أعاد وزير الأمن الأسبق ورئيس أركان جيش الاحتلال السابق، موشيه يعالون، الجدل إلى الساحة السياسية داخل "إسرائيل" بتصريحات شديدة اللهجة حول ما يجري في قطاع غزة. يعالون أكد أن العمليات العسكرية الإسرائيلية تنطوي على "تطهير عرقي"، موضحًا أن ما يحدث على الأرض من طرد للسكان وتدمير منازل، كما في بيت حانون وبيت لاهيا، يعكس واقعًا لا يمكن تجاهله. وأضاف أن هذه الممارسات لا تتعلق بالقتل الجماعي بقدر ما تركز على تفريغ الأرض من سكانها، مشددًا على أن هذه السياسات تصب في خانة جرائم الحرب التي يُدفع "الجيش" لتنفيذها تحت تأثير القيادات السياسية.
وأشار يعالون إلى مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الأمن السابق يوآف غالانت، معتبرًا أن هذه المذكرات ليست مفاجئة في ظل الأحداث الجارية. ورأى أن القرارات السياسية لحكومة الاحتلال الحالية هي التي دفعت المحكمة الدولية للتدخل، مضيفًا أن قادة "الجيش" الإسرائيلي أنفسهم ليسوا بمنأى عن الملاحقة القانونية الدولية، حيث توجد قائمة بأسماء عدد من المسؤولين العسكريين، وإن لم تُفعل بعد.
ردود الأفعال السياسية
تصريحات يعالون أثارت ردود فعل متباينة داخل الأوساط السياسية الإسرائيلية، حيث وصفها وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، بأنها "غير مسؤولة وغير صحيحة"، معتبرًا أنها تشوه صورة "إسرائيل" على الساحة الدولية. ودعا يعالون إلى التراجع عنها لتجنب المزيد من التداعيات.
من جانبه، تبنى وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، نهجًا مختلفًا، حيث دعا إلى تهجير سكان قطاع غزة بالكامل، زاعمًا وجود رغبة لدى بعضهم بالهجرة، وطرح خطة لإفراغ القطاع من الفلسطينيين لصالح توطين المستوطنين اليهود فيه. يعكس هذا التوجه السياسة العدائية التي تنتهجها حكومة الاحتلال الحالية، والتي أثارت موجة غضب وانتقادات دولية.
أبعاد التصريحات وتحليلها
بحسب الصحفي المتخصص في الشأن الإسرائيلي، محمد بدر، فإن يعالون يُعد من الشخصيات التيار العسكري التقليدي في "إسرائيل"، وينتقد بشكل أساسي قضيتين محوريتين: الأولى هي التعديلات القانونية التي أضعفت استقلالية القضاء الإسرائيلي، مما فتح المجال أمام المحكمة الجنائية الدولية للتدخل. يعالون يرى أن هذه التعديلات كانت بوابة لتعزيز حالة الانفلات السياسي، ما أدى إلى تفاقم الضغط الدولي على "إسرائيل".
القضية الثانية التي يركز عليها يعالون تتعلق بالخطاب العدائي الذي يتبناه وزراء اليمين المتطرف مثل بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. تصريحات هؤلاء الوزراء حول تهجير الفلسطينيين واستمرار الاحتلال العسكري لقطاع غزة ساهمت في تعقيد الموقف الإسرائيلي أمام المجتمع الدولي، ما أضر بصورة "إسرائيل" بشكل غير مسبوق.
إلى جانب ذلك، يعالون يعترض على التوجه السياسي الذي لا يمانع التضحية بأسرى الاحتلال داخل غزة لتحقيق أهداف سياسية مثل زيادة الاستيطان وطرد الفلسطينيين. أشار في تصريحاته إلى مسؤولية "الجيش" الإسرائيلي عن قتل 100 فلسطيني أثناء توزيع المساعدات في شمال قطاع غزة، منتقدًا بشكل غير مباشر القيادة العسكرية التي باتت خاضعة للضغوط السياسية.
قراءة في الموقف الإسرائيلي
تصريحات يعالون تسلط الضوء على الانقسامات الداخلية العميقة بين التيارات السياسية والعسكرية في "إسرائيل". ففي الوقت الذي تحاول فيه الحكومة التمسك بسياسات اليمين المتطرف، هناك أصوات من داخل المؤسسة العسكرية تحذر من تداعيات هذه السياسات على صورة "إسرائيل" الدولية، وعلى استقرارها الداخلي. هذه الانقسامات تأتي في وقت تواجه فيه "إسرائيل" ضغوطًا متزايدة من المحكمة الجنائية الدولية، والمجتمع الدولي، ما يعكس مأزقًا داخليًا عميقًا قد تكون له تبعات بعيدة المدى على الكيان الإسرائيلي ومستقبله.