نواف سلام رئيساً مكلفاً: تداعيات التكليف وتأثيره على المشهد السياسي

جوسلين معوض

2025.01.14 - 08:41
Facebook Share
طباعة

 شهدت الساحة اللبنانية تطوراً سياسياً لافتاً مع تكليف القاضي نواف سلام بتشكيل الحكومة، في خطوة أثارت الكثير من الجدل والآمال في آنٍ واحد، وشكل التكليف، الذي أتى بعد حصول سلام على تأييد 84 نائباً، مفاجأة في أوساط السياسة اللبنانية وأبرز تحولاً دراماتيكياً في موازين القوى، داخلياً وخارجياً.


القاضي نواف سلام، وهو شخصية مرموقة على المستويين المحلي والدولي، عُرف بخبرته القانونية والدبلوماسية ونزاهته، ما جعله مرشحاً طبيعياً للقوى الداعمة للتغيير والإصلاح، لكن هذا التكليف لم يكن مجرد قرار سياسي، بل كان تجسيداً لموجة تغييرية بدأت مع انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية، واستمرت بانتخاب سلام رئيساً مكلفاً لتشكيل أولى حكومات العهد الجديد.


يعكس اختيار سلام إرادة تغييرية واضحة، سواء من القوى الداخلية التي رشحته أو من القوى الدولية التي دعمت انتخابه، ويبدو أن لبنان يعيش مرحلة من التحولات السياسية الكبرى، حيث يترافق هذا التكليف مع تصاعد الحديث عن الإصلاحات الهيكلية الضرورية لإنقاذ البلاد من أزماتها المتراكمة.


سلام، الذي شغل سابقاً منصب السفير اللبناني لدى الأمم المتحدة ورئيس محكمة العدل الدولية، يعود إلى بيروت حاملاً ثقة داخلية ودولية لتولي مسؤولية حساسة في ظل تحديات هائلة، ومع ذلك، فإن مسار تشكيل الحكومة يواجه عقبات كبيرة، أبرزها التوازنات الطائفية والسياسية الدقيقة التي تميّز النظام اللبناني.


ورغم الزخم الذي رافق تكليف سلام، كان غياب التمثيل الشيعي عن الأصوات الداعمة له نقطة جدل كبرى، فقد اعتبر "الثنائي الشيعي" أن غياب الدعم الشيعي للمكلف الجديد يُعد خرقاً لمبدأ الميثاقية، الذي يقوم على الشراكة بين كافة الطوائف اللبنانية، وأثار هذا الأمر تساؤلات عما إذا كان سلام قادراً على تجاوز هذه العقبة لتشكيل حكومة توافقية تلبي متطلبات العيش المشترك.


موقف الثنائي جاء مفعماً بالتحفظات، حيث وصف الخطوة بأنها "انقلاب خارجي – داخلي"، ما يعكس توجساً من التدخلات الدولية وتأثيرها على التوازنات المحلية، وفي الوقت نفسه، اعتبر البعض أن هذا الموقف قد يكون محاولة للضغط على الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية لضمان تمثيل القوى التقليدية في الحكومة المقبلة.


على الجانب الآخر، بدا رئيس الجمهورية العماد جوزف عون متفائلاً بإمكانية تشكيل حكومة توافقية في وقت قريب، وأكد الرئيس أن المرحلة المقبلة تحمل فرصاً كبيرة لإعادة بناء الدولة وتحقيق الإصلاحات التي يتطلع إليها اللبنانيون، ورغم التفاؤل الرسمي، فإن التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة لا يمكن التقليل من شأنها، لا سيما في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد.


تكليف سلام لم يكن حدثاً محلياً فحسب، بل عكس أيضاً دلالات دولية مهمة، فالاتصال الذي تلقاه الرئيس المكلف من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يُظهر بوضوح الدعم الدولي للخطوة، ويؤكد الرغبة في تحقيق إصلاحات هيكلية تنقذ لبنان من أزمته.


هذا الدعم الدولي قد يشكل عاملاً إيجابياً لمساعدة الحكومة الجديدة، لكنه في الوقت نفسه يضع على عاتق الرئيس المكلف مسؤوليات كبيرة لتحقيق الإصلاحات المطلوبة، بدءاً من مكافحة الفساد وصولاً إلى إصلاح النظام الاقتصادي المتعثر.


مع تكليف نواف سلام، يجد لبنان نفسه على مفترق طرق تاريخي، فإما أن يشكل هذا التكليف بداية لمرحلة جديدة من التغيير والإصلاح، أو أن تتحول التحديات الداخلية والتجاذبات السياسية إلى عقبات تعيق مسار التقدم.


نجاح سلام في تشكيل حكومة ميثاقية قادرة على مواجهة الأزمات وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة سيكون بمثابة اختبار حاسم لقدرة لبنان على تجاوز أزماته وبناء مستقبل أفضل، أما فشله، فقد يعني استمرار حالة الشلل السياسي والاقتصادي التي يعاني منها لبنان منذ سنوات.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 9