مع التغيرات السياسية التي شهدتها سوريا، تحاول إسرائيل إعادة تموضعها في المشهد الإقليمي عبر تبني خطاب يهدف إلى التشكيك في مستقبل الحكم الجديد. ورغم أن تل أبيب دأبت لسنوات على تصوير النظام السابق كعدو استراتيجي، إلا أنها اليوم تستخدم الأسلوب ذاته تجاه السلطة الجديدة، متذرعة بمخاوف أمنية وادعاءات حول "التطرف الإسلامي" لتبرير موقفها العدائي.
الازدواجية الإسرائيلية في قراءة المشهد السوري
منذ اندلاع الأزمة السورية، اتبعت إسرائيل استراتيجية قائمة على ضرب الاستقرار في سوريا، سواء عبر التدخل العسكري المباشر أو عبر دعم أطراف معينة لضمان استمرار الفوضى. واليوم، ومع صعود أحمد الشرع إلى الحكم، تروّج الدوائر الإسرائيلية لرواية مفادها أن "النظام الجديد قد يكون أكثر خطورة"، متناسية أن سياساتها العدوانية على مدى عقود هي التي ساهمت في تأجيج الصراعات داخل المنطقة.
إسرائيل تخشى الاستقرار لا الفوضى
تدّعي إسرائيل أنها قلقة من صعود تيارات إسلامية في الحكم الجديد، لكنها في الواقع تخشى أن تنجح سوريا في بناء دولة مستقرة وقوية، تفرض سيادتها وتعيد ترتيب علاقاتها الإقليمية بعيدًا عن النفوذ الإسرائيلي.
الملف الإيراني: الشماعة الدائمة
تحاول إسرائيل، كما جرت العادة، توظيف "البعبع الإيراني" في كل نقاش مرتبط بسوريا. لكن الحقائق على الأرض تُظهر أن الحكم الجديد في دمشق يسعى إلى استقلال قراره السياسي، وأن لا مصلحة له في أن يكون امتدادًا لأي قوة إقليمية أخرى. غير أن إسرائيل، التي بنت عقيدتها الأمنية على وجود أعداء دائمين، لا تستطيع تقبّل فكرة سوريا ذات سيادة كاملة، ولذا فهي تواصل التهويل بشأن النفوذ الإيراني رغم غياب مؤشرات حقيقية على وجود خطر مباشر منها.
الخوف من فقدان اليد الطولى في المنطقة
تدرك إسرائيل أن التحولات السورية قد تفتح الباب أمام خريطة إقليمية جديدة، يكون فيها القرار السوري مستقلًا، مما يعني تراجع قدرتها على التأثير في معادلات المنطقة كما كانت تفعل سابقًا. ولهذا، فإن خطابها القائم على "التخوف والحذر" ليس إلا محاولة يائسة للحفاظ على موقعها كلاعب متحكم في المشهد الإقليمي.
ختامًا: حجج إسرائيل واهية وأكاذيبها مفضوحة
لا شيء جديد في السلوك الإسرائيلي تجاه سوريا، فكما كانت تبرر عدوانها سابقًا بـ "ضرورات الأمن القومي"، ها هي اليوم تتذرع بمخاوف ملفقة حول الحكم الجديد. لكن الحقيقة الواضحة هي أن تل أبيب لا تخشى "التطرف" كما تزعم، بل تخشى أن تفقد قدرتها على استغلال ضعف سوريا لصالحها، وهو ما يبدو أنه أصبح واقعًا ترفض الاعتراف به.