شهدت الحدود السورية-اللبنانية مؤخرًا اشتباكات عنيفة بين قوات وزارة الدفاع بحكومة دمشق المؤقتة ومسلحين لبنانيين في قرية حوش السيد علي الواقعة غرب مدينة حمص. هذه المواجهات أعادت إلى الواجهة ملف ترسيم الحدود بين البلدين، وهو الملف العالق منذ سنوات.
واندلعت الاشتباكات في 16 من آذار الحالي بعد مقتل ثلاثة عناصر من الجيش السوري، عقب اختطافهم وتصفيتهم داخل الأراضي اللبنانية. بينما ذكرت الرواية اللبنانية أن القتلى هم مهربون سوريون تمت تصفيتهم داخل لبنان، ثم نُقلت جثثهم إلى الجانب السوري.
نفى "حزب الله" ضلوعه في هذه الأحداث عبر بيان نقلته قناة "المنار". في اليوم التالي، تجددت الاشتباكات ثم هدأت بعد ساعات، مع تدخل الجيشين السوري واللبناني للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
وفي 19 من آذار، أعلنت مصادر إعلامية لبنانية عن دخول الجيش اللبناني إلى قرية حوش السيد علي، حيث تم تسيير دوريات أمنية بالتنسيق مع الجانب السوري. هذا التحرك أثار تساؤلات حول آلية التنسيق الأمني بين البلدين، ومدى تأثيره على مستقبل العلاقات الحدودية بين الطرفين.
تقع قرية حوش السيد علي على الحدود السورية-اللبنانية، بالقرب من مدينة القصير في ريف حمص. تاريخيًا، تعتبر المنطقة متداخلة جغرافيًا وديموغرافيًا، حيث يسكنها خليط من السوريين واللبنانيين.
تُستخدم القرية منذ سنوات طويلة كممر للتهريب غير الشرعي بين سوريا ولبنان. تعرضت المنطقة لقصف إسرائيلي متكرر، خاصة بعد تصاعد الصراع في غزة في تشرين الأول 2023. ورغم أن القرية تعتبر جغرافيًا ضمن الأراضي السورية، فإن بعض الجهات اللبنانية تصر على أنها جزء من قضاء الهرمل، الذي يضم 32 بلدة لبنانية.
يرى الباحث في مركز "حرمون للدراسات" نوار شعبان أن ترسيم الحدود ضرورة ملحة، لكن ليس في مقدمة الأولويات، إذ تسبقها إشكاليات أمنية يجب حلها. وأوضح أن الأولوية الآن هي تثبيت اتفاق بين وزارتي الدفاع السورية واللبنانية لضمان استقرار المنطقة، قبل الانتقال إلى خطوة ترسيم الحدود.
العقيد عبد المنعم ضاهر، من وزارة الدفاع بحكومة دمشق المؤقتة، أكد في تصريح سابق أن مسؤول الارتباط في الجيش السوري نسّق مع نظيره اللبناني لانسحاب الطرفين من القرية. وبحسب تقارير إعلامية لبنانية، قدم الجيش اللبناني وثائق تثبت لبنانية القرية، وأبدى الجانب السوري استعداده للانسحاب، طالبًا مهلة 24 ساعة لتنفيذ الاتفاق.
تمتد الحدود بين سوريا ولبنان لمسافة 375 كيلومترًا، وتوجد العديد من النقاط الحدودية المتداخلة بين البلدين، خاصة في محافظة حمص ومدينة القصير. لعقود، كانت هذه المناطق معروفة بأنها ممرات لتهريب السلع والمخدرات، وغالبًا ما كانت خارج سلطة الدولة السورية.
الخلافات الحدودية بين سوريا ولبنان ليست جديدة، إذ تعود جذورها إلى قضية مزارع شبعا التي تتنازع عليها سوريا ولبنان، بينما تحتلها إسرائيل. دفع هذا النزاع مجلس الأمن الدولي إلى إصدار القرار "1680" عام 2006، الذي شدد على ضرورة ترسيم الحدود بين البلدين وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة.
يشير القرار إلى أن تحديد الحدود سيشكل خطوة مهمة نحو تعزيز سيادة لبنان واستقلاله السياسي، وتحسين العلاقات الثنائية بين البلدين.
منذ سقوط النظام السوري السابق، تحاول الحكومة الانتقالية في دمشق تعزيز الأمن على حدودها مع لبنان. وخلال الأشهر الماضية، تواصل الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع مع نظيره اللبناني لمناقشة مسألة ضبط الحدود.
في قمة "الجامعة العربية الطارئة" في 5 آذار 2025، التقى الشرع وقائد الجيش اللبناني جوزيف عون، وناقشا سبل تأمين الحدود، في ظل تزايد التهديدات الأمنية وعمليات التهريب.