يعيش لبنان في مرحلة حرجة حيث تتجاذبه التحديات الداخلية والخارجية، خاصة مع مساعي تشكيل حكومة جديدة تلبي المعايير التي وضعتها اللجنة الخماسية للدول الراعية للملف اللبناني.
ركزت هذه اللجنة على ضرورة إجراء انتخابات رئاسية وتشكيل حكومة بشكل يضمن تمثيل كافة الطوائف بما يتناسب مع حجمها النيابي وتمثيلها السياسي. لكن التوترات الداخلية، وازدياد الخروقات لاتفاق وقف إطلاق النار من الجانب الإسرائيلي، إضافة إلى التحرك العسكري على الحدود السورية في البقاع، جعل التمثيل الشيعي في الحكومة تحت هذه الضغوطات، ما زاد التعقيد في مساعي إنضاج تشكيل الحكومة العتيدة.
التحديات الداخلية
من الواضح أن الصراعات السياسية بين الأطراف اللبنانية تعكس مأزقًا تاريخيًا، حيث تتفاوت المصالح والتوجهات، الأمر الذي ينعكس سلبًا على إمكانية تشكيل حكومة توافقية. تبرز الأحزاب المختلفة، بما في ذلك صراع الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله) ومحاولات إقصائهم عن التمثيل الوزاري، كعائق رئيسي في سبيل الوصول إلى اتفاق.
الضغوط التي تتعرض لها الشخصيات القيادية، مثل رئيس مجلس النواب نبيه بري، تشير إلى توازنات القوة الجديدة في البلد، حيث يُعاد ترتيب الأولويات بناءً على المتغيرات الإقليمية والدولية.
السيناريوهات المحتملة لعدم إمكانية تشكيل الحكومة بالتراضي:
استمرار حالة الشلل السياسي:
في غياب توافق بين الأطراف، يمكن أن يبقى الوضع على ما هو عليه، مع تكبد لبنان تكاليف اقتصادية واجتماعية إضافية. هذا النموذج قد يعمّق من الاستياء الشعبي وقد يؤدي إلى احتجاجات أكبر.
تصعيد الصراع الداخلي:
قد تلجأ الأطراف السياسية، خاصة الثنائي الشيعي، إلى تكثيف الضغوط في الشارع من خلال تنظيم مظاهرات أو تشكيل تحالفات جديدة لمواجهة الهيمنة المحتملة للجنة الخماسية وداعميها. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تصعيد أمني وظهور تحركات شعبية تدفع إلى خلق مزيد من النقاشات حول تمثيل الطوائف.
تدخل أجنبي متزايد:
من المحتمل أن يلعب التدخل الخارجي، وبالأخص من الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وبعض الدول العربية، دورًا محوريًا في تحديد مستقبل لبنان. التدخل العسكري أو الضغوط الاقتصادية والعقوبات قد تشتت الجهود الداخلية. قد تتجه الولايات المتحدة وفرنسا نحو تدخل أكبر لتشكيل الحكومة من خارج لبنان.
إعادة ترتيب التحالفات السياسية:
يمكن أن تسعى بعض الكتل السياسية إلى إدارة مفاوضات سرّية للوصول إلى اتفاقات غير رسمية قد تتجاوز الأحزاب الكبيرة. في هذه الحالة، قد تظهر شخصيات جديدة في الساحة السياسية تمثل أقليات معينة وتسعى إلى الحصول على دعم خارجي.
استمرار سياسة التقسيم:
في حال فشل الجماعات السياسية في التوافق، قد يتجه لبنان نحو شكل من أشكال التقسيم الفعلي، حيث تسعى الأطراف إلى تعزيز حكمها الذاتي في مناطق معينة بدلاً من الانصياع إلى حكومة مركزية ضعيفة أو معدومة.
تطبيق عقوبات جديدة:
ردًا على عدم الاستجابة للضغوط الغربية، يمكن أن تتضمن العقوبات الأميركية الجديدة سن قوانين تعزز فرض حصار اقتصادي أو قانوني يفاقم الوضع.
الواقع اللبناني يخضع لتوازنات دقيقة تتأثر بالسياسات الإقليمية والدولية، مما يجعل مستقبل البلاد معقدًا وغامضًا. إلا أن الخيارات المتاحة أمام الأطراف السياسية يجب أن تُفكَّر فيها بجدية، لأن عدم التفاهم سيؤدي حتمًا إلى تداعيات وخيمة على كافة الأصعدة: السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية. الصراع على السلطة يخاطر بتحويل لبنان إلى ساحة حرب بالوكالة، مما يجعل من الضروري التوصل إلى حلول توافقية تفيد جميع الأطراف المعنية، قبل فوات الأوان.