المقدمة
يشهد الشرق الأوسط تغيرات دبلوماسية متسارعة في السنوات الأخيرة، أبرزها مسار التطبيع بين "إسرائيل" والدول العربية، والذي بدأ مع "اتفاقيات أبراهام" التي شملت الإمارات والبحرين والمغرب والسودان. في هذا السياق، ظهرت تقارير تشير إلى مفاوضات متقدمة بين السعودية و"إسرائيل" لإبرام اتفاق تطبيع جديد، برعاية أمريكية. هذا البحث يستعرض أبعاد هذه المفاوضات، الأطراف المؤثرة، العقبات المحتملة، والانعكاسات الإقليمية.
أولًا: خلفية تاريخية للعلاقات السعودية-الإسرائيلية
منذ قيام ما يسمى "إسرائيل" عام 1948، كانت السعودية من الدول التي رفضت الاعتراف بها ودعمت القضية الفلسطينية سياسيًا وماليًا. ومع ذلك، شهدت العقود الأخيرة لقاءات غير رسمية وتعاونًا غير مباشر في مجالات استخباراتية وأمنية، لا سيما في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.
ثانيًا: دوافع التطبيع بين السعودية و"إسرائيل"
1. الدوافع السياسية والأمنية:
التهديد الإيراني المشترك: تنظر كل من الرياض و"تل أبيب" إلى إيران كمصدر تهديد رئيسي، سواء بسبب برنامجها النووي أو دعمها لجماعات مسلحة في المنطقة.
تعزيز التحالفات الإقليمية: يتماشى التطبيع مع الاستراتيجية الأمريكية لتعزيز التحالفات ضد إيران وتقليل الالتزامات العسكرية الأمريكية المباشرة في المنطقة.
التغيرات في السياسة الأمريكية: واشنطن تسعى إلى تحقيق إنجاز دبلوماسي جديد في المنطقة، سواء كان بقيادة إدارة بايدن أو غيرها، لتعزيز استقرار الشرق الأوسط.
2. الدوافع الاقتصادية والتكنولوجية:
الاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية: يمكن للسعودية الاستفادة من الخبرات الإسرائيلية في مجالات التكنولوجيا، الأمن السيبراني، وتحلية المياه.
تعزيز الاستثمارات والتجارة: فتح العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين سيخلق فرصًا اقتصادية واسعة.
ثالثًا: العوائق أمام التطبيع
1. العقبات السياسية والدينية:
الرفض الشعبي: التطبيع قد يواجه معارضة شعبية داخل السعودية نظرًا لكون "إسرائيل" لا تزال تحتل أراضي فلسطينية.
الشرعية الدينية: باعتبار السعودية راعية الحرمين الشريفين، فإن أي خطوة نحو التطبيع تحتاج إلى تبرير ديني وسياسي قوي.
2. القضية الفلسطينية:
موقف السعودية الرسمي: الرياض أكدت مرارًا أنها لن تطبع رسميًا مع "إسرائيل" دون حل القضية الفلسطينية وفق مبادرة السلام العربية.
رفض الفصائل الفلسطينية: أي اتفاق قد يواجه رفضًا من قبل السلطة الفلسطينية وحماس، مما يعقد المسار الدبلوماسي.
رابعًا: الدور الأمريكي في المفاوضات
الولايات المتحدة تلعب دورًا محوريًا في تقريب وجهات النظر بين السعودية و"إسرائيل". وتشمل جهودها:
- ضمانات أمنية للسعودية: تشمل تزويد المملكة بأسلحة متطورة وتعزيز التعاون الدفاعي.
- مساعدة السعودية في برنامجها النووي السلمي: واشنطن تدرس السماح للرياض بتطوير برنامج نووي مدني كجزء من الصفقة.
- تحقيق تنازلات إسرائيلية للفلسطينيين: إدارة بايدن قد تضغط على "إسرائيل" لتقديم تنازلات رمزية على الأقل.
خامسًا: انعكاسات الاتفاق على المنطقة
1. التأثير على ميزان القوى في الشرق الأوسط:
- سيعزز الاتفاق محور السعودية-الإمارات-"إسرائيل" في مواجهة إيران.
- قد يؤدي إلى تراجع نفوذ تركيا وقطر في القضايا الإقليمية.
2. تداعيات على القضية الفلسطينية:
- قد يضعف موقف الفلسطينيين التفاوضي.
- يمكن أن يدفع "إسرائيل" لمزيد من الإجراءات الأحادية مثل توسيع الاستيطان.
3. أثر الاتفاق على دول عربية أخرى:
قد يشجع دولًا أخرى مثل عمان والكويت على مراجعة سياساتها تجاه "إسرائيل".
الخاتمة
رغم أن التطبيع بين السعودية و"إسرائيل" يبدو محتملًا في ظل العوامل السياسية والأمنية والاقتصادية المشتركة، إلا أن هناك عقبات جدية قد تعرقل التوصل إلى اتفاق قريب. يبقى السؤال الأهم: هل سيكون هذا الاتفاق خطوة نحو الاستقرار الإقليمي أم عاملًا لتعميق الصراعات؟ الإجابة تعتمد على كيفية معالجة القضية الفلسطينية والتوازنات الإقليمية المستقبلية.