مقدمة
في مقال له في صحيفة "هآرتس" العبرية، عرض الكاتب الإسرائيلي روبيك روزنتال تحليلاً نقدياً للنتائج المترتبة على الحرب التي شنتها إسرائيل ضد قطاع غزة، والمعروفة بمعركة "طوفان الأقصى". وبدلاً من الحديث عن انتصار إسرائيلي أو تأكيد القوة العسكرية، أشار روزنتال إلى الخسارة الواضحة التي منيت بها إسرائيل في تلك المعركة، على الرغم من التفوق العسكري الظاهر. هذا التحليل يأتي في وقت حساس بالنسبة للدولة العبرية التي تعيش أزمات متعددة، سواء على المستوى السياسي أو العسكري أو الاقتصادي. في هذا البحث، سنسلط الضوء على الأبعاد المختلفة لهذه الهزيمة كما عرضها روزنتال، ونتناول السياق السياسي والعسكري الذي أدى إلى تلك النتيجة.
الفصل الأول: التصعيد العسكري في معركة "طوفان الأقصى"
خلفية الحرب
انطلقت معركة "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023، وهي الهجوم الكبير الذي شنته حركة حماس على إسرائيل، في واحدة من أجرأ العمليات العسكرية في تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. الهجوم، الذي استهدف مستوطنات غلاف غزة، وقوات الجيش الإسرائيلي، والمرافق الحيوية داخل إسرائيل، كان بمثابة مفاجأة استراتيجية كبرى للقادة العسكريين الإسرائيليين. خلال الأيام الأولى للهجوم، تكبدت إسرائيل خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.
الحملة العسكرية الإسرائيلية
ردت إسرائيل بسرعة بشن عملية عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة، شملت غارات جوية وقصفاً مدفعياً واسع النطاق. كما سعت القوات البرية إلى دخول القطاع، وتدمير الأنفاق والمنشآت العسكرية التابعة لحركة حماس. ورغم التفوق العسكري الإسرائيلي، فإن الحرب أثبتت صعوبة القضاء على حركة حماس بشكل حاسم، واستمرارها في الحفاظ على قوتها العسكرية واللوجستية.
الفصل الثاني: أسباب الهزيمة وفقاً لرؤية روبيك روزنتال
خسارة الأهداف العسكرية
بحسب روزنتال، على الرغم من أن إسرائيل قد دمرت العديد من المنشآت العسكرية لحركة حماس وقتلت عدداً من القيادات، إلا أن الهدف الأساسي من الحرب لم يتحقق: إسقاط حركة حماس. كما يضيف أن حماس، على العكس، استطاعت إعادة تنظيم صفوفها بسرعة، بينما لم تتغير الأوضاع بشكل جوهري في غزة. سكان غزة، الذين كانوا الهدف غير المباشر للعديد من العمليات العسكرية، لم يغادروا مناطقهم، وهو ما يعني أن الاحتلال الإسرائيلي لم يحقق أي تقدم ملموس على الأرض.
خسارة معنوية وسياسية
في تحليله، يشير روزنتال إلى أن الهزيمة في هذه الحرب ليست فقط عسكرية، بل هي أيضاً معنوية وسياسية. فعلى الرغم من الهجوم الذي شنته حماس في البداية، إلا أن إسرائيل فشلت في استعادة الأمن في مستوطنات غلاف غزة، حيث لم يتمكن الكثير من السكان من العودة إلى منازلهم المدمرة. كما أن عشرات الإسرائيليين الذين تم أسرهم من قبل حماس ما زالوا في قبضة المقاومة، مما يعكس عجز الدولة العبرية في إنهاء الحرب بشكل سريع وحاسم.
تراجع الدعم الدولي
أحد أهم الجوانب التي ركز عليها روزنتال في مقاله هو فقدان إسرائيل تعاطف المجتمع الدولي. ورغم الدعم الذي تلقته إسرائيل في البداية من بعض الدول الغربية، إلا أن هذا الدعم بدأ يتراجع مع مرور الوقت بسبب الأسلوب العسكري القاسي الذي استخدمته إسرائيل ضد المدنيين في غزة. ويعتقد روزنتال أن هذه الحرب قد أدت إلى خسارة إسرائيل لعقود من تعاطف الرأي العام الدولي، مما سيترك آثاراً سلبية على العلاقات الدولية لإسرائيل في المستقبل.
خسائر اقتصادية واجتماعية
وفقًا للكاتب، فإن إسرائيل تواجه الآن تحديات اقتصادية ضخمة بعد الحرب. الاقتصاد الإسرائيلي دخل في مرحلة ركود طويلة، ومن المرجح أن يستمر الوضع الاقتصادي في التدهور لعدة سنوات، ما يترتب عليه تأثيرات سلبية على مختلف قطاعات الاقتصاد. كما أن المجتمع الإسرائيلي يعاني من معاناة نفسية وجسدية كبيرة، وقد وصل هذا التأثير إلى كل بيت في إسرائيل، مما يعكس عمق الأزمة الداخلية التي يواجهها الاحتلال.
الفصل الثالث: مقارنة مع حروب سابقة وثمار "النصر" الإسرائيلي
حرب الأيام الستة: انتصار قصير الأمد
في المقارنة بين معركة "طوفان الأقصى" والحروب السابقة، مثل حرب الأيام الستة في 1967، يُشير روزنتال إلى أن "ثمار النصر" في الحروب السابقة كانت قصيرة الأمد. في تلك الحروب، مثل حرب 1967، استطاعت إسرائيل تحقيق انتصارات سريعة لكن سرعان ما تبعتها مزيد من الحروب والتوترات. يرى الكاتب أن الانتصارات العسكرية الإسرائيلية في تلك الفترات لم تُترجم إلى سلام طويل الأمد أو استقرار، بل كانت بداية لمرحلة جديدة من الصراعات والحروب.
اتفاقيات السلام: الانتصار الحقيقي
على الرغم من النجاحات العسكرية في الحروب السابقة، يعتقد روزنتال أن الاتفاقات السياسية مثل اتفاقيات أوسلو واتفاقيات السلام مع مصر والأردن هي "ثمار النصر الحقيقي" لدولة إسرائيل. هذه الاتفاقيات ساعدت إسرائيل في الحفاظ على وجودها بشكل آمن، وهي التي أنقذت الدولة العبرية من العديد من المخاطر الجيوسياسية. رغم الانتقادات التي تعرضت لها هذه الاتفاقيات، فإنها كانت بمثابة الأساس لبقاء إسرائيل في المنطقة.
الفصل الرابع: تداعيات الهزيمة على إسرائيل ومستقبل نتنياهو
الوضع السياسي الداخلي
بحسب روزنتال، فإن الهزيمة في معركة "طوفان الأقصى" تمثل نهاية حقبة بالنسبة لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو. فالرجل الذي لطالما اعتبر نفسه "رجل الأمن القوي"، والذي حقق العديد من المكاسب السياسية على مدار سنوات حكمه، يجد نفسه اليوم في مواجهة مع تحديات داخلية كبيرة. يشير روزنتال إلى أن هذه الحرب ستكون "إرث العار" الذي سيلاحق نتنياهو طوال حياته، خاصة في ظل تعبيرات ضعف متزايدة في مجالات متعددة، سواء كان ذلك جسديًا، نفسيًا، أو سياسيًا.
تأثير الهزيمة على الحكومة الإسرائيلية
التحليل الذي قدمه روزنتال يظهر أن الحكومة الإسرائيلية الحالية، بقيادة نتنياهو، قد فشلت في تحقيق أهدافها الأمنية والسياسية في غزة، مما سيؤدي إلى زيادة الضغوط الشعبية على حكومته. هناك شعور متزايد بعدم الثقة في القيادة السياسية، مما قد يُسهم في حدوث تغييرات كبيرة على مستوى الحكومات المقبلة في إسرائيل.
الخاتمة
معركة "طوفان الأقصى" كانت واحدة من أكثر اللحظات الحاسمة في تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث كشفت عن العجز الإسرائيلي أمام المقاومة الفلسطينية في غزة. على الرغم من التفوق العسكري الذي تمتلكه إسرائيل، إلا أن معركة "طوفان الأقصى" أظهرت أن الانتصارات العسكرية وحدها لا تكفي لضمان أمن طويل الأمد أو تحقيق أهداف سياسية. في الوقت نفسه، فإن الهزيمة التي منيت بها إسرائيل في هذه الحرب قد تترك آثارًا عميقة على المستويين السياسي والاقتصادي، وقد تُعيد تشكيل مستقبل العلاقات بالمنطقة بشكل عام.