الاستشارات النيابية في لبنان بين الخيارات الحكومية وتحديات المرحلة

جوسلين معوض

2025.01.13 - 07:40
Facebook Share
طباعة

 يشهد لبنان بدء مرحلة دستورية جديدة بوتيرة سريعة مع تسارع الأحداث السياسية منذ انتخاب الرئيس العماد جوزف عون وتسلُّمه مهام الرئاسة، وتدخل البلاد اليوم محطة محورية تتمثل في الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة الجديد، حيث ستتوافد الكتل النيابية والمستقلون إلى القصر الجمهوري في بعبدا للتعبير عن خياراتهم في هذا الشأن.


هذه الخطوة تأتي بعد فراغ رئاسي طويل وحكومة تصريف أعمال بقيادة الرئيس نجيب ميقاتي منذ عام 2022. بانتخاب الرئيس عون، انتعشت الآمال بتحقيق اختراق سياسي يُمكّن البلاد من معالجة الأزمات المتراكمة، إلا أن معركة التكليف الحكومي قد تُعيد مشهد الانقسام السياسي إلى الواجهة.


تُظهر المؤشرات الأولية أن المنافسة الرئيسية تدور بين الرئيس ميقاتي والقاضي نواف سلام، مع دخول النائب فؤاد مخزومي كمرشح للمعارضة، ويحظى نجيب ميقاتي بدعم الثنائي الشيعي، الذي أكد على لسان رئيس مجلس النواب نبيه بري أن ميقاتي هو الخيار الحصري لتولي الحكومة، ويُتوقع أن ينال ميقاتي دعمًا يتراوح بين 55 و60 صوتًا، خصوصًا مع دعم بعض الأصوات السنية.


نواف سلام يُطرح كخيار إصلاحي مدعوم من المعارضة وكتل تغييرية، ويمتاز بطرح سيادي بعيد عن الاصطفافات التقليدية، وقد عبّر عن استعداده لتحمل المسؤولية في حال توفر الدعم النيابي، أما فؤاد مخزومي، فهو مدعوم من قوى المعارضة التقليدية التي تسعى لفتح صفحة جديدة على مستوى القيادة الحكومية.


فيما أُشيع عن تدخلات خارجية، نفت مصادر فرنسية أي انحياز لباريس تجاه ميقاتي أو غيره من المرشحين. وأشارت تقارير إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد يزور لبنان قريبًا لتهنئة الرئيس الجديد ولحثّ القيادات السياسية على تسريع تشكيل حكومة تنفيذية قادرة على تحقيق الإصلاحات المطلوبة، أما الموقف السعودي، فقد بقي غامضًا وغير معلن، مما أتاح مجالًا أوسع للمنافسة الداخلية دون تأثير مباشر من الخارج.


اللقاء الديمقراطي تريّث في حسم موقفه، وترك الخيارات مفتوحة للتشاور، مع تلميحات لدعم نواف سلام. التكتل الوطني الحر أظهر ميلًا نحو ميقاتي، لكنه لم يُعلن موقفًا رسميًا بعد، بينما الثنائي الشيعي موقفه محسوم لصالح ميقاتي، وفقًا لتأكيدات مصادره، ونواب المعارضة أبدوا دعمًا متزايدًا لنواف سلام، في محاولة لتوحيد الصفوف خلف مرشح إصلاحي.


في ظل احتدام المنافسة، تبقى النتائج غير محسومة حتى لحظة انتهاء الاستشارات، وتشير التوقعات إلى تقدم ميقاتي بعدد أصوات قد يتجاوز 60، بينما يسعى سلام لجمع أصوات المعارضة والتغيير للوصول إلى رقم قريب أو منافس.


وفقًا للمادة 53 من الدستور، يُسمّي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب بناءً على استشارات نيابية ملزمة، وفي حال تعذر التوافق على مرشح بأغلبية واضحة، قد تضطر الكتل السياسية إلى إجراء مشاورات إضافية لضمان تشكيل حكومة قادرة على مواجهة التحديات.


مع انطلاق الاستشارات النيابية، تبرز ملامح انقسام واضح يعكس التحديات التي تواجه العهد الجديد، فنجاح الاستحقاق الحكومي سيتطلب توافقًا وطنيًا وتنازلات متبادلة، لا سيما في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تضغط على اللبنانيين، ويبقى الأمل معقودًا على حكمة القيادات السياسية للخروج بحكومة قادرة على استعادة ثقة الداخل والخارج ووضع البلاد على طريق الإصلاح.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 9