تحضيرات مدينة النبطية لهذا العام: عين على الهلال و أخرى على "العيال"

مايا عدنان شعيب - خاص وكالة آسيا نيوز

2023.03.18 - 08:43
Facebook Share
طباعة

 جرت العادة في كل عام ان تستقبل المدن اللبنانية شهر رمضان المبارك بالزينة و الأضواء، تنتشر في الشوارع وتعلو الأبنية مبشّرة باقتراب شهر الرحمة و المغفرة الذي أنزل فيه الله القرآن…

لمدينة النبطية الجنوبية طابعًا رمضانيًًا خاصًا لا يتغيّر رغم تغير الظروف و اشتداد الأزمات، فقد درجت العادة و منذ القديم باستقدام مدفع الافطار الذي يطلق يوميًا طلقة الافطار عند المغرب و لايزال هذا التقليد الرمضاني ساريًا، أما الزينة فكما في كل منطقة كانت خجولة لهذا العام بسبب الظروف الاقتصادية الراهنة التي بدّلت الأولويات.

 في تحقيقنا هذا سوف نلقي الضوء على استعدادات مدينة النبطية لاستقبال الشهر الفضيل لعام ٢٠٢٣، العام الذي يكمل مسيرة الازمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها لبنان، و في الايام التي تشهد فيها العملة اللبنانية أشد انهيارٍ على أعتاب الشهر الكريم، وفي الظروف الصعبة التي ارهقت المواطنين و ألقت بأحمالها الثقيلة على كاهل الأسر التي بات معظمها يسعى لكفاف يومه و قوت نهاره.
من يعرف مدينة النبطية يعرف جيدًا دور النادي الحسيني فيها و جمعيات العمل الاجتماعي و التكافل الاهلي التي تنضوي تحت عباءة امام المدينة الشيخ عبد الحسين صادق، الذي كرّس العمل الاجتماعي و التكافل بين أبناء المدينة التي تضم سوقًا تجاريًا ضخمًا، فكان العنوان الأساس هو النادي الحسيني و ينضوي تحته مجموعة من الجمعيات ذات الطابع الثقافي و الاجتماعي التي تُعنى بهموم المدينة وأهلها.
عن دور النادي الحسيني في استقبال و احياء شهر رمضان المبارك لاسيما هذا العام و في ظل الوضع الاقتصادي المتردي سيحدثنا السيد مهدي صادق نجل امام المدينة و أحد الناشطين في العمل الاهلي و الاجتماعي في ناديها الحسيني عن تفاصيل تتعلق بكيفية الاعداد لاستقبال الشهر الفضيل على الصعيد احياء المراسم الدينية و مواكبة اهالي المدينة و عوائلها لمساعدتهم في مواجهة الأزمة التي تعصف لا سيما غلاء السلع الغذائية و التي تعتبر من أساسيات هذا الشهر المبارك.
في بداية حديثنا كان لنا وقفة مع السيد مهدي عن الجمعيات التي تنشط في العمل الاجتماعي و الاهلي في المدينة والتي تتفرع من النادي الحسيني وهي: إسعاف النبطية و نادي الشباب و قسم المتطوعات و كشافة الامام الحسين و مكتب الخدمات الاجتماعية .

في كل عام يحمل شهر رمضان شعارًا خاصًا بالمدينة و في هذه السنة سيكون "نرسم بسمة" وتحت هذا الشعار ستُنظَم مجموعة من الأنشطة التي تتوزع على أكثر من محور و تستهدف أكثر من فئة، وقد اتخذ النادي الحسيني لذلك محورين: المحور العبادي والثقافي الديني حيث يتم احياء المراسم الدينية الرمضانية بطريقة محببة و جاذبة يتخللها مجموعة من المسابقات و الجوائز التحفيزية التي تشجع الناس على المشاركة، ففي المسجد مثلا سوف يكون هناك شخصية دينية تلقي محاضرات في تفسير القرآن الكريم يوميًا و سيتولى هذه المهمة الشيخ يوسف كركي لهذا العام، وهناك برنامج ليلي عبادي في النادي الحسيني يقوم على قراءة أجزاء من القرآن ليصار الى ختمه و من ثم دعاء و ومن بعده تجرى مسابقة ثقافية دينية بجوائز تحفيزية،عدا عن ما تتميز به ليالي القدر من احياءات خاصة في هذا الشهر الكريم.
اللافت لهذا العام أن خُصّص النساء بصلاة الظهر يوميًا جماعة في المسجد خلافًا للعادة الجارية بشكل اسبوعي في باقي أشهر السنة.

كان ذلك عن المحور العبادي فماذا هناك في المحور الآخر؟
المحور الثاني وهو المحور الاجتماعي الذي شكّل هذا العام تحديًا كبيرًا بحيث يترافق شهر رمضان مع أزمة البلاد التي لا تخفى على أحد و التي طالت شرائح المجتمع بأسرها، الأمر ينطبق على سكان واهالي مدينة النبطية الرازحين تحت هم تأمين العيش الكريم، لذلك قام النادي الحسيني بابتكار منحى جديدًا لمشروعه السنوي "إفطار الصائم"، وكان المميز في ذلك مراعاة خصوصية الشهر الفضيل و تبعات الأزمة الاقتصادية لاسيما ما يتعرض له التجار وخاصة ممن يعملون في مجال تجارة السلع التموينية و الغذائية على مختلف أنواعها( خضار، حلويات، لحوم و دجاج و الى ما هنالك…) فهؤلاء باتوا هدفًا للمستهلكين و الناس التي تلقي اللوم عليهم باستغلال الازمات لتحقيق الارباح، و لنزع تلك "التهمة" عن تجار مدينة النبطية، والذين هم جزء من الأهالي الذين طالتهم الأزمة، قررت اللجان الاجتماعية الناشطة الاتجاه الى المنحى الريعي في المساعدات و ذلك لانه اكثر ثباتًا و استمرارية من التبرع العيني فعمدت هذه اللجان الى طرح صيغة المشاركة في الاعمال الخيرية للتجار و اصحاب المحال التجارية على مختلف انواعها عبر مساهمتهم بنسبة ١٪؜ من ارباحهم اليومية في سبيل دعم المساعدات للفقراء و المحتاجين و العوائل المتعففة في المدينة، فتحولت الازمة الاقتصادية الى فرصة لجعل التاجر شريكًا مساهمًا في الدعم و العطاء بدلًا من ان يكون موضع اتهام باستغلال الناس وعدم الاكتراث باوضاعهم، كل ذلك يندرج تحت حملة "رمضاننا واحد" غايتها التكافل و التعاون الاهلي في سبيل تذليل و تخطي الاوضاع الراهنة من جهة و من جهة ثانية في سبيل تعزيز المفاهيم الاسلامية والرمضانية منها خاصة.

وقد لفت السيد مهدي الى التجاوب الذي لقيته الحملة من قبل التجار في المدينة بحيث تخطى عدد المؤسسات المشاركة المئة.
أما عن نوعية المساعدات العينية التي يتم توزيعها فقد أشار السيد مهدي لوكالتنا ان اللجنة الاجتماعية قد عمدت الى تطوير عملها فذهبت الى استبدال الاصناف التي كانت توزع كالطعام المطبوخ او المواد التموينية حيث كانت تتراكم في بعض المنازل من يوم لآخر او تفيض حينًا عن حاجة العوائل مقابل احتياجات ثانية يفتقدونها فجاء الحل ان عمدت اللجان الى توزيع المواد الاولية التي يتألف منها الطبق الرئيسي للعوائل كالدجاج و اللحوم النيئة والخضار الطازجة، اضافة الى الالبان والاجبان في برنامج دوري يسمى "سوق الخير" الذي يحتضن حوالي ال 350 عائلة يؤمن احتياجاتهم بشكل اسبوعي، و في نشاط هذا السوق لشهر رمضان يسعى الى ضم اعداد جديدة من العوائل قد تصل الى 350 عائلة جديدة تستفيد من عطاءات "سوق الخير".
أما عن المميز في برنامج الجمعيات الرمضاني فقد سعت الجمعيات الى استهداف فئة الأطفال الذين لم ينجوا من تبعات الازمة الاخيرة على الصعيد النفسي، لذا فقد استُحدِث برنامج ترفيهي يتوجه اليهم في سبيل تعزيز المفاهيم الرمضانية و العبادية لهذا الشهر بما يتناسب مع فكرهم و هواياتهم، وجاء ذلك ضمن تطوير لشخصية رمضانية تحاكي الاطفال سميت ب "رمضون". تميزت هذا العام بالعمل على تشخيصها كفرد يتحرك بين الاطفال بلباس يجمع بين الطابع اللبناني الفلكلوري و الزي الاسلامي التراثي ليكون اكثر تأثيرًا في الاطفال بهدف جذبهم للاجواء الرمضانية عبر ادخال السعادة و الثقافة الدينية  و الاجتماعية من قيم بات المجتمع يفتقدها شيئًا فشيئًا، هذا بالاضافة الى اعداد مسابقات عبر المواقع الالكترونية ل"رمضون" تتوجه بالاسئلة الى فئة الاطفال وتقدم جوائز للرابحين، و"رمضون" سوف يكون يوميًا بين الاطفال اثناء اطلاق مدفع الافطار في ساحة المدينة لادخال الفرحة الى قلوبهم اثناء تجمعهم في الملعب في ساحة المدينة.
وفي سؤال لنا عن الجهات الداعمة لمثل هذه الأعمال الخيرية في المدينة كان للسيد مهدي صادق ثناءٌ على الدور الكبير الذي تقوم به المرجعية في النجف الاشرف برئاسة المرجع السيستاني حيث تقدم الدعم المادي ومجموعة من القسائم الشرائية لهذا العام تتضمن رصيدًا ماليا محددًا يسمح للمستفيد من تلك القسيمة بالتسوق الحر لتأمين احتياجاته من شتى السلع باستثناء تلك الكمالية و التي ترتبط بالتدخين و مشتقاته.

وأشار السيد مهدي الى أن صعوبة المرحلة التي تمر بها البلاد ألقت حملًا ثقيلًا على النشاط الاجتماعي للنادي الحسيني الذي دأب على ممارسة نشاطة منذ ما يزيد عن مئة عام، هذه الازمة لا تقل شدة عن الازمات التي مرّ سابقًا خلال الاحتلال الاسرائيلي و الحصار على المدينة، والمسؤوليات التي تحملها النادي اتجاه اهل المدينة جعلت منه مقصدًا و أملًا للكثير منهم مما يضع القيمين على الجمعيات الخيرية امام امتحان جديد يصعب فيه التباطوء او التقصير، لذلك سعت تلك الجهات الى التواصل الحثيث والمستمر مع الخيرين و اصحاب الايادي البيضاء من اهل المدينة لاسيما المغتربين منهم الذين كانوا العون الاكبر لتخطي صعوبات المرحلة و بلسمة جراح اهلهم المحتاجين، تحت شعار "من لم يهتم بأمور المسلمين ليس بمسلم" توسع العمل التبليغي اذن للنادي الحسيني الى العمل الديناميكي الاجتماعي.
وهذا الجهد رتّب على الجمعيات مسؤوليات اكبر تجاه الاهالي عامة و العوائل المحتاجة بشكل خاص، فسعت لتوسيع مروحة المصادر الداعمة للعمل الاجتماعي انطلاقًا من مبدأ "ما لا يدرك كله لا يُترك جلّه".
وجّه السيد مهدي صادق في نهاية حديثه لوكالتنا التحية للمرجعية في النجف الشرف الداعم الرئيسي و الى المغتربين من اهالي مدينة النبطية آملًا ان تنحسر هذه الأزمة عن البلاد و ان يكون هلال رمضان لهذا العام بشرى انفراج و أملٍ للقادم من الأعوام، و لابد من التنويه بأن لقاءنا هذا كان الأول لوسيلة اعلامية تطلع على برنامج مدينة النبطية الرمضاني لهذا العام.
جعله الله شهرًا للرحمة و المحبة و بلسمًا لآلام المواطنين ومحطةً نستعيد معها قيمنا الإنسانية السامية.



Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 5