هناك قلق أوروبي بالغ بعد الحرب الأخيرة في الشرق الأوسط من تفلّت "إسرائيل" من كافّة القوانين الدوليّة، وتعنّتها بوجه العالم كلّه تقريباً، وهذا ما دفع بدول الاتحاد الأوروبي إلى البحث بجديّة عن وسائل أكثر فاعليّة تستطيع بواسطتها لجم هذا الشرّ المستطير الذي يمثّله الكيان، وجعله أكثر انصياعاً للقوانين والتدخّلات الدوليّة، وعلى رأسها الأوروبيّة.
في هذا الصدد، نشر موقع CEPS للدراسات الاستراتيجيّة الأوربيّة دراسة هامّة ركّز فيها على عناصر القوّة الأوروبيّة التي قد تمكّن الاتحاد الأوروبي من التدخّل بشكل فاعل أكثر في المستقبل فيما يختصّ بالتصرّفات الإسرائيليّة، وخلصت الدراسة إلى أنّ هناك مجالات رئيسيّة أربع، يستطيع من خلالها الاتحاد الأوروبي أن يبعث برسالة قويّة إلى إسرائيل، وتقدّم في الوقت ذاته القليل من الأمل للفلسطينيين.
هذه العناصر الأربعة هي:
أولاً، مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وهو الأمر الذي اقترحته أيرلندا وأسبانيا في وقت سابق من هذا العام استناداً إلى فشل إسرائيل في احترام فقرة حقوق الإنسان الواردة في الاتفاقية في غزة. وقد يؤدي ذلك إلى تعليق كامل أو جزئي للترتيبات التجارية التفضيلية التي تتمتع بها إسرائيل مع شريكها التجاري الرئيسي (يمثل الاتحاد الأوروبي ثلث تجارة إسرائيل) بالإضافة إلى تعاونها العلمي ذي القيمة العالية في إطار مشروع Horizon Europe.
ثانياً، الدعم القوي والصريح لتوجّهات محكمة العدل الدولية في محاسبة قادة وجنود الاحتلال الإسرائيلي، ويجب احترام مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت، كما يجب أن يلقي الاتحاد الأوروبي حظراً كاملاً على التجارة مع إسرائيل في كل ما يشمل سلع وخدمات المستوطنات، وتوسيع نطاق العقوبات على الذين يشجعون التوسع الاستيطاني ويدافعون عن العنف المستمر أيضًا.
ثالثًا، الدفع بشكل فاعل لحمل الدول الأعضاء الخمس عشرة التي لم تعترف رسميًا بعد بدولة فلسطين على القيام بذلك، مما يوضّح أنّ الاتحاد الأوروبي، إلى جانب الغالبية العظمى من أعضاء الأمم المتحدة، جاد بشأن إقامة الدولة الفلسطينية.
رابعاً وأخيرًا، فرض حظر على شحنات الأسلحة إلى إسرائيل، باستخدام إجراءات مراقبة تصدير الأسلحة الحاليّة في الاتحاد الأوروبي، والتي تشمل احترام حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي كمعيار رئيسي يحكم تراخيص التصدير. وقد أوضحت أسبانيا وفرنسا، ودول أخرى، أنّها تدعم ذلك، ولكن ينبغي للدول الأعضاء الأخرى، وأبرزها ألمانيا (المورد الرئيسي لإسرائيل في الاتحاد الأوروبي) أن تحذو حذوها.
ومن غير المرجح أن يتم تنفيذ أي من هذه التدابير قريبا، غير أنّ هذه البنود بدأت بعض الدّول بالالتزام بها بالفعل، ويجب أن تبرز بقوة على جدول أعمال الرئيسة فون دير لاين والممثل السامي الجديد كالاس، وحتى لو لم يكن من المؤكد على الإطلاق أنها ستتلقى الدعم اللازم، فإنّ مجرّد إمكانيّة مناقشتها قد يكون له تأثير كبير، ليس فقط على القادة السياسيين ولكن أيضًا على جماهيرهم، وخاصّة في إسرائيل.
أخيراً أصبح من الممكن أن يصبح الإسرائيليّون، وقادتهم أكثر وعياً بالتكاليف المحتملة للحرب التي لا نهاية لها والحاجة الملحة إلى التوصل إلى حل سياسي.