المقدمة
يعدّ عاطف نجيب، الرئيس السابق لفرع الأمن السياسي في محافظة درعا، أحد أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في تاريخ سوريا الحديث. ارتبط اسمه بأحداث عام 2011، حيث كان أحد المسؤولين عن القمع الوحشي الذي أدى إلى اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضد نظام بشار الأسد، والتي تحولت لاحقًا إلى حرب أهلية دامت لأكثر من عقد.
في 1 شباط 2025، وبعد سقوط نظام الأسد، أعلنت السلطات الجديدة القبض على نجيب في عملية نوعية بمحافظة اللاذقية. هذه الخطوة أثارت العديد من التساؤلات حول مصيره، وكيف يمكن لمحاسبته أن تمثل نقطة تحول في المشهد السوري.
هذا البحث يستعرض الخلفية الشخصية لنجيب، دوره في الأحداث التي فجرت الثورة السورية، تبعات أفعاله على تطورات الصراع، وأخيرًا، تفاصيل اعتقاله بعد انهيار النظام.
الفصل الأول: الخلفية الشخصية لعاطف نجيب
1. النشأة والصعود إلى السلطة
وُلد عاطف نجيب عام 1960 لعائلة ذات خلفية متواضعة من جهة الأب، لكنه ارتبط بعائلة الأسد من جهة والدته، حيث كانت أمه فاطمة مخلوف شقيقة أنيسة مخلوف، زوجة حافظ الأسد. هذا الارتباط العائلي مكّنه من الوصول إلى مواقع السلطة داخل الأجهزة الأمنية السورية رغم سمعته العنيفة وسلوكه المتهور.
خلال شبابه، كان مقربًا من باسل الأسد، الابن الأكبر لحافظ الأسد، الذي كان يُعَدُّ خليفة والده. إلا أن وفاة باسل الأسد في حادث سيارة عام 1994 أدت إلى تحول موازين القوة داخل العائلة الحاكمة، حيث انتقلت الترتيبات السياسية إلى بشار الأسد.
ومع تولي بشار الحكم عام 2000، عاد نجيب إلى الواجهة، حيث منحه النظام مناصب أمنية حساسة، كان آخرها رئيس فرع الأمن السياسي في درعا عام 2008.
2. سماته الشخصية وسلوكه العنيف
وفقًا لشهادات ضباط سابقين، ورجال أعمال، وسجناء تعاملوا معه، كان عاطف نجيب شخصًا متهورًا، سريع الغضب، يتعامل مع السلطة باعتبارها أداة للقمع المطلق.
كان يعشق السيارات الفاخرة، ويفضل ماركات مثل "بي إم دبليو" و"جاغوار".
كان يرتدي الأحذية الإيطالية الفاخرة والسترات الجلدية، ويحب الظهور بمظهر الرجل القوي المسيطر.
استخدم سلطته الأمنية في إذلال وإهانة الناس بشكل منهجي، وكان معروفًا بأساليبه الوحشية في التعامل مع المعارضين.
ارتبط اسمه بقصص خطف النساء والتعامل العنيف مع المعارضين، حيث كان يرى نفسه فوق القانون.
هذه السمعة جعلته مكروهًا بين سكان درعا، حتى قبل اندلاع الأحداث التي أشعلت الثورة السورية.
الفصل الثاني: دور عاطف نجيب في اندلاع الثورة السورية
1. حادثة اعتقال الأطفال وتعذيبهم
في 2011، قام مجموعة من الأطفال في درعا بكتابة شعارات مناهضة للنظام على جدران مدرستهم، مستلهمين مما حدث في الثورات العربية. من بين العبارات التي كتبوها كانت: "إجاك الدور يا دكتور"
ردَّت قوات الأمن السياسي، بقيادة عاطف نجيب، باعتقال الأطفال وتعذيبهم بوحشية. وعند مطالبة أهاليهم بالإفراج عنهم، كانت إهانة نجيب الشهيرة لهم: "انسوا أطفالكم... وجيبوا غيرهم!"
بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين قال لهم باستهزاء: "إذا لم تستطيعوا إنجاب غيرهم، جيبوا نساءكم!"
2. بداية الاحتجاجات الشعبية
أثار هذا التعامل الوحشي غضب سكان درعا، الذين خرجوا في مظاهرات سلمية تطالب بالإفراج عن الأطفال ومعاقبة المسؤولين عن تعذيبهم. لكن النظام واجههم بالرصاص الحي، مما أدى إلى سقوط قتلى، وتصاعد الاحتجاجات إلى مستوى غير مسبوق.
كان الطفل حمزة الخطيب أحد هؤلاء الضحايا، حيث تعرض لتعذيب شديد قبل أن تُلقى جثته في أحد الشوارع، مما جعل منه أيقونة للثورة السورية.
3. توسع الثورة في سوريا
سرعان ما انتقلت الاحتجاجات إلى مدن سورية أخرى، مثل دمشق، حمص، حماة، دير الزور، وأصبحت حركة احتجاجية وطنية تطالب بإسقاط النظام.
أدرك بشار الأسد خطورة الموقف، فأمر بعزل عاطف نجيب في محاولة لتهدئة الغضب الشعبي. لكن هذه الخطوة جاءت متأخرة جدًا، حيث كانت الثورة قد انطلقت بالفعل.
الفصل الثالث: اعتقال عاطف نجيب بعد سقوط النظام
1. سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024
بعد أكثر من عقد من الصراع، وفي 8 ديسمبر 2024، أُعلن عن سقوط نظام بشار الأسد بعد تزايد الضغوط الداخلية والخارجية. انهار النظام نتيجة تصاعد المواجهات بين قوات المعارضة المدعومة دوليًا، والانشقاقات داخل الجيش، وانهيار الاقتصاد، مما دفع الأسد لمغادرة سوريا، تاركًا رجاله لمصيرهم.
2. اعتقال عاطف نجيب في اللاذقية
أعلنت قوات الأمن السورية الجديدة أمس الجمعة اعتقال عاطف نجيب في محافظة اللاذقية، حيث كان مختبئًا في منزل أحد أقاربه.
3. تفاصيل العملية الأمنية
نفذ العملية "مديرية الأمن العام" في اللاذقية، وفق خطة محكمة استهدفت مجموعة من رموز النظام السابق.
تمت مداهمة الموقع بعد معلومات استخباراتية أكدت مكانه.
لم يُبدِ نجيب مقاومة كبيرة، حيث بدا في حالة إرهاق وخوف شديدين عند اعتقاله.
تم نقله فورًا إلى دمشق، حيث تم تسليمه للجهات المختصة لبدء إجراءات محاكمته.
4. ردود الفعل على اعتقاله
المرصد السوري لحقوق الإنسان وصفه بأنه "أهم شخصية يتم توقيفها منذ سقوط الأسد".
عائلات ضحايا درعا طالبوا بمحاكمته علنًا، واعتبروه رمزًا للظلم الذي تعرضوا له منذ 2011.
حكومات غربية ومنظمات حقوقية دعت إلى تقديمه للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية بسبب جرائم ضد الإنسانية.
الخاتمة
عاطف نجيب لم يكن مجرد ضابط أمني، بل كان رمزًا للعنف والقمع في سوريا، ولعب دورًا محوريًا في تفجير الثورة السورية.
اعتقاله بعد سقوط الأسد يمثل خطوة أولى في مسار العدالة، لكنه يثير تساؤلات حول ما إذا كانت السلطات الجديدة ستكتفي بمحاسبته، أم ستلاحق كل المسؤولين عن الجرائم التي ارتُكبت في سوريا خلال العقود الماضية.
محاكمته قد تكون نقطة تحول في تاريخ سوريا، فهل ستفتح الباب أمام عدالة حقيقية؟