آثار الأداء السوري تجاه معركة المحور لمساندة المقاومة في غزة الكثير من الحيرة، خصوصا مع كلام الرئيس الروسي عن تصعيد كبير تتجه اليه منطقة الشرق الاوسط، وحصل ذلك في اثناء زيارة الرئيس السوري بشار الاسد في الرابع والعشرين من الشهر الماضي الى موسكو. وكانت القوات الروسية قد عززت إشاعات ابتعاد سورية عن محور الممانعة بانتشارها الاكثر كثافة على حدود الجولان المحتل، وقيل أن ذلك يحصل لمنع العمليات التي قد تنطلق من سورية لتستهدف مواقع اسرائيلية.
ترافق ذلك مع تطبيع عربي ديبلوماسي مع دمشق وصل حد تعيين سفير سعودي وآخر ايطالي مما يتماشى مع اشارات اميركية تمثلت في رفض الرئيس بايدن تفعيل قانون جديد اقره الكونغرس بمسعى من اللوبي الاسرائيلي في واشنطن يستهدف توسيع قانون قيصر ليصبح فعالا ضد من يطبع مع دمشق من الدول والشركات. وزاد الطين السياسي بلة، هو قيام القنوات السورية بالامتناع عن نقل خطاب زعيم حزب الله السيد حسن نصرالله في حفل تأبين القيادي فؤاد شكر بل وغياب التمثيل السوري عن ذاك الحفل.
وهنا أزعم ان السلطة السورية لديها مباديء في السياسة والعلاقات الدولية تقوم على منطلقات لا تتنازل عنها بتاتا،
اولها أنها غير مستعدة لخوض حرب مع اسرائيل، الا ان اصبحت سورية أقوى نوويا من الولايات المتحدة الاميركية، ففي تجربتين للمواجهة مع اسرائيل تلقت سورية ضربات اميركية مباشرة، في حرب ال 1973 وفي حرب العام 1982 حين دمر الطيران الاميركي ودبابات الجيش الاميركي القوات السورية التي وصلت الى طبريا وحررت معظم الجولان. ثم دمرت الطائرات الاميركية الدفاعات السورية في العام 1982 فانكشفت سورية واقترب الجيش الاسرائيلي من دمشق في البقاع اللبناني حتى صار شارون قادرا على قصف الشام من مسافة 23 كلم. ويشذ عن تلك القاعدة المواجهة مع طائرات الأميركيين في الرابع من كانون حيث اسقطت الدفاعات السورية طائرة أميركية وأسرت طياريها، في زمن كان فيه الزعيم الروسي في موسكو هو "أندروبوف" الذي أعطى سورية ضمانة سوفياتية عملية تمثلت في قرار بالتدخل لصالح سورية عسكريا لو خاضت مواجهة مباشرة مع الاميركيين الذين كانوا يتواجدون في لبنان.
وثاني منطلقات سورية أنها لن تقطع اي خط أحمر دولي يتعلق بالصراع السوري الاسرائيلي تحديدا، لانها تعتبر ان تجربة جمال عبد الناصر في العام 1967 حين طرد القوات الدولية من سيناء درس لا يمكن تكراره، ولدينا تجربة ان سورية لم تواجه قط القرار 1559 بل نفذته فورا.ولهذا سورية متمسكة بالهدنة في الجولان المحتل مع ان اسرائيل تدوس القرارت الدولية واحكام الهدنة في كل حين.
وثالث المنطلقات السورية الثابتة أنها لا تشعر بالأمن بتاتا في حال لم تكن في تحالف معاد لاميركا ولاسرائيل، وهي لا تشعر بالامن ابدا اذا ما كانت في حالة عداء مع المملكة العربية السعودية لأن التركيبة النفسية والوجدانية للشعب السوري لا تستسيغ عداء مع من تعتبرهم عمقها حتى لو ان تلك الجهات أضحت عبئا لا عمقا. وسورية لا تشعر بأنها آمنة اذا لم يكن بينها وبين الاميركيين حوار سري او علني تتوهم من خلاله اميركا أنها يمكن لها بجبروتها ان تغري دمشق لتلعب أدوارا لصالحها مهما كان العداء بينهما شديدا. ورابع المنطلقات أنه
من الطبيعي جدا ان لا يتأثر التحالف في العمق بأي تقارب سوري مع الاميركيين. او بمفاوضاته مع الاسرائيليين ان حصلت مستقبلا ، او حتى بمشاركة سورية ديبلوماسيا ودعائيا في الهجوم السعودي على البحرين لقمع ثورة اهلها قبل عقد ونيف. الم يعلن الوزير الراحل وليد المعلم عند بدء دخول الجيش السعودي الى البحرين بأن سورية تدعم المملكة السعودية وتدعم تدخلها في دولة البحرين الشقيقة (فضلا راجع سانا – التدخل السعودي في البحرين – بيان وزارة الخارجية)
هذه البراغماتية السورية المصلحية، لا علاقة لها بالمباديء بل بالبقاء، فسورية لا تملك قدرات اشد قوة من الدور الذي يمكنها ان تلعبه بين حلفائها واعدائها وهو ما استفادت منه في حرب تحرير الكويت، فحصلت على تنازلات اميركية غير مسبوقة في لبنان وحصلت على فوائد اقتصادية ومالية من دول الخليج.فهل خرجت سورية حينها من حلف الممانعة لتخرج الان؟؟
من الواضح أن المطلوب من سورية كثير جدا، اميركيا واوروبيا وعربيا، وهي قد قدمت لكل طرف بعضا مما يطلبه. مثلا، قد تكون نقطة التقاطع السورية الاميركية السعودية الاماراتية حاليا هي عدم فتح جبهة الجولان من طرف الفصائل غير النظامية لمساندة المقاومة الفلسطينية في غزة كما هي حال الجبهة اللبنانية مثلا. لكن هذا الوضع لم يفسد لود القصف الصاروخي الذي تنفذه فصائل عراقية على الاميركيين في شرق سورية. اذا بالتأكيد لم تقدم سورية ما يجعلها بعيدة عن أطراف المحور الى حد القطيعة.
الصراعات السياسية بين الدول لا تعني دوما القتال العسكري والامني والديبلوماسي. ولا التحالف يعني التطابق. فهناك في عالمنا علاقات عنكبوتية بين معظم المتصارعين، وقد تتحارب روسيا وأوكرانيا ولكن يمكن لهما أن يتفقا على تصدير القمح عبر البحر الاسود. ويمكن للصين ان تنافس اميركا على المستوى الدولي ولكن الصين يمكن لها ان تكون أيضا أكبر مستمثر في سندات الخزينة الاميركية. ويمكن لأيران وتركيا ان يدعم كل منهما طرفا معاديا للآخر في سورية في الوقت الذي يتعاونان فيه ضد الانفصاليين الاكراد في البلدين. ويمكن لكل منهما أن يدعم فصائل تخوض حربا طاحنة في سورية تستمر سنوات في نفس الوقت الذي تقوم فيه السلطة التركية بمساعدة ايران على تجاوز العقوبات الأميركية.