بحث - قطاع النفط والغاز: التحديات والفرص في ظل الإدارة السورية الجديدة

2025.02.01 - 09:19
Facebook Share
طباعة

 يُعَدّ قطاع الطاقة -وخاصةً النفط والغاز- من الركائز الأساسية للاقتصاد السوري، حيث يسهم في تلبية احتياجات البلاد الخدمية والإنتاجية والسلعية، كما أنه يشكّل مصدراً مهماً للقطع الأجنبي، أو على الأقل وسيلة لتقليل استهلاكه في عمليات الاستيراد.


ومع ذلك، فقد تعرض هذا القطاع لاستنزاف كبير واستثمار جائر، إضافة إلى الأضرار الكبيرة التي لحقت به خلال سنوات الصراع، نتيجة تعدد القوى المسيطرة على الأراضي السورية. وطالت هذه الأضرار الحقول والمنشآت وخطوط النقل، كما أن العقوبات المفروضة على سوريا أعاقت عمليات الصيانة لسنوات، مما جعل إعادة تأهيل مرافق هذا القطاع تحدياً معقداً أمام الإدارة السورية الجديدة.


تمتلك سوريا مجموعة من الحقول والآبار التي تنتج النفط والغاز بكميات جيدة، حيث تتركز معظم الحقول المنتجة في المناطق الشرقية والشمالية الشرقية، والتي تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في حين أن مصافي التكرير الرئيسية والمرافق المرتبطة بها تقع في المنطقة الوسطى وعلى الساحل السوري، وهي خاضعة لسيطرة الإدارة السورية الجديدة.


ومع تزايد الحاجة إلى النفط والغاز، تواجه الإدارة الجديدة مجموعة من التحديات التي تعرقل الاستثمار الأمثل في هذا القطاع الحيوي، ما يتطلب جهداً كبيراً وتمويلاً ودعماً إقليمياً ودولياً.


أولاً: الواقع الحالي لقطاع النفط في سوريا
يُقدَّر الاحتياطي النفطي في سوريا بحوالي 2.5 مليار برميل، ما يمثل 0.2% من إجمالي الاحتياطي العالمي البالغ 1.6 تريليون برميل. إلا أن الإنتاج شهد تراجعاً حاداً من 385 ألف برميل يومياً في عام 2010 إلى نحو 110 آلاف برميل يومياً حالياً، حيث تُنتج قوات سوريا الديمقراطية 100 ألف برميل، بينما تنتج الحقول الخاضعة لسيطرة الإدارة السورية الجديدة نحو 10 آلاف برميل يومياً.


يتم إنتاج النفط من نحو 78 حقلاً تتوزع في عدة محافظات، أبرزها دير الزور (41 حقلاً)، حمص (11 حقلاً)، الرقة (11 حقلاً)، الحسكة (10 حقول)، حماة (4 حقول)، وحلب (حقل واحد). تُعد حقول الرميلان في الحسكة الأكبر، حيث تحتوي على أكثر من 1200 بئر وتنتج حالياً حوالي 30 ألف برميل يومياً، تليها حقول العمر في دير الزور بإنتاج يومي يبلغ نحو 25 ألف برميل.


يتم نقل النفط عبر شبكة خطوط تمتد لمئات الكيلومترات، أبرزها الخط الواصل بين تل عدس وطرطوس بطول 560 كم، والذي تعرض لهجمات متفرقة خلال النزاع، لكن الأضرار التي لحقت به كانت محدودة في معظمها.


ويتم تكرير النفط في مصفاتين رئيسيتين:
مصفاة بانياس بطاقة إنتاجية 120 ألف برميل يومياً (كانت 133 ألفاً عام 2011).
مصفاة حمص بطاقة إنتاجية 100 ألف برميل يومياً (كانت 107 آلاف عام 2011).


ثانياً: الواقع الحالي لقطاع الغاز في سوريا
يُقدر الاحتياطي المؤكد من الغاز الطبيعي في سوريا بحوالي 240 مليار متر مكعب، 60% منها عبارة عن غاز مصاحب. وقد تراجع الإنتاج من 30 مليون متر مكعب يومياً عام 2010 إلى نحو 9.1 مليون متر مكعب يومياً حالياً، منها 8 ملايين متر مكعب من الحقول الخاضعة للإدارة السورية الجديدة، و1.1 مليون متر مكعب من الحقول التي تسيطر عليها "قسد"، ولا يغطي هذا الإنتاج سوى نصف احتياج محطات توليد الكهرباء، الذي يبلغ نحو 18 مليون متر مكعب يومياً.


يتم استخراج الغاز من 28 حقلاً رئيسياً، موزعة بين حمص (19 حقلاً)، دير الزور (5 حقول)، الرقة (حقلان)، وحماة (حقلان).


ثالثاً: إجراءات الطوارئ الحالية
منذ سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024، أوقفت قوات سوريا الديمقراطية إمدادات النفط والغاز التي كانت تزود بها النظام السابق، كما أوقفت إيران شحنات النفط التي كانت تصل عبر الخط الائتماني، والتي كانت تشكل 90% من إمدادات النفط الخام لمصفاتَيْ بانياس وحمص، أدى ذلك إلى تراجع إنتاج مصفاة حمص إلى 50% من طاقتها التشغيلية، ومصفاة بانياس إلى 60%. وللتعويض، زادت الواردات البرية من المحروقات عبر تركيا، كما وصلت في 12 يناير 2025 أول ناقلة غاز قطري إلى ميناء بانياس.


أكدت الإدارة الجديدة في دمشق أن العقوبات الدولية لن تعيق عمليات الاستيراد، وبدأت وزارة النفط منذ منتصف يناير 2025 بطرح مناقصات لاستيراد النفط والغاز والمشتقات النفطية.


رابعاً: التحديات المستقبلية
توزع الحقول بين مناطق سيطرة مختلفة: معظم الحقول النفطية وأكثر من ثلث آبار الغاز تقع في مناطق سيطرة "قسد"، مما يفرض تحدياً أمام إدارة الموارد الوطنية ويفرض الحاجة إلى اتفاقيات تضمن استمرار تدفق الإمدادات.


الأضرار المادية الواسعة: تعرضت المنشآت النفطية لأضرار جسيمة بسبب القتال والتخريب والسرقات، إضافة إلى تراجع عمليات الصيانة لأكثر من عقد، ما يجعل إعادة التأهيل مكلفة ومعقدة.


نقص الكوادر البشرية المؤهلة: عانى القطاع من هجرة الكفاءات قبل عام 2011، وتفاقمت المشكلة خلال الحرب، مما يجعل من الصعب إعادة تشغيل المرافق بالقدرات المحلية وحدها.


العقوبات الدولية: تعيق العقوبات عمليات الصيانة والاستثمار الأجنبي، ما يزيد من صعوبة استعادة الإنتاج لمستوياته الطبيعية.


التهديدات الأمنية: لا تزال المنشآت النفطية عرضة لهجمات من تنظيم داع ش وغيره من الجماعات المسلحة، مما يشكل تحدياً للاستثمار والاستقرار.


الخلاصة
يمثل قطاع النفط والغاز أحد أهم مرتكزات الاقتصاد السوري خلال مرحلة إعادة الإعمار، خاصة إذا تمكنت الإدارة السورية الجديدة من إعادة الإنتاج إلى مستوياته قبل عام 2011، وهو ما قد يدرّ على البلاد عوائد تصل إلى 10 مليارات دولار سنوياً.


لتحقيق ذلك، تحتاج الإدارة إلى تعزيز الثقة مع القوى الإقليمية والدولية، واستقطاب الاستثمارات عبر الشراكات والخصخصة، فضلاً عن تطوير البنية التحتية وإصلاح الأضرار التي لحقت بالقطاع. ومع استمرار التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية، سيظل نجاح قطاع النفط والغاز مرهوناً بمدى قدرة الإدارة الجديدة على تحقيق الاستقرار الداخلي وجذب الاستثمارات الضرورية للنهوض بهذا القطاع الحيوي.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 4