يكاد لا يسمع العربي والفلسطيني اسم أي رئيس أمريكي أو "الولايات المتحدة الأمريكية" حتى يعود ذهنه سريعاً إلى المجازر التي ارتكبتها دولة الاحتلال الإسرائيلي، طوال عقود، برعاية أمريكية وسلاح ودعم عسكري ودبلوماسي وسياسي أمريكي، حتى صارت المتلازمة في العقل العربي والفلسطيني وفي كل دول الجنوب العالمي (المضطهدة) أن "إسرائيل" هي أمريكا.
تختلف الآراء والتحليلات عادة بين أن هل "إسرائيل" هي دولة تابعة للولايات المتحدة الأمريكية، أم أن الأخيرة تعمل لصالح المشروع الصهيوني في ظل سيطرة اللوبيات على المؤسسات الأمريكية السيادية، وفي المقابل فإن تغلغل العقائد الصهيونية في عقل الرؤساء الأمريكييين، والمصالح الاستراتيجية التي يحققها وجود دولة الاحتلال في منطقتنا، يجعل في المطاف الأخير من الحفاظ على التفوق الإسرائيلي والهيمنة على المنطقة مصلحة أمريكية لإدامة منع استقلال عربي وإسلامي يحقق إنهاء الاستعمار ونهب الثروات.
عرفت الولايات المتحدة الأمريكية منذ قيام دولة الاحتلال بعد نكبة الشعب الفلسطيني، في 1948، عديد الرؤساء لكن ما اجتمعوا عليه رغم اختلاف أيدلوجياتهم وعقائدهم السياسية والاجتماعية هو الاستمرار في دعم "إسرائيل".
ترومان… صاحب أول اعتراف
كانت الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس هاري ترومان أول دولة تعترف بـ"إسرائيل"، فور إعلان ديفيد بن غوريون قيامها في أيار/ مايو 1948 على أنقاض مئات القرى والمدن الفلسطينية التي تدمرت وأجبر أهلها على الخروج منها تحت المجازر والقصف والهجمات الوحشية التي نفذتها العصابات الصهيونية.
وأطلق الاعتراف الأمريكي بدولة الاحتلال الإسرائيلي بداية الدعم الواسع على الصعيد الاقتصادي، والعسكري، والتسليحي، والسياسي
وكان ترومان أعلن في 1946 عن دعمه لفتح أبواب الهجرة اليهودية إلى فلسطين ودعا بريطانيا التي كانت قوة الاحتلال حينها إلى تسهيل انتقال اليهود إلى البلاد.
ورغم أن مسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية وأجهزة أخرى حذروا ترومان من قيام "دولة يهودية"، في فلسطين، بسبب خشيتهم من تحولها إلى تابع للاتحاد السوفياتي الذي كان أيضاً من المعترفين الأوائل بدولة الاحتلال، في البدايات، قبل أن تتحول إلى حليف وتابع أمريكي في السنوات اللاحقة، إلا أن ترومان بدأ عهد التحالف الأمريكي - الإسرائيلي الذي سيصل في هذه المرحلة إلى الحد الذي تقود فيه الولايات المتحدة الأمريكية الحروب الإسرائيلية على الفلسطينيين والعرب.
آيزنهاور… الغضب من "إسرائيل" والحرص على دعمها
يشير المؤرخون دائماً إلى مرحلة الرئيس الأمريكي دوايت آيزنهاور بالموقف الذي اتخذه بإجبار دولة الاحتلال على الانسحاب من سيناء وغزة، بعد احتلالها، في العدوان الثلاثي (الإسرائيلي - الفرنسي - البريطاني).
تقول المصادر التاريخية إن آيزنهاور غضب من العدوان المشترك بين دولة الاحتلال، وفرنسا، وبريطانيا على مصر في 1956 جاء بسبب خوفه على المصالح الأمريكية في المنطقة، ولأنه اعتبر أن العملية أخذت أنظار العالم من الثورة في هنغاريا على الاتحاد السوفياتي.
ورغم "غضب" آيزنهاور من دولة الاحتلال الإسرائيلي وإجباره إياها على الانسحاب من غزة وسيناء إلا أنه واصل التأكيد على دعم وجودها، في المنطقة العربية والإسلامية، ورفض الطلب المصري بالتزود بالسلاح.
وفي عهد آيزنهاور الذي لم يكن الدعم التسليحي المباشر قد بدأ إلا أن قيمة المساعدات المالية الأمريكية لدولة الاحتلال كان يبلغ 100 مليون دولار.
كينيدي… رفع الحظر عن تسليح "إسرائيل"
بعد وصوله إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، قرر الرئيس جون كينيدي رفع قرار ترومان وآيزنهاور حظر تسليح "إسرائيل" وبدأ عهد الدعم العسكري المباشر لدولة الاحتلال، ووافق على تزويدها بنظام "هوك" المضاد للصواريخ
كينيدي وصف العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية بـ"العلاقة الخاصة" وأكد لرئيسة حكومة الاحتلال السابقة، غولدا مائير، على "القيمة المعنوية والأخلاقية"، حسب تعبيره، للدعم الأمريكي لـ"إسرائيل".
هذا رغم أن بعض المصادر التاريخية تربط بين اغتيال كينيدي واللوبي الصهيوني و"الموساد" إذ ترى أن "اغتياله جاء بعد تصميمه على تفتيش المنشآت النووية الإسرائيلية التي أقيمت حينها من قبل فرنسا للتأكد من عدم تحولها إلى مفاعل عسكري"، وتقول إن منفذ الاغتيال كان في زيارة قبلها إلى دولة الاحتلال، وما زالت هذه الروايات لم تؤكد وفي إطار الجدال التاريخي.
عهد جونسون… حرب 1967 تثبت أهمية "إسرائيل" الاستراتيجية
يرى مختصون في العلاقات الأمريكية مع دولة الاحتلال أن انتصارها على الدول العربية، في حرب 1967، أثبت للولايات المتحدة الأمريكية أن "إسرائيل ذات أهمية استراتيجية كبرى"، في المنطقة العربية والإسلامية، خاصة في فترة الصراع مع الاتحاد السوفياتي الذي كان يقدم الدعم حينها لمصر وسوريا وقوى أخرى في المنطقة، بينها منظمة التحرير الفلسطينية.
الرئيس الأمريكي حينها ليندون جونسون كان يحمل "نظرة متعاطفة وعاطفية" تجاه دولة الاحتلال، كما تصفه دراسات تاريخية، وكان هو من ضغط على الرئيس آيزنهاور لمنع فرض عقوبات على "إسرائيل" في حال لم تنسحب من غزة وسيناء خلال العدوان الثلاثي على مصر.
وكان جونسون أول رئيس أمريكي يمنح دولة الاحتلال منظومة أسلحة هجومية، وبعد الحرب أصبحت "إسرائيل" قوة عسكرية تعتمد عليها الولايات المتحدة في مواجهة التهديدات التي تواجهها مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في مواجهة القوى المدعومة من الاتحاد السوفياتي حينها.
وشاركت الولايات المتحدة حينها مع بريطانيا في ضمان تحقيق دولة الاحتلال انتصاراً سياسياً، بعد انتصارها العسكري في العدوان على الدول العربية، وانحازت إلى موقف حكومة ليفي أشكول الإسرائيلية التي رفضت الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها، وربطتها بإجبار الدول العربية على الاعتراف بها، وبقيت قضية احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة معلقة بالاعتبارات الأمنية والسياسية لدولة الاحتلال.
نيكسون… إنقاذ "إسرائيل"
تعرضت دولة الاحتلال الإسرائيلي في عهد الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون لتجربة شديدة القسوة، بعد أن شنت القوات المصرية والسورية هجوماً على جبهتي سيناء والجولان، في تشرين الأول/ أكتوبر 1973، تعرضت فيه قوات الاحتلال في الأيام الأولى لخسائر فادحة وانتكاسة كبيرة تقول مصادر إسرائيلية إنها دفعت وزير الحرب حينها، موشيه دايان، للتفكير باستخدام الأسلحة النووية.
تشير مذكرات القادة الإسرائيليين والأمريكيين عن تلك المرحلة، إلى الدور الذي لعبه مستشار الأمن القومي الأمريكي كيسنجر اليهودي الذي بقي ملتزماً بتوفير أسباب بقاء "إسرائيل" وضمان تفوقها طوال حياته السياسية، في فتح المخازن الأمريكية لتزويد دولة الاحتلال بالأسلحة طوال أيام الحرب، بالإضافة لمساعيه السياسية والدبلوماسية لمنع العرب من تحقيق الانتصار، كما أعلن بوضوح في لقاءات إعلامية وصحفية لاحقة معه.
وبعد الحرب عمل كيسنجر على اتفاقيات ثنائية بين دولة الاحتلال والدول العربية، ضمن سياسة "خطوة بخطوة"، توازياً مع مخططاته لتهميش القضية الفلسطينية، ومنع عقد اتفاق شامل في المنطقة، يحقق قيام كيان فلسطيني مستقل، وانشغل من خلال زياراته للمنطقة على السعي للتوصل لاتفاق بين مصري - إسرائيلي أو سوري - إسرائيلي، يحقق إقصاء منظمة التحرير الفلسطينية ومطالبها بحق عودة اللاجئين وإقامة دولة فلسطينية، وضمان أمن "إسرائيل" وإجبار العرب على الاعتراف بوجودها في المنطقة.
مرحلة جيرالد فورد… كيسنجر يقود مرحلة تأمين "إسرائيل" في المنطقة
واصل كيسنجر في مرحلة فورد مساعيه لتحييد مصر وسوريا عن الصراع مع دولة الاحتلال، وسعى إلى توقيع اتفاقيات فض الاشتباك، وكان رحلاته المكوكية للمنطقة تهدف لضمان أمن "إسرائيل" والاعتراف بوجودها في المنطقة، مع الاستمرار في تهميش القضية الفلسطينية.
وكان مؤتمر جنيف في 1973 الذي عقد بمساع أمريكية ومشاركة الأمم المتحدة والاتحاد السوفياتي ومصر والأردن، وإقصاء منظمة التحرير الفلسطينية، والتمثيل الفلسطيني، ضمن هذه الجهود التي قادها كيسنجر.
هذا مع استمرار الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي ورغم الخلافات الجزئية خلال مفاوضات فض الاشتباك على الجبهتين السورية والمصرية إلا أن كيسنجر أعلن في الجلسات مع الرئيس فورد هو أن السياسة المثلى مع "إسرائيل" هو "الاستمرار في احتضانها ودعمها ودفعها نحو تنازلات في المفاوضات".
كارتر… التأسيس لقطع الطريق على دولة فلسطينية
كان الرئيس الأمريكي جيمي كارتر يؤمن باستراتيجية في الشرق الأوسط تخالف ما سار عليه كيسنجر والرئيس فورد، وهو التوصل إلى اتفاق تسوية شامل يشمل جميع الأطراف، بما فيها تحقيق نوع من "الكيان السياسي" للفلسطينيين، الذي اعتبر أنهم حرموا من حقوقهم بعد تهجيرهم.
تقول مصادر تاريخية إن كارتر رسم خطة مع أقطاب الأمن القومي والخارجية في عهد حكومته للتوصل إلى حل شامل لمختلف القضايا، بما فيها القضية الفلسطينية واللاجئين وغيرها، وكان البند الأول في مساعيه هو ضمان "أمن إسرائيل" وبقائها في المنطقة وقبول الدول العربية بها.
وبعد خطاب ذكر فيه كلمة "الوطن" للفلسطينيين ثارت عليها الجماعات اليهودية وأعلنت غضبها، وتراجع ليقول إنه يقصد قيام كيان فلسطيني ضمن ترتيبات أمنية إسرائيلية ومع الأردن، وأكد أن على منظمة التحرير الفلسطينية "نبذ الإرهاب"، حسب وصفه، والاعتراف بالقرارات الدولية وبحق "إسرائيل في الوجود".
لكن في الواقع فإن خضوع كارتر لبرنامج مناحيم بيغن الذي كان وصوله إلى السلطة على رأس حزب "الليكود"، في السبعينات، بمثابة "انقلاب" في تاريخ السياسية الإسرائيلية، بعد سنوات من سيطرة حزب "العمل".
أعلن بيغن من اللقاء الأول مع كارتر أنه يرفض أي انسحاب من الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وليس أمام الفلسطينيين سوى التعامل معهم كأقلية "ثقافية" ولها "حقوق" اقتصادية وإنسانية، ولا سبيل لإقامة أي كيان فلسطيني.
رغم أن إدارة كارتر كانت تعلن معارضتها للتوسع الاستيطاني، في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أنها استمرت في دعم "إسرائيل"، وكان الاتفاق الذي رعته بين مصر ودولة الاحتلال الذي عرف باسم "اتفاقية كامب ديفيد"، هو الأساس الذي حرم الفلسطينيين من أي دولة في المستقبل حتى لو على جزء من أرضهم التاريخية، بعد أن خضعت الولايات المتحدة الأمريكية ومصر لرؤية بيغن حول الحكم الذاتي الذي لا يمنح الفلسطينيين أي مقومات دولة ويبقيهم تحت الحكم الإسرائيلي الاستعماري، وهو ما يسميه الباحث الأمريكي سث أنزيسكا "قطع الطريق على فلسطين" في الكتاب الذي أصدره، قبل سنوات، وتحدث فيه بالتفاصيل كيف أسس "كامب ديفيد" والإدارة الأمريكية والسادات لقطع الطريق على إقامة أي دولة فلسطينية، وكانت مباحثات الحكم الذاتي حينها هي الأساس الذي قامت عليه اتفاقية "أوسلو" التي قسمت القضايا الرئيسية ولم تحمل للفلسطينيين أي دولة حتى الآن.
ريغان.. اجتياح لبنان
حمل أرئيل شارون معه إلى وزارة الحرب في دولة الاحتلال مخططاً استراتيجياً لتغيير المنطقة على النمط الذي تريده "إسرائيل"، خطط لاجتياح لبنان وصولاً إلى العاصمة بيروت، وتدمير منظمة التحرير الفلسطينية، وإجبار الفلسطينيين في المخيمات على الخروج إلى الأردن وإقامة دولة هناك تكون بديلاً عن الضفة وغزة.
زار شارون الولايات المتحدة الأمريكية قبل الاجتياح واجتمع مع أقطاب في إدارة الرئيس رونالد ريغان، وأطلع وزير الخارجية حينها ألكساندر هيغ على المخطط، كما تقول مصادر تاريخية مختلفة، ورغم التصريحات الأمريكية حينها حول معارضة الوصول إلى بيروت، إلا أن الوقائع تؤكد أن الإدارة الأمريكية كانت تريد من "إسرائيل" تدمير القوة العسكرية والسياسية لمنظمة التحرير في لبنان، لإجبارها على الخضوع لمطلب "الاعتراف بإسرائيل" وجرها نحو اتفاقيات التسوية والقرارات الدولية التي تسقط الحق التاريخي للشعب الفلسطيني في فلسطين كاملة.
لعب المبعوث الأمريكي حينها فيليب حبيب دوراً استراتيجياً في تحقيق الأهداف الإسرائيلية، من خلال ضغه الدبلوماسي المتزامن مع الهجوم العسكري، على الفلسطينيين والشخصيات اللبنانية المختلفة، لضمان تحقيق إخراج منظمة التحرير.
ورغم القرار الذي أصدره ريغان حينها بتعليق توريد أسلحة عنقودية إلى دولة الاحتلال، وأكمل وزير الخارجية الأمريكي شولتز الذي حل مكان هيغ الذي استقال خلال الحرب، مسار العمل السياسي الأمريكي لضمان تحقيق نجاحات سياسية إسرائيلية من الحرب بعد تدمير قوات منظمة التحرير.
وفي عهد ريغان اتخذت الولايات المتحدة مجموعة خطوات لدعم دولة الاحتلال، بينها التهديد بالانسحاب من الاتحاد البرلماني الدولي إذا أصدر قراراً يعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية، وقررت اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية في "الكونجرس" الأمريكي الموافقة على مشروع قرار نقل السفارة الأمريكية في "إسرائيل" من "تل أبيب" إلى القدس المحتلة، وأكد وزير الخارجية الأمريكي حينها على رفض الولايات المتحدة إنشاء دولة فلسطينية مستقلة رغم مساعي دول عربية وقيادات في منظمة التحرير للاتصال مع الأمريكيين وفتح مفاوضات للتوصل إلى اتفاقيات تسوية، وقررت الإدارة الأمريكية حينها إغلاق مكتب مقر منظمة التحرير لدى الأمم المتحدة.
بوش الأب… عهد جديد في المنطقة عنوانه اتفاقيات التسوية
كان عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب حافلاً بالانقلابات، في العالم والمنطقة، خاصة مع انهيار الاتحاد السوفياتي وحرب الخليج الأولى عقب اجتياح العراق للكويت ودخول دول عربية في مرحلة المفاوضات للوصول إلى تسوية مع دولة الاحتلال.
عمل جورج بوش وإدارته على عقد مؤتمر دولي للسلام عرف بـ"مؤتمر مدريد"، شاركته فيه دول عربية بينها الأردن وممثلون عن الفلسطينيين، وضغطت الولايات المتحدة على دولة الاحتلال التي كان يقود حكومتها حينها اسحاق شامير، للمشاركة فيه بعد تهديدها بوقف المساعدات.
ورغم الاندفاع الأمريكي للوصول إلى تسوية في الشرق الأوسط، تحقق الاعتراف العربي بـ"إسرائيل"، ومنع المشاريع الأخرى التي تدعو لمقاومتها وإزالتها من الوجود، إلا أن المفاوضات في النهاية خضعت لتصور شامير الذي رفض الانسحاب من الضفة وغزة أو وقف الاستيطان واعتبر أن الاستراتيجية المثلى هي المفاوضات حتى النهاية.
ولم تزعزع الخلافات الجزئية بين حكومة الاحتلال والإدارة الأمريكية حينها على قضايا مثل تزويد السعودية بطائرات مقاتلة من الدعم الأمريكي لدولة الاحتلال خاصة في قضية القرض لتوطين اليهود الذين قدموا من الاتحاد السوفياتي.
كلينتون… السلام على الشرط الإسرائيلي
جاء بيل كلينتون إلى السياسة الأمريكية وهو يحمل مشروع توطيد "السلام"، في الشرق الأوسط، بداية من اتفاقية "أوسلو" التي حملت انقلاباً تاريخياً لمنظمة التحرير الفلسطينية التي انتقلت من مربع حركة تحرر إلى "شبه دولة"، حصلت على شبه ما ثبته بيغن منذ عهد كارتر، وهو حكم ذاتي فلسطيني يريح "إسرائيل" من الأعباء المادية والاقتصادية والاجتماعية لحكم الفلسطينيين المباشر، ويضم أجهزة أمنية فلسطينية على تنسيق مع أجهزة الاستخبارات والعسكر الإسرائيلية.
كان كلينتون من معارضي مناقشة ملف الاستيطان، في مفاوضات أوسلو، وجاء الاتفاق ليؤجل كل القضايا الرئيسية مثل القدس واللاجئين وغيرها، وطوال سنوات حكمه منح دولة الاحتلال دعماً كبيراً من خلال القروض والمنح، وكانت معارضة التوسع الاستيطاني على المستوى اللفظي، بينما منع إصدار قرارات من الأمم المتحدة لإدانة الاستيطان في الضفة والقدس وغزة.
وهكذا حصلت دولة الاحتلال، في هذه السنوات، على الاعتراف الفلسطيني الرسمي بها مع عدم الانسحاب من الضفة وغزة والقدس، والاستمرار في الاستيطان، وإغراق الفلسطينيين ودول الطوق العربي في مفاوضات التسوية والسلام.
وفي مفاوضات "كامب ديفيد" التي شارك فيها الرئيس الراحل ياسر عرفات أمام رئيس حكومة الاحتلال حينها، إيهود باراك، انحاز كلينتون للموقف الإسرائيلي وحمَل القيادة الفلسطينية مسؤولية فشل المفاوضات.
وخلال عهده نفذت دولة الاحتلال عمليات عدوانية على لبنان، كما في عدوان "عناقيد الغضب"، في نيسان/ إبريل 1996، الذي كان للولايات المتحدة الأمريكية دور سياسي فيه من خلال زيارات وزير خارجيتها الذي حاول تحقيق إنجاز سياسي لصالح دولة الاحتلال.
هكذا استمرت السياسة الأمريكية في الخضوع للمطالب الإسرائيلية، رغم الخلافات الجزئية، واستمر حرمان الفلسطينيين من دولة حتى على أقل من مساحة أرضهم التاريخية
جورج بوش الابن… الحرب على المنطقة
جاء جورج بوش الإبن إلى السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، في أوج انتفاضة الأقصى، مدججاً بأفكار أعضاء إدارته الذين يمزجون بين التطلعات نحو الصهيونية والطموح لتغيير المنطقة العربية والإسلامية والقضاء على بؤر المقاومة فيها. واستغلت الإدارة الأمريكية عملية أيلول/ سبتمبر 2001 لإعلان الحرب على المنطقة تحت شعار "الحرب على الإرهاب".
رئيس حكومة الاحتلال حينها، أرئيل شارون، أعلن أن حربه على انتفاضة الفلسطينيين ضمن الحرب الأمريكية على "الإرهاب"، وحظي بدعم مطلق من إدارة الرئيس الأمريكي، جورج بوش، الذي توافقت معه على أهدافه حينها وهي القضاء على الانتفاضة، وضمان أمن "إسرائيل"، وتدمير التنظيمات الفلسطينية، وإقصاء الرئيس ياسر عرفات، وتنصيب قيادة على السلطة الفلسطينية تسير وفقاً للبرنامج الذي أعلنه شارون في مؤتمر هرتسيليا للأمن وهو في خلاصته: فلسطيني خاضع مقابل بعض الحقوق.
نفذت الإدارة الأمريكية، خلال فترة الانتفاضة، برنامجاً مركباَ من الضغوط السياسية والدبلوماسية على السلطة ودول المنطقة، لوقف الانتفاضة، وتدمير الفصائل الفلسطينية، وواصلت تقديم الدعم العسكري والغطاء للمجازر والعمليات العدوانية التي نفذها أرئيل شارون، في الضفة وغزة، تزامناً مع الجهود لإحلال قيادة فلسطينية بديلة عن الرئيس ياسر عرفات، الذي اعتبرت "إسرائيل" والولايات المتحدة أنه يدعم العمليات وعقبة في وجه المرحلة الجديدة.
خلال هذه السنوات احتلت القوات الأمريكية العراق وأسقطت نظام صدام حسين، وكان ضمان "أمن إسرائيل" من التهديد العراقي، ضمن حزمة الأهداف التي لم تعلنها الإدارة الأمريكية، وصارت دولة الاحتلال تعلن أنها تريد تغيير المنطقة لصالحها.
وفي حرب 2006 على لبنان، كانت وزيرة الخارجية الأمريكية حينها كونداليزا رايس عنوان الهجوم السياسي والدبلوماسي على المقاومة، وأعلنت أن أميركا تريد شرق أوسط جديد، على جثة المقاومة وجثث الأطفال الفلسطينيين واللبنانيين والعرب، وكان فشل جيش الاحتلال في الحرب كسراً للمشروع، كما شهدت فترة بوش الإبن الحرب الإبادية الأولى على غزة في 2008 التي ارتكب الاحتلال فيها مجازر بشعة باستخدام أسلحة أمريكية ودعم أمريكي.
أوباما… انتعاشة العلاقات رغم قناع "الخلافات"
سادت صورة النمطية للعلاقات بين إدارة أوباما ودولة الاحتلال هي الخلافات، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والاستيطان، وحل الدولتين، والملف النووي الإيراني، خاصة مع المزاعم التي حملها أوباما إلى المنطقة خاصة بعد انطلاق الربيع العربي حول نواياه لنشر السلام والتعاون مع العرب وإنصاف الفلسطينيين وغيرها.
تقرير لمجلس الأمن القومي الأمريكي يقول عكس هذه الصورة وهو أن العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية، في عهد أوباما، شهدت انتعاشة كبيرة.
وقع أوباما مع دولة الاحتلال في 2008 معاهدة تنص على تقديم دعم أمريكي لها بقيمة 30 مليار دولار، خلال 10 سنوات، بالإضافة لمبلغ 3 مليار دولار لبناء نظام دفاعي جوي، وقدمت الإدارة الأمريكية 140 مليون دولار خلال 6 أعوام للمساهمة في نقل اليهود إلى فلسطين المحتلة، عارضت الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترته 18 قراراً في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد "إسرائيل".
ترامب… صهيوني صريح في الإدارة الأمريكية
مثل وصول دونالد ترامب نقلة نوعية لصالح تحقيق برامج اليمين واليمين الصهيوني الديني، في دولة الاحتلال، الذي أصبح قوة رئيسية، خلال السنوات الماضية.
أعلن ترامب منذ اليوم صهيونيته ومنح دولة الاحتلال عدة هدايا، خلال فترة رئاسته، بينها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وإعلان "ًصفقة القرن" التي تعني منع قيام أي كيان فلسطيني مستقل، واعترف بسيطرة دولة الاحتلال على الجولان السوري المحتل، ووعد بضم الضفة الغربية لها.
وأطلق ترامب وأركان إدارته مشروعاً لتطويع المنطقة، في الزمن الإسرائيلي، من خلال اتفاقيات التطبيع التي أشرفت عليها مع الإمارات، والبحرين، والمغرب، وفتح علاقات مع السودان وجهات أخرى في المنطقة بينها السعودية، لضمان سيادة "إسرائيل" على المنطقة العربية والإسلامية.
وكان هدف ترامب من الاتفاقيات بالإضافة لضمان بقاء "إسرائيل" هو تهميش القضية الفلسطينية وجلب العرب إلى "التطبيع" حتى قبل تحقيق مشروع "حل الدولتين".
بايدن… راعي حرب الإبادة
يمكن وصف الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، بأنه راعي "حرب الإبادة الجماعية" الإسرائيلية في قطاع غزة بداية ثم في لبنان.
منذ اللحظات الأولى للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، أعلن بايدن ووزير خارجيته بلينكن ووزير الدفاع أوستن ومختلف أركان الإدارة عن دعمهم المطلق لدولة الاحتلال في الحرب على الوجود الفلسطيني في قطاع غزة، وزار الرئيس الأمريكي دولة الاحتلال، وتوالت زيارة المسؤولين الأمريكيين طوال هذه الشهور.
قدمت الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية الحرب على غزة أكثر من 14 مليار دولار لدولة الاحتلال، وفتحت مخازن السلاح لها، وشغلت قطاراً جوياً يحمل العتاد والصواريخ التي استخدمت في قتل الأطفال وتدمير المساجد والمنازل والمنشآت السكنية والمدنية والقطاع الطبي.
ودفعت الولايات المتحدة الأمريكية بحاملات الطائرات للمنطقة للدفاع عن دولة الاحتلال، وعملت على المستوى السياسي والدبلوماسي لمنع أي تدخل لوقف الحرب على غزة، أو تقديم دعم عسكري للمقاومة الفلسطينية، وعملت على حملة تضليل للمجتمع الدولي حول أنها حريصة على التوصل لاتفاقيات تهدئة وتبادل للأسرى، بينما دعمت باستمرار حكومة الاحتلال في الاستمرار في مخططاتها لتدمير المقاومة والسيطرة على غزة.
ولم تكتف بالدعم العسكري بل شاركت في الدفاع عن دولة الاحتلال، من خلال الدفاعات الجوية وقواعدها المنتشرة في المنطقة، في التصدي للهجمات الإيرانية، وعبر حلفائها الذين كانت دفاعاتهم الجوية حاضرة في التصدي عن "إسرائيل"، وشاركت أيضاً في الحرب على لبنان من خلال الضغوطات السياسية والدعم العسكري والاستخباري كما تؤكد مصادر مختلفة.
ورغم حملة التضليل الإعلامي والحديث منذ بداية الحرب عن خلافات بين بايدن ونتنياهو، إلا أن الواقع يقول إن الولايات المتحدة دعمت حرب الإبادة منذ بدايتها وحتى الآن، وربما لم تتجاوز الخلافات التفاصيل الصغيرة التي تتعلق بحرص على أفضل صورة من "أمن إسرائيل"، وقد منعت الإدارة الأمريكية حتى الإدانات الدولية في المؤسسات لدولة الاحتلال، وسعت إلى تجاهل وإخفاء تقارير صادرة حتى من وزارة خارجيتها تؤكد ارتكاب "إسرائيل" للتجويع، في قطاع غزة.
في المناظرات الانتخابية التي جرت بين هاريس وترامب كان الاتفاق الوحيد بينهما ربما، هو التنافس على خدمة "أمن إسرائيل"، الدولة التي تقود الولايات المتحدة حربها ضد الفلسطينيين والعرب، وهذا لا يختلف عليه جمهوري مثل ترامب أو ديمقراطي مثل بايدن الذي تفاخر منذ عقود بصهيونيته.