحتجزين في سجون قسد إلى السلطات في دمشق وبغداد.


ووفقًا لمصادر سورية وعراقية مطلعة، فإن الاتفاق جاء بعد سلسلة من المفاوضات المعقدة التي تخللتها صعوبات كبيرة، خاصة خلال ديسمبر/كانون الأول 2024، حينما اعترضت قسد على تسليم العناصر السورية إلى السلطات السورية. تلك المفاوضات، التي شهدت تضاربًا في المصالح، تم تسويتها في الأسابيع الأخيرة بفضل وساطات خارجية، أبرزها الدور الأمريكي الذي سعى لتوجيه المحادثات في إطار استراتيجية موسعة لاحتواء التهديدات الأمنية في المنطقة.


سجون قسد: سجناء داعش في قبضة التفاوض
تدير قوات سوريا الديمقراطية نحو 27 سجنًا في مناطق سيطرتها شمال شرق سوريا، تضم أكثر من 40,000 سجين من جنسيات مختلفة، بينهم العديد من مقاتلي داعش. يعتبر سجن "غويران" في مدينة الحسكة من أكبر هذه المنشآت، حيث يضم نحو 5000 سجين بينهم عناصر من جنسيات متعددة.


وتتسارع وتيرة التفاوض بشأن تسليم هؤلاء السجناء إلى كل من دمشق وبغداد، في محاولة لحسم ملف التنظيم الإرهابي. ومن المتوقع أن يركز الاتفاق على نقل عناصر داعش السوريين إلى سجون النظام السوري في دمشق وحلب، في حين تسعى السلطات العراقية لاستقبال المعتقلين العراقيين في سجونها.


الولايات المتحدة والضغط على قسد: إغلاق ملف داعش
وفي وقت تتزايد فيه محاولات الولايات المتحدة للانسحاب من مناطق شمال شرق سوريا، تواصل واشنطن دعمها للمفاوضات بين قسد من جهة والحكومة السورية والعراقية من جهة أخرى. الهدف الرئيس هو ضمان إغلاق ملف داعش بشكل نهائي، خاصة في ظل التهديدات المستمرة بعودة نشاط التنظيم في المنطقة.


وتشير التقارير إلى أن داعش حاول مؤخرًا إعادة تنظيم صفوفه في بعض المناطق الحدودية، مما دفع قسد للبحث عن حل جذري لهذه التحديات الأمنية من خلال التعاون مع دمشق وبغداد. الولايات المتحدة، بدورها، ترى أن الإغلاق التام لملف داعش في سوريا والعراق سيجنبها الحاجة للعودة مجددًا إلى المنطقة في حال تجددت الهجمات الإرهابية.


المفاوضات العراقية: تسليم آلاف من عناصر داعش
على صعيد آخر، استمرت المفاوضات بين قسد والحكومة العراقية التي بدأت منذ فترة طويلة، وساهمت هذه المفاوضات في تسليم نحو 3000 معتقل من عناصر داعش العراقيين إلى السلطات العراقية في نهاية عام 2024.


وفي تطور آخر، تم توقيع اتفاق جديد بين قسد والعراق يقضي بتسليم 13,000 عنصر آخرين، مما يعكس الجهود المستمرة من كلا الجانبين لإنهاء هذا الملف بشكل كامل. ولا يقتصر هذا التعاون على الحكومة العراقية فقط، بل يتضمن أيضًا دورًا مهمًا للإدارة السورية الجديدة في هذه العملية.


التحديات المستقبلية: المخاوف السورية
رغم التقدم المحرز، يبقى هناك بعض القلق من قبل دمشق حيال التزام قسد بالشروط المتفق عليها في إطار تسليم عناصر داعش. الحكومة السورية الجديدة تخشى أن تكون هناك نية لدى قسد لتسريح بعض المعتقلين في حال حدوث توترات بين الطرفين، مما قد يؤدي إلى عودة النشاط الإرهابي في مناطق جديدة داخل سوريا.


مخيم الهول: معركة جديدة ضد الإرهاب
من جهة أخرى، يمثل مخيم الهول في الحسكة إحدى النقاط الساخنة في ملف داعش، حيث يُحتجز الآلاف من أفراد عائلات مقاتلي التنظيم. المخيم، الذي كان في البداية مركزًا لإيواء اللاجئين العراقيين خلال الغزو الأمريكي للعراق، تحول مع مرور الوقت إلى أكبر معسكر احتجاز لأسر مقاتلي داعش. وقد تم تسليم قوائم بأسماء نحو 10,000 شخص من عائلات عناصر التنظيم إلى السلطات العراقية، وهو ما يعكس استمرار الجهود للتعامل مع تبعات الحرب ضد داعش.


يبدو أن المنطقة على أعتاب مرحلة جديدة من التفاهمات الأمنية التي تشمل قسد وحكومة دمشق وبغداد. رغم النجاحات المحققة، تبقى بعض التحديات الأمنية والسياسية التي قد تؤثر على استدامة هذه الاتفاقات. ويبقى السؤال: هل ستتمكن الأطراف المعنية من تجاوز هذه المخاوف وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين هذه الأطراف، أم أن شبح الإرهاب سيظل يلاحقهم في المستقبل القريب؟

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 10