العلاقات المصرية - السورية بعد سقوط النظام: تحولات وتحديات – 5-2-2025

2025.02.05 - 09:13
Facebook Share
طباعة

بعد سقوط النظام السوري في 8 كانون الأول 2024، تابعت مصر تطورات المشهد السوري بحذر، متبعة نهجًا دبلوماسيًا متريثًا تجاه الإدارة السورية الجديدة التي ترأسها أحمد الشرع. وعلى الرغم من أن العديد من الدول العربية سارعت إلى إرسال وفود دبلوماسية إلى دمشق، اكتفت القاهرة بخطوات اتصالية محدودة، كان أبرزها مكالمة هاتفية أجريت في 31 كانون الأول 2024 بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره السوري أسعد الشيباني.


وفي سياق التحركات الدبلوماسية المصرية، وجّه الرئيس عبد الفتاح السيسي برقية تهنئة إلى أحمد الشرع بمناسبة توليه منصب رئيس الجمهورية خلال المرحلة الانتقالية. غير أن هذه التهنئة لم تترافق مع خطوات دبلوماسية أوسع، مما يعكس طبيعة الموقف المصري المتحفظ إزاء التحولات السياسية في سوريا.


ارتدادات الأحداث السورية على مصر
لم تكن التغيرات في سوريا مجرد حدث داخلي معزول، بل امتدت تداعياتها إلى مصر بطرق مختلفة. فقد أثار سقوط نظام بشار الأسد موجة تفاعلات سياسية وشعبية داخل مصر، حيث انتشر وسم "الدور عليك يا دكتاتور" على وسائل التواصل الاجتماعي، في إشارة إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وهذا يعكس تصورات لدى قطاعات من المجتمع المصري بأن التحولات في سوريا قد تكون مقدمة لتغيرات مشابهة في دول أخرى، بما في ذلك مصر.


وفي ظل هذه الأجواء، برزت حركة سياسية جديدة في سوريا تُنادي بالثورة ضد النظام المصري. ومع تصاعد الزخم الإعلامي والسياسي لهذه الحركة، قامت السلطات المصرية بحملة أمنية واسعة، أسفرت عن اعتقال ما لا يقل عن 30 لاجئًا سوريًا في القاهرة، كانوا يحتفلون بسقوط النظام السوري، وفقًا لتقرير صادر عن "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية".


الموقف المصري من الوضع الأمني في سوريا
ظل الخطاب الرسمي المصري يركز على ضرورة منع تحوّل سوريا إلى بؤرة لعدم الاستقرار أو ملاذ للجماعات المسلحة، إذ سبق لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أن شدد على أهمية "عدم إيواء عناصر إرهابية" على الأراضي السورية، مؤكدًا ضرورة التعاون الدولي لضمان استقرار سوريا وعدم استخدامها كنقطة انطلاق لتهديد أمن المنطقة.


تهديدات من سوريا ضد مصر
لم تكد الأوضاع تستقر في سوريا بعد هروب الأسد حتى برزت تهديدات مباشرة تستهدف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وأبرز هذه التهديدات جاءت على لسان جهادي مصري يُدعى أحمد المنصور، كان قد انضم سابقًا إلى فصائل المعارضة السورية المسلحة.


وسرعان ما انتشرت أخبار حول تشكيل "حركة ثوار 25 يناير" المصرية داخل سوريا، وهو ما دفع السلطات السورية الجديدة إلى التحرك بسرعة لاحتواء هذا التطور. وفي خطوة تعكس حرص دمشق على تهدئة مخاوف القاهرة، قامت الأجهزة الأمنية السورية باعتقال أحمد المنصور، قائد الحركة.


ونقلت وكالة "رويترز" عن مصادر في وزارة الداخلية السورية، وأخرى أمنية عربية، أن الإدارة الجديدة في دمشق أوقفت أحمد المنصور بسبب "تهديداته للحكومة المصرية". ورغم أن القاهرة لم تطلب رسميًا تسليمه، إلا أنها عبّرت عن استيائها من إعادة ظهور شخصيات معارضة مصرية في سوريا، وذلك من خلال قنوات استخباراتية مع دول إقليمية أخرى. وتشعر مصر بأن استمرار حالة عدم الاستقرار في سوريا قد يتيح لبعض الفصائل إعادة تنظيم نفسها، وهو ما يثير قلقها.


ردود الفعل المصرية والسورية
في 14 كانون الثاني، نشر حساب "المتحدث الرسمي" لـ"حركة ثوار 25 يناير" على منصة "إكس" بيانًا أشار فيه إلى أن قائد الحركة أحمد حماد المنصور قد تم توقيفه أو اختفى في دمشق، إلى جانب عدد من رفاقه. وذكر البيان أن المنصور كان قد تلقى دعوة لمقابلة وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة قبل اختفائه.


وطالبت "الحركة" الحكومة السورية بسرعة الإفراج عن المنصور، مؤكدة أنها لا تسعى إلى إحراج سوريا في علاقاتها الدولية، لكنها في الوقت ذاته شددت على أن "الشعب المصري، سواء في الداخل أو الخارج، قادر على إدارة حقوقه والدفاع عن نفسه ضد انتهاكات نظام السيسي، كما واجه الشعب السوري نظام بشار الأسد المخلوع".


العلاقة بين مصر وسوريا الجديدة: التحديات والمحاذير
مع التغيرات الجذرية التي شهدتها سوريا، تواجه العلاقات بين القاهرة ودمشق مجموعة من التحديات التي تجعل مصر تتعامل بحذر مع الإدارة الجديدة. وبحسب الباحث كرم سعيد من "مركز الأهرام للدراسات"، فإن هناك عدة عوامل تُعقد المشهد، أبرزها:
- وجود عدد من المقاتلين الأجانب، بمن فيهم مصريون، ممن انخرطوا في الصراع السوري المسلح.
- مخاوف القاهرة من أن تصبح سوريا نقطة انطلاق لمعارضين مصريين يعيدون تشكيل صفوفهم.
- تردد القوى الإقليمية والدولية في اتخاذ مواقف حاسمة تجاه الحكومة السورية الجديدة، ما يجعل الموقف المصري مرتبطًا بتطورات المشهد الدولي.


وأكد سعيد أن مصر، إلى جانب قوى إقليمية أخرى، تترقب السياسات التي ستتبعها الإدارة السورية الجديدة، حيث سيكون لهذه السياسات تأثير مباشر على طبيعة العلاقات المستقبلية.


الأهداف المصرية في سوريا
لطالما كانت مصر لاعبًا مهمًا في الملف السوري، وإن اختلفت سياساتها باختلاف الحكومات. ففي عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي، كان هناك دعم واضح للثورة السورية، بينما اتخذ الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي نهجًا أكثر تحفظًا، تدرج من الحياد إلى الانفتاح الحذر على نظام بشار الأسد قبل سقوطه.


وفي أعقاب زلزال شباط 2023، قام وزير الخارجية المصري بزيارة إلى سوريا، في خطوة كانت الأولى من نوعها منذ انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين النظام السوري السابق والقاهرة عام 2011. وشكلت هذه الزيارة مؤشرًا على استعداد القاهرة لإعادة تقييم علاقاتها مع دمشق.


مستقبل العلاقات المصرية - السورية
يرى كرم سعيد أن القاهرة تدرك أهمية الحفاظ على علاقات جيدة مع سوريا الجديدة، ولكنها تشترط عدة ضمانات، أهمها:
- الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وعدم السماح بتقسيم البلاد.
- بناء نظام سياسي مستقر يشمل كافة مكونات الشعب السوري.
- ضمان عدم تحوّل سوريا إلى ملاذ للمعارضين المصريين أو الجماعات المسلحة.


كما يشير سعيد إلى أن الإدارة السورية الجديدة، بقيادة أحمد الشرع، تسعى بدورها إلى توسيع تحالفاتها في المنطقة، وقد بدأت ذلك من خلال زيارات واتصالات مع دول مثل السعودية، الإمارات، الأردن، وقطر. وهذا يعكس توجّه دمشق نحو تعزيز مكانتها الإقليمية بعد سنوات من العزلة.


وبناءً على ذلك، فإن مصر، رغم تبنيها سياسة حذرة، لا يمكنها تجاهل الديناميكيات الإقليمية التي تدفع نحو إعادة ترتيب المشهد السياسي في المنطقة. ومع ازدياد الانفتاح العربي والدولي على سوريا الجديدة، قد تجد القاهرة نفسها مضطرة إلى إعادة النظر في سياساتها وتعزيز تواصلها مع دمشق بما يحقق مصالحها الاستراتيجية. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 6