مقدمة
انتهى المشهد العسكري في سوريا بعد 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 إلى توزيع السيطرة بين عدة تشكيلات عسكرية، حيث باتت إدارة العمليات العسكرية تفرض نفوذها على 60% من الأراضي السورية. في المقابل، لا تزال "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) تحكم سيطرتها على مناطق شمال شرقي البلاد. أما في الجنوب، فتوجد فصائل متنوعة في درعا والسويداء ومنطقة التنف، بينما يسيطر في الشمال "الجيش الوطني السوري" التابع للحكومة المؤقتة، إلى جانب "الجبهة الوطنية" التي تعدّ شكليًا جزءًا من "الجيش الوطني".
وتحدثنا في البحث السابق عن الفصائل المسلحة في السويداء ومستقبلها بعد سقوط النظام (رابط: https://www.asianewslb.com/?page=article&id=177741 )
وسنتحدث لاحقا عن شمال شرق سوريا التي تحكمها قوات سوريا الديمقراطية.
أما اليوم فسنتحدث عن الفصائل والتشكيلات التي أعلنت توحدها واستعدادها للاندماج بجيش سوريا الجديد.
فبعد سقوط الأسد، بادرت إدارة العمليات العسكرية بقيادة "هيئة تحرير الشام" إلى الدعوة لتوحيد الفصائل ضمن جيش واحد يتبع وزارة الدفاع، بهدف تحقيق هيكل عسكري موحد.
وفي 29 يناير 2025، عُقد "مؤتمر النصر" في دمشق بحضور جميع الفصائل العسكرية باستثناء "قسد" وفصائل السويداء. وأسفر المؤتمر عن قرارات حاسمة، كان أبرزها تعيين أحمد الشرع رئيسًا للمرحلة الانتقالية، وهو ما يعكس تحول الفصائل المسلحة من مجرد قوى عسكرية إلى فاعل رئيسي في المشهد السياسي الانتقالي، مستندة في شرعيتها إلى الثورة، وليس فقط إلى السيطرة العسكرية.
الفصل الأول
"الجيش الوطني السوري"
تشكيل عسكري يضم عددا من الفصائل المعارضة لنظام الأسد، تأسس عام 2017 بدعم تركي، وهدف إلى دمج جميع فصائل المعارضة السورية تحت قيادة واحدة. قاتل "الجيش الوطني" تنظيم "داعش" و"قوات سوريا الديمقراطية" في عفرين ورأس العين وتل أبيض، ويبلغ عدد أفراد "الوطني" نحو 29 ألف مقاتل بحسب التقديرات مع عدم وجود أعداد رسمية.
ويتشكل "الجيش الوطني" من ثلاث فيالق أساسية، وهناك هيكل تنظيمي لوزارة الدفاع التي يرأسها العميد حسن حمادة التابع للحكومة المؤقتة التي يرأسها عبد الرحمن مصطفى والتي تتبع بدورها "الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة".
الفيلق الأول – "الجيش الوطني السوري"
التعداد والانتشار:
يضم الفيلق الأول في "الجيش الوطني السوري" ما يقارب 9,000 مقاتل، ويتمركز في عدة مناطق استراتيجية شمال سوريا، تشمل:
شمال حلب: حيث يسيطر على مدن وبلدات مهمة مثل إعزاز ومارع.
عفرين: التي استولى عليها الجيش الوطني بدعم تركي عام 2018 خلال عملية "غصن الزيتون".
رأس العين وتل أبيض: الواقعتان ضمن مناطق "نبع السلام" بعد العمليات التركية ضد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) عام 2019.
جرابلس والباب: حيث تنتشر قواته في هذه المدن الحدودية مع تركيا، وهي مناطق رئيسية ضمن النفوذ التركي في الشمال السوري.
القيادة والتنظيم
يقود الفيلق الأول العميد معتز رسلان، وهو أحد القيادات العسكرية البارزة التي تحظى بدعم سياسي وعسكري من الجهات المشرفة على الفيلق. ويعد الفيلق واحدًا من التشكيلات الثلاثة الأساسية في "الجيش الوطني السوري"، إلى جانب الفيلق الثاني والثالث.
العلاقة مع وزارة الدفاع في دمشق
بعد سقوط نظام الأسد، أعلنت جميع فصائل الفيلق الأول انضمامها إلى وزارة الدفاع التابعة للحكومة الانتقالية في دمشق، وأكدت التزامها بالمشاركة في إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية بما يتناسب مع الترتيبات الجديدة لوزارة الدفاع. كما أبدت هذه الفصائل استعدادها للاندماج الكامل في الجيش الموحد المزمع تشكيله، والذي دعت إليه "هيئة تحرير الشام" عقب سقوط النظام، في محاولة لصهر الفصائل المختلفة تحت قيادة عسكرية مركزية، تابعة للحكومة الانتقالية الجديدة.
الدور السياسي والعسكري
عسكريًا: لا يزال الفيلق الأول يمثل أحد أعمدة "الجيش الوطني" في الشمال السوري، حيث يشارك في العمليات الأمنية والعسكرية، كما يتعاون مع القوات التركية في تأمين المناطق الحدودية.
سياسيًا: مع دخول المرحلة الانتقالية، بات الفيلق جزءًا من الترتيبات السياسية، خاصة بعد مشاركته في مؤتمر النصر بدمشق، الذي أسفر عن تعيين أحمد الشرع رئيسًا للمرحلة الانتقالية.
التحديات والتطلعات
إعادة الهيكلة: يعد الاندماج في وزارة الدفاع تحديًا كبيرًا، خاصة فيما يتعلق بدمج الفصائل المختلفة في جيش موحد.
العلاقة مع تركيا: لا تزال العلاقة مع تركيا عاملاً مؤثرًا في تحركات الفيلق، إذ تعتمد الفصائل المنتشرة في الشمال السوري على الدعم اللوجستي والعسكري التركي.
التعامل مع الفصائل الأخرى: رغم الانضمام إلى وزارة الدفاع، لا تزال هناك تحديات تتعلق بالتنسيق مع الفصائل الأخرى، خصوصًا في ظل تعقيد المشهد العسكري والسياسي في الشمال السوري.
الفيلق الثاني – "الجيش الوطني السوري"
التعداد والانتشار
يضم الفيلق الثاني في "الجيش الوطني السوري" ما يقارب 14,000 مقاتل، ويتمركز في عدة مناطق رئيسية في الشمال السوري، من بينها:
الراعي: إحدى المدن الحدودية المهمة التي تستخدم كمركز إمداد وتحرك لقوات الفيلق.
عفرين: حيث ينتشر الفيلق في المدينة وريفها، وهو أحد الفصائل الرئيسية التي سيطرت عليها بعد عملية "غصن الزيتون" عام 2018.
الباب: وهي من أهم المدن الخاضعة لسيطرة "الجيش الوطني"، وتشكل نقطة استراتيجية لقوات الفيلق الثاني.
رأس العين: الواقعة ضمن منطقة "نبع السلام"، والتي سيطر عليها "الجيش الوطني" بعد العملية العسكرية التركية ضد "قسد" عام 2019.
القيادة والتنظيم
يقود الفيلق الثاني فهيم عيسى، وهو شخصية عسكرية بارزة في "الجيش الوطني السوري"، ولعب دورًا محوريًا في العمليات العسكرية السابقة شمال سوريا. يضم الفيلق عددًا من الفصائل المختلفة، التي اجتمعت تحت قيادته ضمن بنية تنظيمية أكثر مركزية خلال السنوات الأخيرة.
العلاقة مع وزارة الدفاع في دمشق
مع دخول سوريا مرحلة ما بعد سقوط الأسد، شاركت فصائل الفيلق الثاني في اللقاءات مع وزارة الدفاع التابعة للحكومة الانتقالية في دمشق، وأبدت جميع الفصائل استعدادها لحل نفسها ضمن الجيش الجديد، والاندماج الكامل في الترتيبات العسكرية الجديدة. هذا الالتزام يعكس رغبة الفيلق في التحول من قوة فصائلية إلى جزء من مؤسسة عسكرية موحدة تحت قيادة الدولة الجديدة، ما يعني إنهاء حالة الفصائلية وتشكيل جيش وطني منظم.
الدور العسكري والسياسي
عسكريًا: لا يزال الفيلق الثاني أحد أكبر التشكيلات العسكرية ضمن "الجيش الوطني"، وهو مسؤول عن تأمين واستقرار المناطق الواقعة تحت سيطرته، بالإضافة إلى التنسيق مع تركيا في القضايا الأمنية والعسكرية.
سياسيًا: بعد مؤتمر النصر في دمشق، أصبح الفيلق الثاني جزءًا من المشروع السياسي الانتقالي، حيث كان حضوره في المؤتمر مؤشرًا على اعترافه بالقيادة الجديدة والتزامه بالمسار الانتقالي بقيادة أحمد الشرع.
التحديات والتطلعات
التكيف مع الجيش الوطني الموحد: حل الفصائل ودمجها في مؤسسة واحدة يتطلب تنسيقًا عسكريًا ولوجستيًا كبيرًا.
التوازن بين تركيا والقيادة الجديدة: نظرًا للعلاقات القوية بين الفيلق الثاني وتركيا، فإن الانتقال إلى قيادة مركزية سورية قد يفرض تحديات دبلوماسية وعسكرية.
التعامل مع القوى الأخرى: في ظل تعدد الفصائل والقوى العسكرية في الشمال السوري، فإن إدارة العلاقة مع الفصائل الأخرى ستكون ضرورية لضمان الاستقرار ومنع أي صراعات داخلية.
الفيلق الثالث – "الجيش الوطني السوري"
التعداد والانتشار
يضم الفيلق الثالث في "الجيش الوطني السوري" حوالي 6,000 مقاتل، ويتواجد بشكل رئيسي في شمال محافظة حلب، حيث يسيطر على عدة مناطق استراتيجية، تشمل:
مدينة أعزاز ومحيطها: وهي واحدة من أهم معاقل "الجيش الوطني"، وتعد مركزًا إداريًا وعسكريًا للفصائل في الشمال.
مدينة الباب: التي تعدّ نقطة حيوية في الشمال السوري وتحتضن عدة مقرات عسكرية للفيلق.
مدينة مارع: وهي مدينة استراتيجية في ريف حلب الشمالي، لطالما كانت نقطة توتر بين الفصائل المختلفة وقوات النظام وقسد.
القيادة والتنظيم
يقود الفيلق الثالث عزام الغريب، الذي لعب دورًا بارزًا في توحيد الفصائل التابعة له، مما جعله أحد الفصائل الأكثر تنظيمًا واستقرارًا داخل "الجيش الوطني السوري". يتألف الفيلق من عدة مجموعات عسكرية وفصائل انضوت تحت قيادته خلال السنوات الماضية.
العلاقة مع وزارة الدفاع في دمشق
بعد سقوط الأسد، أعلن الفيلق الثالث بشكل رسمي رغبته في الانحلال التام ضمن وزارة الدفاع التابعة للحكومة الانتقالية في دمشق، دون أي تحفظات أو شروط. وجاء هذا الإعلان في إطار الترتيبات الجديدة لتوحيد القوى العسكرية تحت قيادة مركزية واحدة، بهدف إنهاء الفصائلية وتأسيس جيش وطني. وقد كان حضور جميع قادة الفيلق الثالث لمؤتمر النصر في دمشق يوم 29 يناير 2025 إشارة واضحة إلى التزامه الكامل بالمرحلة الانتقالية، واستعداده للعمل تحت القيادة الجديدة التي تشكلت بعد سقوط النظام.
الدور العسكري والسياسي
عسكريًا: لا يزال الفيلق الثالث قوة عسكرية أساسية في الشمال السوري، حيث يساهم في استقرار المناطق التي يسيطر عليها. كما أنه يعتبر جزءًا من الترتيبات الدفاعية ضد أي تهديدات محتملة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).
سياسيًا: من خلال مشاركته في "مؤتمر النصر"، أصبح الفيلق الثالث لاعبًا رئيسيًا في المشهد السياسي، مما يعزز دوره في المرحلة الانتقالية وتشكيل الجيش الجديد.
التحديات والتطلعات
دمج المقاتلين في الجيش الجديد: رغم استعداده للانحلال ضمن وزارة الدفاع، فإن التنفيذ الفعلي لهذه العملية يتطلب إجراءات تنظيمية لضمان انتقال سلس.
التكيف مع القيادة المركزية: الانتقال من فصيل عسكري مستقل إلى وحدة ضمن جيش موحد يعني تغييرًا كبيرًا في آليات اتخاذ القرار والتنسيق مع القوى الأخرى.
التعامل مع التوازنات الدولية: كون الفيلق يعمل في مناطق ذات تأثير تركي قوي، فإن العلاقة بين الحكومة الانتقالية وتركيا قد تؤثر على طريقة إعادة هيكلته.
الفصل الثاني
"الجبهة الوطنية للتحرير"
التعريف والتأسيس
الجبهة الوطنية للتحرير هي تشكيل عسكري معارض تأسس في مايو/أيار 2018 كتحالف بين 11 فصيلًا مسلحًا في شمال غربي سوريا ("فيلق الشام، والفرقة الساحلية الأولى، والفرقة الساحلية الثانية، والفرقة الأولى مشاة، وجيش إدلب الحر، وجيش النصر، وجيش النخبة، والجيش الثاني، وشهداء الإسلام داريا، ولواء الحرية، والفرقة 23") . أُعلن رسميًا عن تشكيلها في 28 مايو 2018، بهدف توحيد الفصائل المقاتلة لمواجهة قوات النظام السوري وتعزيز التنسيق العسكري في المناطق المحررة. ورغم أنها تابعة شكليًا لـ"الجيش الوطني السوري"، إلا أنها احتفظت ببنية تنظيمية شبه مستقلة حتى الترتيبات العسكرية الأخيرة التي تلت سقوط الأسد.
القيادة
القائد العام: العقيد فضل الله الحجي (ينتمي إلى "فيلق الشام").
رئيس الأركان: الرائد محمد منصور (من "جيش النصر").
التعداد والانتشار
تضم "الجبهة الوطنية للتحرير" نحو 25,000 مقاتل ينتشرون في:
محافظة إدلب: المعقل الأساسي للجبهة، حيث تسيطر على العديد من المناطق الريفية والمدن داخل المحافظة.
ريف حلب الغربي: حيث تتركز بعض الفصائل المنضوية تحت راية الجبهة في مناطق متاخمة لإدلب.
التنسيق مع إدارة العمليات ووزارة الدفاع الجديدة
خلال المرحلة التي أعقبت سقوط النظام السوري، كانت "الجبهة الوطنية للتحرير" على تنسيق عالٍ جدًا مع إدارة العمليات العسكرية، التي باتت القوة المهيمنة في أغلب المحافظات السورية بقيادة أحمد الشرع. وبعد الإعلان عن تشكيل وزارة الدفاع الجديدة ضمن الحكومة الانتقالية في دمشق، أبدت الجبهة استعدادها الكامل للانحلال ضمن الوزارة والانضمام إلى الترتيبات العسكرية الجديدة، بما يتماشى مع خطة توحيد القوات المسلحة السورية. وقد كان حضور جميع قادة الجبهة في "مؤتمر النصر" بدمشق في 29 يناير 2025 دليلًا واضحًا على التزامها بالمرحلة الانتقالية، ورغبتها في أن تكون جزءًا من الجيش الوطني الجديد.
الدور العسكري والسياسي
عسكريًا: كانت "الجبهة الوطنية للتحرير" أحد أكبر التشكيلات المقاتلة في إدلب وريف حلب، ولعبت دورًا مهمًا في التصدي لمحاولات النظام السوري وحلفائه استعادة السيطرة على المنطقة. كما كانت جزءًا من التحالفات التي عملت بالتنسيق مع تركيا في الشمال السوري.
سياسيًا: بعد سقوط الأسد، لم تعد الجبهة مجرد قوة عسكرية بل أصبحت جزءًا من الترتيبات السياسية الجديدة من خلال علاقتها بإدارة العمليات العسكرية ووزارة الدفاع في الحكومة الانتقالية. مشاركتها في مؤتمر النصر أكدت التزامها بالدور الجديد الذي سيتحول فيه المقاتلون إلى جيش نظامي موحد.
التحديات والتطلعات
التكيف مع قيادة مركزية: رغم إعلانها الاستعداد للانضمام إلى وزارة الدفاع، فإن الانتقال من كيان فصائلي مستقل إلى جزء من جيش منظم يتطلب جهودًا لوجستية وتنظيمية كبيرة.
العلاقة مع هيئة تحرير الشام: رغم التنسيق العالي بين الطرفين، فإن مستقبل العلاقة بين الجبهة وهيئة تحرير الشام في ظل الحكومة الانتقالية لا يزال موضع تساؤل.
التوازن بين المصالح الإقليمية: بحكم موقعها في إدلب وعلاقتها بتركيا، ستحتاج الجبهة إلى إعادة صياغة دورها العسكري والسياسي في ضوء التغيرات الإقليمية.
الفصل الثالث
"هيئة تحرير الشام" والفصائل المتحالفة معها: من الجذور إلى مرحلة الجيش الوطني الموحد
الجذور والتأسيس
من "جبهة النصرة" إلى "هيئة تحرير الشام"
تعود أصول هيئة تحرير الشام إلى "جبهة النصرة لأهل الشام"، التي أُسست في أواخر 2011 كفرع رسمي لتنظيم القاعدة في سوريا، بقيادة أحمد الشرع الملقب بـ أبو محمد الجولاني. كانت الجبهة في البداية امتدادًا مباشرًا لتنظيم القاعدة في العراق بقيادة أبو بكر البغدادي، لكنها انفصلت عنه لاحقًا بعد خلافات داخلية.
في يوليو 2016، أعلنت "جبهة النصرة" فك ارتباطها عن القاعدة وتغيير اسمها إلى "جبهة فتح الشام"، في خطوة تهدف إلى تقديم نفسها كقوة محلية غير مرتبطة بالتنظيمات الجهادية العالمية. ومع ذلك، استمرت في العمل كفصيل عسكري منظم ومؤثر في المشهد السوري.
تشكيل هيئة تحرير الشام (2017)
في 28 يناير 2017، وبعد سلسلة من الصراعات بين الفصائل المسلحة في الشمال السوري، تم إعلان تشكيل "هيئة تحرير الشام" من اندماج عدة فصائل، أبرزها:
جبهة فتح الشام (الاسم الجديد لجبهة النصرة).
حركة نور الدين زنكي (التي انفصلت عنها لاحقًا بعد خلافات).
جبهة أنصار الدين.
لواء الحق.
تزامن هذا التشكيل مع تفكك كتل عسكرية أخرى، مثل "جيش الفتح"، الذي كان تحالفًا يضم عدة فصائل إسلامية وسيطر على إدلب في 2015، لكنه ضعف بسبب النزاعات الداخلية.
مرحلة السيطرة على شمال غرب سوريا
بعد تأسيسها، خاضت هيئة تحرير الشام معارك شرسة ضد فصائل أخرى، أبرزها أحرار الشام وحركة نور الدين زنكي (بعد انفصالها عن الهيئة). وفي نهاية المطاف، فرضت سيطرتها الكاملة على إدلب وأجزاء واسعة من ريفي حلب واللاذقية بحلول عام 2019.
ولتثبيت حكمها، أنشأت "حكومة الإنقاذ السورية" في أواخر 2017، والتي أصبحت بمثابة الذراع المدني لإدارة المناطق الخاضعة لها، حيث تولت شؤون التعليم، والقضاء، والخدمات، والاقتصاد. واستغلت الهيئة وقف إطلاق النار بين 2020 و2024 في بناء قوتها العسكرية، حيث أنشأت 18 لواءً عسكريًا جعلها الفصيل الأكثر تنظيمًا واستعدادًا في شمال سوريا.
من بين الألوية العسكرية التي تم تشكيلها أو تعزيزها خلال هذه الفترة:
اللواء 1: يُعتبر من الألوية الرئيسية في صفوف الهيئة، ويشارك في العمليات العسكرية الكبرى.
اللواء 2: يختص بالمهام التكتيكية والعمليات الخاصة، ويُعرف بقدرته على تنفيذ الغارات الليلية.
اللواء 3: يركز على مهام الدفاع والتمركز في المناطق الاستراتيجية.
اللواء 4: يُعنى بالعمليات القتالية في المناطق الحضرية، ويشارك في معارك المدن الكبرى.
اللواء 5: يختص بالعمليات الهندسية وتفكيك الألغام، مما يساهم في تأمين المناطق المحررة.
اللواء 6: يُركّز على العمليات الإعلامية والحرب النفسية، بهدف تعزيز الروح المعنوية للمقاتلين والتأثير على الرأي العام.
اللواء 7: يُعنى بالعمليات اللوجستية وتوفير الإمدادات للمقاتلين في الخطوط الأمامية.
اللواء 8: يختص بالعمليات الطبية والإسعافات الأولية، ويعمل على تقديم الرعاية الصحية للمصابين.
كما أنشأت الهيئة عدة ألوية إضافية تركز على تعزيز الدفاعات في المناطق الإستراتيجية والعمل على تنظيم صفوفها.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الألوية تعمل بتنسيق عالي فيما بينها، مما يعزز من فعالية الهيئة في مواجهة التحديات العسكرية والأمنية في المنطقة.
عملية "ردع العدوان" وسقوط نظام الأسد (2024-2025)
مع تصاعد التوترات في سوريا، تحالفت هيئة تحرير الشام مع عدد من الفصائل المقاتلة، مثل: الحزب الإسلامي التركستاني - أجناد القوقاز - أنصار التوحيد - جيش العزة - صقور الشام - حركة أحرار الشام.
وفي 27 نوفمبر 2024، أطلقت الهيئة وحلفاؤها عملية "ردع العدوان"، وهي حملة عسكرية ضخمة استهدفت النظام السوري وحلفاءه. بعد أسابيع من القتال، انتهت العملية في 8 ديسمبر 2024 بدخول إدارة العمليات العسكرية إلى دمشق وإسقاط نظام الأسد.
الانتقال إلى الجيش الوطني الموحد
بعد سقوط الأسد، برزت هيئة تحرير الشام كأكثر الفصائل تنظيمًا، وأعلنت استعدادها التام لحل نفسها والانضواء تحت وزارة الدفاع الجديدة التابعة للحكومة الانتقالية. ولم تضع الهيئة أي شروط أو تحفظات على هذه الخطوة، مما ميزها عن بعض الفصائل الأخرى التي ترددت في البداية.
في 29 يناير 2025، حضر جميع قادة الهيئة "مؤتمر النصر" في دمشق، مؤكدين التزامهم بالاندماج في الجيش الوطني السوري الموحد.
التحديات والمستقبل
رغم اندماجها في الجيش الوطني الجديد، تواجه هيئة تحرير الشام تحديات كبيرة، أبرزها:
التكيف مع القيادة المركزية: الانتقال من كيان مستقل إلى جزء من جيش منظم يعني تغييرًا جذريًا في الهيكل الإداري والعسكري.
التعامل مع الإرث الجهادي: رغم محاولتها تقديم نفسها كفصيل محلي، لا تزال بعض القوى الإقليمية والدولية تراها امتدادًا لتيارات إسلامية متشددة.
التوازن بين النفوذ المحلي والدولي: كونها عملت سابقًا كقوة مستقلة، فإن دورها المستقبلي في إطار الجيش الوطني سيعتمد على قدرتها على التكيف مع السياسة العامة للحكومة الانتقالية.
(سنتحدث في أبحاث لاحقة عن تفاصيل التشكيل العسكري قبل سقوط نظام الأسد وحكم الهيئة للبلاد)
الفصل الرابع
جيش سوريا الحرة: من النشأة إلى الاندماج في الجيش الوطني الجديد
النشأة والتأسيس
"جيش سوريا الجديد" (2015-2016) : ظهر ما كان يُعرف بـ "جيش سوريا الجديد" لأول مرة في عام 2015، كجزء من برنامج دعم عسكري أميركي-أردني يهدف إلى:
- محاربة تنظيم داعش في المناطق الشرقية من سوريا، خصوصًا في البادية السورية.
- التصدي لقوات النظام السوري وتأمين الحدود الجنوبية والشرقية.
- مواجهة التمدد الإيراني في سوريا، وخاصة في المناطق القريبة من الحدود العراقية والأردنية.
اتخذ الفصيل من قاعدة التنف الأميركية، الواقعة على المثلث الحدودي بين سوريا والأردن والعراق، مقرًا رئيسيًا له، حيث تلقى مقاتلوه تدريبات عسكرية متقدمة على يد القوات الأميركية.
التحول إلى "جيش مغاوير الثورة" (2016-2022)
بعد اشتباكات مع داعش وخلافات داخلية، تغير اسم الفصيل إلى "جيش مغاوير الثورة"، وواصل نشاطه في منطقة التنف والبادية السورية، حيث حافظ على علاقات قوية مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، مستفيدًا من الغطاء الجوي والدعم اللوجستي الذي وفرته القوات الأميركية.
إعادة التشكيل إلى "جيش سوريا الحرة" (2022)
في عام 2022، تمت إعادة هيكلة الفصيل وإطلاق اسم "جيش سوريا الحرة" عليه، وتم تعيين فريد قاسم قائدًا جديدًا له، لكنه أُقيل لاحقًا في عام 2024، ليحل محله سالم العنتري، الذي لا يزال يقود الفصيل حتى اليوم.
القوة العسكرية والانتشار
يُقدّر عدد مقاتلي "جيش سوريا الحرة" بحوالي 2500 مقاتل، معظمهم من أبناء العشائر في منطقة البادية السورية. ويعتمد الفصيل بشكل أساسي على التدريب المستمر الذي تقدمه القوات الأميركية داخل قاعدة التنف.
لديه قدرات قتالية متطورة نسبيًا مقارنة بباقي الفصائل، بفضل الدعم الأميركي المستمر من حيث التسليح، والتكتيكات العسكرية، والمعلومات الاستخباراتية.
الاندماج في الجيش الوطني الجديد بعد سقوط النظام
بعد سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024، عقد "جيش سوريا الحرة" عدة اجتماعات مع القيادة الجديدة، وخاصة مع وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، لبحث مستقبل الفصيل ودوره في المرحلة القادمة. وفي نهاية المطاف، وافق قادة "جيش سوريا الحرة" على الاندماج الكامل ضمن وزارة الدفاع في الإدارة الجديدة، ليصبح رسميًا جزءًا من الجيش الوطني السوري الجديد.
وفي 29 يناير 2025، شارك قادة "جيش سوريا الحرة" في "مؤتمر النصر" في دمشق، حيث أعلنوا تأييدهم لجميع مخرجات المؤتمر، وأكدوا ولاءهم للإدارة الجديدة.
التحديات والمستقبل
رغم انضمامه إلى الجيش الوطني، يواجه الفصيل تحديات عدة:
الاستمرار في الاعتماد على الدعم الأميركي: لا يزال الجيش مرتبطًا بقاعدة التنف والقوات الأميركية، مما قد يشكل تحديًا إذا قررت واشنطن تغيير استراتيجيتها في سوريا.
التكيف مع البنية العسكرية الجديدة: الانتقال من فصيل مستقل إلى جزء من جيش نظامي يتطلب إعادة تنظيم داخلية وتنسيق أعلى مع القيادة المركزية.
العلاقة مع العشائر: نظرًا لأن مقاتليه من أبناء العشائر، فإن اندماجه الكامل قد يحتاج إلى ضمانات سياسية واجتماعية لضمان استقرار ولائه في المستقبل.
الفصل الخامس
فصائل درعا: من التأسيس إلى اليوم
تعتبر محافظة درعا واحدة من أكثر المناطق استراتيجية في سوريا، خاصة بعد اندلاع النزاع السوري في عام 2011. على مدى سنوات النزاع، نشأت العديد من الفصائل المسلحة في هذه المنطقة، التي لعبت أدواراً متغيرة في سياق الحرب، وتأثرت بتطورات الأحداث العسكرية والسياسية في سوريا.
التأسيس والانطلاق
في بداية الحرب السورية، شكلت درعا نقطة انطلاق للاحتجاجات الشعبية ضد النظام السوري في 2011، مما أدى إلى تصاعد المواجهات بين المتظاهرين وقوات النظام. مع تطور الأحداث، بدأت الفصائل العسكرية بالتشكل في درعا، معظمها كان عبارة عن جماعات محلية انضمت إليها مجموعة من المقاتلين الذين كانوا يقاومون النظام. في تلك المرحلة، كانت أبرز الفصائل تشمل "الجيش الحر" و"جبهة النصرة" (التي أصبحت لاحقاً هيئة تحرير الشام)، إضافة إلى بعض الجماعات السلفية.
التدخل الروسي والتسوية 2018
مع وصول الحرب إلى مراحل أكثر تعقيداً، دخلت روسيا إلى الساحة بشكل فعال في عام 2015، حيث بدأت في تقديم الدعم العسكري الكبير للنظام السوري. في 2018، أقدمت القوات الروسية على تدخل عسكري حاسم في محافظة درعا، وهو ما أسفر عن اجتياح قوات النظام وحلفائها للمنطقة. ذلك جاء بعد اتفاقات تهدئة ومفاوضات جرت بين روسيا والقوى المحلية في درعا، مع موافقة واشنطن وعمان على هذه التسوية.
وكانت واحدة من أبرز نتائج هذه التسوية هي تمكين روسيا من فرض هيمنتها على المنطقة، وذلك من خلال إدخال قوات من الفيلق الخامس الذي شكله الجيش الروسي، وتشكيل قوات محلية تابعة له.
الفصائل الرئيسية بعد 2018
بعد التسوية التي تمت مع روسيا، بدأ الوضع العسكري في درعا يأخذ طابعاً جديداً مع استمرار وجود بعض الفصائل المسلحة المستقلة. من أبرز هذه الفصائل:
اللواء الثامن:
يعد اللواء الثامن من أبرز الفصائل العسكرية في المنطقة بعد دخول روسيا، ويقوده أحمد العودة الذي كان سابقاً أحد القادة في "الفيلق الخامس" الروسي. كان يتواجد هذا اللواء في عدة مناطق رئيسية في درعا مثل بصرى الشام، الحراك، وخربة غزالة. إضافة إلى ذلك، لديه مجموعة صغيرة في المنطقة الشرقية لمحافظة درعا القريبة من محافظة السويداء. وبلغ عدد أفراد هذا الفصيل نحو 800 مقاتل. رغم التسوية، لم يظهر أحمد العودة رغبة قوية في الانضمام إلى وزارة الدفاع السورية أو حل تشكيله العسكري، مما يطرح تساؤلات حول استراتيجياته المستقبلية، خاصة في ظل محاولاته لتحسين شروط التفاوض مع الإدارة الجديدة.
وكان العودة أول قائد فصيل يلتقي أحمد الشرع بعد يومين من سقوط نظام الأسد، وهو شخصية يُنظر لها من طرف المعارضة بعين الريبة، وذلك في ضوء تبعيته لروسيا نحو 7 سنوات، ولا تزال تُطرح تساؤلات كثيرة بشأن علاقته مع الإدارة السورية الجديدة ومستقبل قواته.
اللجان المركزية:
كانت اللجان المركزية في البداية مجموعة من القوى التي تأثرت بـ"أحرار الشام"، بيد أن قيادتها قد انتقلت إلى أبو حيان حيط. سيطروا على المنطقة الغربية من درعا، التي تشمل نوى، طفس، اليادودة، ومنطقة حيط ومزيريب. ومع مرور الوقت، أصبحت هذه اللجان تمثل قوة رئيسية في المنطقة الغربية، حيث كانت تركز على الحفاظ على توازن القوى وعدم الانخراط في صراعات مباشرة مع قوات النظام أو مع "هيئة تحرير الشام".
جيش المعتز:
تمثل هذه المجموعة قوة معارضة أخرى وتنتشر في منطقة طفس. يقود هذه المجموعة أبو مرشد بردان، وقد نجحوا في تأسيس وجود مستمر في المنطقة رغم الضغوط العسكرية التي كانت تتعرض لها.
فصائل درعا البلد:
لا يزال هناك عدة فصائل صغيرة في منطقة درعا البلد، التي كانت تشهد قدراً من التنسيق والتضامن. رغم أنها ليست كبيرة أو منظمة بشكل كامل، إلا أن هذه الفصائل تمتلك أسلحة ثقيلة، ولديها القدرة على التأثير في سير العمليات في المنطقة.
الوضع الحالي والمستقبل
يعتبر الجنوب من أكثر المناطق القلقة رغم تمدد إدارة العمليات العسكرية إلى درعا واستلامها للمخافر هناك ولمؤسسات الدولة، أغلب هذه الفصائل لا يرغبون في دخول مواجهة مع إدارة العمليات العسكرية. ويبدو أن الامتناع عن الدخول في وزارة الدفاع من قبل "اللواء الثامن" هو لتحسين شروط التفاوض مع الإدارة الجديدة وعدم رضا البعض عن الشخصيات التي أرسلتها إدارة العمليات إلى درعا. ومع ذلك حضرت جميع فصائل درعا "مؤتمر النصر" في دمشق حتى أحمد العودة أرسل نائبه للمؤتمر.
الخاتمة:
مع سقوط النظام السوري ودخول المرحلة الانتقالية، تشهد سوريا تحولات جذرية على صعيد القوى العسكرية والسياسية. حيث تتجه الفصائل المسلحة نحو توحيد صفوفها تحت مظلة الجيش الوطني السوري، مؤكدين التزامهم بالعملية السياسية الجديدة. ورغم التحديات الكبيرة التي ستواجهها هذه الفصائل في عملية الاندماج وإعادة الهيكلة، فإن الواقع العسكري يفرض ضرورة التنسيق والتعاون بين جميع الأطراف لتحقيق الاستقرار وبناء مؤسسة عسكرية وطنية موحدة. إن هذه التحولات تبشر بفرصة جديدة لسوريا نحو إعادة بناء مؤسساتها العسكرية والسياسية بما يتماشى مع تطلعات الشعب السوري في السلام والاستقرار.