تداعيات وقف المساعدات الأميركية على الاقتصاد اللبناني

رامي عازار

2025.02.15 - 02:02
Facebook Share
طباعة

 أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن وقفٍ مؤقت – وصفه البعض بأنه دائم – لمعظم برامج المساعدات الخارجية التي تقدمها الولايات المتحدة، ما أثّر بشكل مباشر على العديد من الدول، بما في ذلك لبنان. وبما أن واشنطن كانت واحدة من أكبر المانحين للقطاعين الإنساني والتنموي، بالإضافة إلى دعمها العسكري للبنان، فقد أثّر هذا القرار على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية، وطرح تساؤلات حول مستقبل البلاد في ظل تراجع الدعم الدولي.


حجم المساعدات الأميركية وتأثيرها على لبنان
لطالما شكّلت المساعدات الأميركية ركيزة أساسية لدعم العديد من القطاعات في لبنان، وخاصة في ظل الأزمات المتتالية التي يعاني منها. وفي عام 2023، بلغت قيمة المساعدات الأميركية الخارجية 72 مليار دولار، كان نصيب لبنان منها حوالي 643 مليون دولار، موزعة على قطاعات متعددة، من بينها:
130 مليون دولار لدعم الجيش اللبناني، بما في ذلك تمويل رواتب العناصر وتوفير المعدات اللوجستية.
83 مليون دولار لصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، لدعم الأطفال في مجالات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.
125 مليون دولار للمساعدات الغذائية الطارئة، لدعم الفئات الأكثر حاجة في ظل الأزمة الاقتصادية.
عشرات الملايين من الدولارات لدعم سبل العيش لعناصر الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي.
دعم إضافي لبرامج بيئية، تعليمية، وتنموية تموّلها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID).


ومع تعليق هذا التمويل، وجد حوالي 2000 موظف في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) أنفسهم بدون عمل، مما يضيف المزيد من الضغوط على سوق العمل اللبناني، الذي يعاني أساسًا من معدلات بطالة مرتفعة.


انعكاسات وقف المساعدات على القطاعات المختلفة
1. القطاع التعليمي: تراجع التمويل وزيادة الأعباء
كان للقرار الأميركي تأثير واضح على المؤسسات التعليمية، حيث كانت العديد من الجامعات والمدارس الخاصة تتلقى دعمًا مالياً مباشراً أو غير مباشر عبر منح دراسية ومساعدات مالية للطلاب، وقد مكّنت هذه المساعدات آلاف الطلاب من متابعة تعليمهم في ظل الأزمة الاقتصادية، ومع توقف هذا التمويل، أصبحت الجامعات والمدارس تواجه تحديات في تمويل برامجها، مما قد يؤدي إلى رفع الرسوم الدراسية، وتراجع معدلات الالتحاق، وانخفاض جودة التعليم نتيجة نقص الموارد.


2. القطاع الصحي والإنساني: نقص في الخدمات الأساسية
اعتمد القطاع الصحي في لبنان على جزء كبير من التمويل الأميركي، سواء عبر برامج الأمم المتحدة أو عبر المنظمات غير الحكومية التي تقدم خدمات طبية مجانية للفئات الأكثر ضعفًا. ومع وقف هذه المساعدات، أصبحت العديد من المستشفيات والمراكز الصحية مهددة بالإغلاق أو تقليص خدماتها، ما يهدد آلاف المرضى الذين يعتمدون على هذه المؤسسات لتلقي العلاج.


كما أن الدعم الذي كانت تقدمه واشنطن للمنظمات الإنسانية، مثل "اليونيسف" و"برنامج الأغذية العالمي"، لعب دورًا كبيرًا في تأمين المساعدات الغذائية والصحية للعائلات اللبنانية المتضررة، ومع تعليق التمويل، ستواجه هذه المنظمات صعوبات كبيرة في الاستمرار ببرامجها.


3. الأزمة الاقتصادية والبطالة: ضغوط إضافية على سوق العمل
يأتي القرار الأميركي في وقت يعاني فيه لبنان من أزمة اقتصادية غير مسبوقة، حيث تجاوز معدل البطالة 40% في بعض القطاعات، بينما تستمر العملة الوطنية في الانهيار أمام الدولار الأميركي، ومع فقدان 2000 موظف في USAID لوظائفهم، إلى جانب توقف مشاريع إنمائية كانت توفّر فرص عمل للعاملين في مجالات البنية التحتية والطاقة والبيئة، ستتزايد معدلات البطالة، مما يفاقم الأوضاع المعيشية للمواطنين.


4. ملف النزوح السوري: تداعيات خطيرة على لبنان
يستضيف لبنان حوالي 1.5 مليون نازح سوري، ويعتمد الكثير منهم على برامج المساعدات التي تمولها الولايات المتحدة عبر الأمم المتحدة، ومع وقف التمويل، ستتقلّص الخدمات الصحية والتعليمية والغذائية المقدمة لهم، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع داخل المخيمات، وارتفاع معدل الفقر بينهم، كما أن هذه الأزمة قد تؤدي إلى موجات نزوح جديدة داخل لبنان، ما يزيد من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، ويعقّد قدرة الحكومة اللبنانية على إدارة الأزمة.


هل يمكن أن يكون وقف المساعدات فرصة للبنان؟
في مقابل التداعيات السلبية، يرى بعض الخبراء أن غياب التمويل الأميركي قد يشكل فرصة للبنان لإعادة النظر في سياساته الاقتصادية، والاعتماد على قدراته الذاتية بدلاً من الاتكال الدائم على المساعدات الخارجية.


فبحسب مصادر، فإن المؤسسات اللبنانية قد تضطر إلى تحسين سياساتها المالية وتعزيز الإنتاج المحلي، ما قد يؤدي إلى تطوير بيئة اقتصادية أكثر استدامة، كما أن بعض القطاعات قد تستفيد من إعادة توجيه الموارد الداخلية نحو مشاريع تنموية بديلة، مثل الاستثمار في القطاعات الإنتاجية والصناعية، لتعويض غياب التمويل الأجنبي.


وعلى الرغم من أن هذا السيناريو يبدو نظريًا، إلا أن تحقيقه يتطلب إصلاحات اقتصادية حقيقية، وإرادة سياسية قادرة على تطبيق خطط إنمائية فعالة.

يمثل قرار وقف المساعدات الأميركية تحديًا جديدًا يضاف إلى الأزمات العديدة التي يواجهها لبنان، فبين تفاقم الأزمة الاقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة، وتراجع التمويل للقطاعات الإنسانية والتنموية، يقف لبنان أمام مفترق طرق يتطلب حلولًا جذرية لمواجهة تداعيات هذا القرار.


وفي ظل غياب الدعم الخارجي، يبرز السؤال الأهم: هل يستطيع لبنان تحويل هذه الأزمة إلى فرصة للنهوض الاقتصادي؟ أم أن غياب المساعدات الأميركية سيؤدي إلى مزيد من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي؟ الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 3