"عملية الكرامة"هل أعادت خلط أوراق المعابر والحدود وعلاقات الأردن بكيان الاحتلال؟

2024.09.12 - 12:33
Facebook Share
طباعة

مسألتان لا يمكن إسقاطهما من الحسابات السياسية المعقدة بعدما قرر الأردن التعامل مع حادثة العملية التي نفذها على معبر الكرامة السائق ماهر الجازي باعتبارها “فردية تماماً” وما “زالت خاضعة للتحقيق”.

المسألة الأولى مرتبطة بعاصفة الترحيب الشعبي بالعملية التي وصفتها الجماهير بأنها “بطولية”، حيث فاجأت الحاضنة الشعبية السلطات خلافاً للإسرائيليين والأمريكيين شرقي نهر الأردن، والمزيد من الوعود “القبلية والعشائرية” الأردنية بمساندة المق او مة الفلسطينية.

 

عبر عن ذلك بصورة جلية الشيخ الأبرز في قبائل الحويطات سلطان الجازي، الذي صرح بأن “جميع أولادنا فداء فلسطين والقدس”، ووفر غطاء قبلياً في غاية الأهمية السياسية للعملية ولشهيدها ابن عشيرة الجازي عندما عبر الشيخ عن فخره وأبناء قبيلته بالعملية ومنجزها، الأمر الذي يعني أن مشاعر الكراهية للكيان الاسرائيلي لا بل الاستعداد للتحول

إلى “سلوك مق او م” بدأت تدخل في “بنية العشائر الأردنية” وسط حاضنة شعبية لا يمكن الاستهانة بها.

 

ذلك تطور لافت لا يمكن الاستهانة به، وعلى الحكومة الأردنية ومعها الكيان الاسرائيلي أن تقرأه جيداً قبل بناء أي استنتاجات يمكن أن تستفز الشارع الأردني أكثر في الأيام والأسابيع المقبلة، خصوصاً أن الجواب القبلي والعشائري حصل بموجب هتافات عمان على “نداءات أبو عبيدة” الناطق باسم كتائب القسام، والذي سارع بدوره لتوجيه التحية للشهيد

البطل ماهر الجازي.

 

آخر ما تريده أو تخطط له الحكومة الأردنية هو حصول علاقة تشبيكية بين البنية الاجتماعية وتحديداً العشائرية، وخط واتجاه المق او مة في فلسطين. لكن مثل هذه العلاقة أصبحت الآن “تحصيل حاصل” ما دام كل ما تفعله حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف عملياً “يهدد مصالح الشعب الأردني” ومستقبله، برأي حتى السياسي المعتدل رئيس الوزراء

الأسبق طاهر المصري.

 

ققبيلة الحويطات وفّرت استقبالاً لائقاً لمهنئيها، والحركة الإسلامية أقامت عرس شهيد في البادية الجنوبية، وعليه رقص الأردنيون في الشوارع مساء الأحد ابتهاجاً ودعماً لعملية الأغوار والكرامة، وأطلقت الألعاب النارية، ووفرت قبيلة الحويطات استقبالاً لائقاً لكل زوارها من مختلف مناطق المملكة عشية الانتخابات للتهنئة بعرس الشهيد.

 

وأعلنت الحركة الإسلامية عن إقامة عرس شهيد في البادية الجنوبية، وهتف أهل عمان لقبيلة الحويطات وأولادها وشهدائها ورموزها بعد حصول عملية استذكار جماعية ذهنياً لمآثر معركة الكرامة.

 

وفي ضوء ذلك، يمكن قراءة الفهم الذي سبق أن طرحه القاضي العشائري البارز الشيخ طراد الفايز، عندما صرح الشيخ سلطان الجازي بأن الشعب الأردني مع المق او مة، وبأن “القدس عقيدة عند أبناء العشائر والقبائل الأردنية”.

المسألة الثانية هي تلك التي تقول بكل اللهجات واللغات، إن العملية ما دام قد نفذها ابن قبيلة الحويطات والبادية الجنوبية والعسكري المتقاعد ماهر الجازي تعيد إنتاج كل لوجستيات التعاون الحدودي مع كيان الاحتلال في منطقة الأغوار، حيث يخضع السائقون بالعادة للفحص الأمني المسبق من الجانبين، وحيث من يدخل المعابر بشاحنته أصلاً هم من فئة

“المصرح لهم بعد الفحص الأمني”.

 

يعني ذلك أن “المصرح لهم” من الأردنيين يمكنهم أن يتحولوا إلى مق او مين في مواجهة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي وصفه الدكتور ممدوح العبادي بـ “قاتل متسلسل”، كما يؤشر على أن “الفحص الأمني” المسبق -وهذه مسألة تقنية عملياً- لم يعد “ضمانة” لعدم حصول عمليات أمنية.

 

تسقط هنا فنياً وليس سياسياً اعتبارات “الفحص المسبق أمنياً” لمن يسمح لهم بالعبور من الجانبين، ويسقط أيضاً “بروتوكول متكامل” معمول به ويأخذ معه أيضاً قواعد العمل القديمة في سياق “المصرح لهم” ما دامت الحرب ضد الأهل في قطاع غزة مستمرة والمجازر لا تتوقف بكل حال، وما دام -كما لاحظ الفريق قاصد محمود، وهو خبير عسكري

واستراتيجي بارز صرّح عدة مرات- اليمين الإسرائيلي “يعتدي على الأردن” في القدس والوصاية، ويهدد البلاد بصيغة “تغضب الأردنيين الشرفاء والوطنيين”.

 

ما يلمح له الجنرال محمود هنا أن الغيرة على ما يحصل في فلسطين هي محرك أساسي لعملية الكرامة “الفردية”، لكنها ليست المحرك الوحيد؛ فالغيرة على الأردن الذي يخضع للتهديد والابتزاز من الإسرائيليين في موقع تلك العملية التاريخية أيضاً، وهو أمر أغلب التقدير أن المؤسسة الرسمية الأردنية قادرة على توظيفه في إطار شبكة العلاقات المعقدة

 

التي تربط الأردن بالكيان الاسرائيلي في عهد اليمين المتطرف.

 

وهنا يبرز أن عملية الكرامة أعادت العلاقات الأردنية الإسرائيلية إلى نقطة الصفر، خصوصاً بعد سقوط بروتوكولات المعابر والجسور بصيغة اضطرت الجانب الإسرائيلي لإعادة إغلاق الجسور أمام الركاب والمسافرين والسيارات والنقل بعد يومين من تنفيذ العملية، وبعدما أعلنت الداخلية الأردنية أنها اتفقت مع الجانب الآخر على فتح المعابر للركاب.

بمعنى آخر، في زمن التصعيد الإسرائيلي وتهديد الأردن، أصبح من الصعب لوجستياً تطبيق بروتوكولات التعاون التنسيقي الحدودي كما كانت مستقرة منذ توقيع اتفاقية وادي عربة عام 1994 فما وصف بأنه عملية “فردية” لنشمي أردني خلط فعلاً كل الأوراق الحدودية والمعطيات وأنتج قاعدة تحديات أمام الجانبين 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 7