مجهولو النسب في سوريا: ضحايا الحرب والمستقبل المظلم

طارق علي – دمشق

2023.02.06 - 01:47
Facebook Share
طباعة

تتزايد بوتيرة مرتفعة أعداد الأطفال مجهولي النسب في سوريا لعوامل متعددة تترك هؤلاء الأطفال لمصير يلفه الغموض والضياع، ويلحظ في الإطار قصور القانون سابقا في معالجة هذا الملف في ظل وجود داري رعاية لهم فقط على مستوى البلاد.


إلا أن اهتماما واضحا بدا مؤخرا بعد اصدار مرسوم جمهوري يعنى بهم ويعِد بحلّ كل مشاكلهم وإيجاد حلول لحياتهم.


المرسوم جاء بعد خمس سنوات من مناقشة القانون تحت قبة البرلمان، وجاء فيه ضرورة تهيئة الظروف الملائمة لمجهول النسب وتوفير البيئة الداعمة لتربيته وتعليمه وضمان تمتعه بجميع الحقوق والحريات دون تمييز عن أقرانه. وكذلك ضرورة حماية الأطفال مجهولي النسب من الاستغلال والإهمال والحفاظ على مصالحهم.


ووفق قانون الأحوال المدنية في سوريا فإنّ مجهول النسب هو "اللقيط" الذي لا يعرف له والدان، أو أولئك الذين ضاعوا من أهلهم صغاراً ولم يهتدوا من جديد إليهم، أو من هم في حالة لا يوجد لهم فيها معيل شرعي.


المرسوم أوضح أنّ مكان العثور على الطفل هو المكان الذي سيعتبر مولوداً فيه حين تسجيله بدائرة النفوس المعنية ما لم يتضح خلاف ذلك وفق كل حالة بعينها.


كذلك يعتبر الطفل "اللقيط" الذي يعثر عليه متمتعاً بالجنسية العربية السورية ما لم يكن للقضاء قرائن شرعية تثبت العكس بحكم درجته قطعية، وأيضاً يعتبر الطفل الذي عثر عليه مسلماً بالولادة ما لم يثبت غير ذلك.


وتضمن المرسوم إنشاء هيئة عامة إدارية تحت مسمى "لحن الحياة"، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي ويكون مقرها ريف دمشق، وتكون هي الجهة المخولة قانوناً بكل ما يتعلق بالأطفال مجهولي النسب على الأراضي السورية كافة.


ويمكن إعادة سبب الارتفاع المهول وغير المسبوق في تاريخ سوريا لمجهولي النسب إلى الحرب الحالية الدائرة في البلاد منذ أكثر من عقد، إذ خلف النزوح والقتل وعمليات الاغتصاب والزواج الإجباري وغير الشرعي حالات كتلك.


ويبرز في السياق حالات الزواج التي تمت بين جنسيات مختلفة فرضها حال الواقع السوري، سيما تلك الزيجات التي كانت غالباً غير شرعية وتمت بين سوريات ومقاتلين غير سوريين، إذ لطالما كان مصير الطفل هو رميه في الشارع، وهو ما سجل كثيراً في مناطق نفوذ وسيطرة الجماعات المسلحة في أكثر من منطقة كانت أو لا زالت تحت سيطرتهم في سوريا، وأبرزها اليوم إدلب التي تسجل نسباً مرتفعةً للأطفال مجهولي النسب.


ولا يبدو الأمر في مناطق أخرى من سوريا بحال أفضل بكثير، حيث يعثر بشكل مستمر على أطفال مرميين على أبواب المستشفيات والمساجد وأماكن أخرى نظراً لأسباب مختلفة ومتباينة في حقيقة الأمر ولكنها تلتقي في إطار الضائقة الاقتصادية غير المسبوقة التي تعيشها سوريا منذ سنوات عدة، والتي أحالت معها تربية طفل والتكلف بمصاريفه إلى أمر مرهق لمجمل الأسر، سوى تلك الحالات التي تكون أساساً غير شرعية فيكون ضحيتها طفل مرمي على الطرقات، وفي مرات كثيرة قرب حاويات القمامة، وحصل ذلك مراراً في دمشق، حمص، حلب، ومدن أخرى.


ما زاد في المشهد تعقيداً هو وجود دار رعاية واحدةٍ فقط في العاصمة، وأخرى تم استحداثها في حلب قبل عامين، وكلاهما مكلفتان باستقبال كل مجهولي النسب من كل الأراضي السورية، ما يحمل الدارين مسؤوليات معقدة قد تعجزهما عن تنفيذ المطلوب منهما على أكمل وجه.


مصادر وكالة أنباء آسيا تحدثت عن وصول حوالي 600 حالة مجهول نسب إلى دوري الرعاية هذين خلال العقد الفائت، فيما تتحدث مصادر إعلامية عن وجود أكثر من 42 ألف طفل مجهول النسب في عموم سوريا اليوم.


وما يعزز مشكلة وجودهم خارج دور الرعاية المخصصة لهم هو حرمانهم من أبسط حقوقهم في نيل الهوية الوطنية والتعليم والغذاء ما يدفع عصابات منتشرة للاستثمار بهم واستغلالهم في أعمال غير شرعية أبرزها التسول والسرقة والمخدرات، ويمكن بسهولة لحظ انتشار هذه الظواهر بشكلها المتنامي في سوريا خلال السنوات الماضية، سيما كمية الأطفال المتسولين والمنتشرين في الطرقات، وبأحاديث بسيطة مع بعضهم يتضح أنّهم لا يعرفون أبويهم الحقيقيين، كما حصل حين استمعت "وكالة أنباء آسيا" للطفل أحمد ذي التسع سنوات في حي باب توما الدمشقي.


والذي قال وبعد محاولات حثيثة للحديث معه إنّه لا يعرف أبويه لكنه يعمل بالتسول لصالح رجل يؤمن له المسكن والطعام، مؤكداً أنّه حتى لا يتذكر شيئاً عن والديه ولا كيف وصل إلى منزل ذلك الرجل الذي يعيش لديه، فقد كان أصغر من أن يذكر، "أتمنى لو أنني اتعلم في المدرسة مثل بقية الأطفال، أنا منذ الصباح وحتى المساء أتسول من المارة في الطريق".


ووفقاً لمعطيات رسمية وإحصائيات متعددة فهناك بين 10 إلى 15 طفل متسول في العاصمة دمشق فقط، هذا عدا عن عملية استئجار الأطفال الرضع للتسول بمبلغ 50 ألف يومياً، بحسب ما أشارت مصادر معنية ل "وكالة أنباء آسيا" كحصيلة لنتيجة وصلت إليها في هذا الإطار.


وكان آخر قانون معني بمجولي النسب قد صدر عام 1970 حتى طرح موضوع التعديل عليه عام 2018 من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ليثير مشروع القانون حينها جدلاً بين رافض له وموافق عليه.


يبقى أنّ تطبيق المرسوم الصادر مؤخراً من شأنه فعلاً أن يعنى بشأن هؤلاء الأطفال الذين وقعوا ضحية المجتمع والعلاقات المتشابكة لأبويهم والتي أفضت بهم مرميين في الشوارع لتتلقفهم وتنهش في أجسادهم الغضة، في واحدة من أكبر المشاكل التي تهدد واقع المستقبل السوري مع الأعداد الكبرى لمجهولي النسب الذين سيصعب عليهم الانخراط في بنية المجتمع العملية التي تقودهم ليصبحوا أشخاصاً فاعلين بعيداً عن عالم الجريمة في حال بقيت الشوارع هي ملاذهم الوحيد، الشوارع بمن فيها من عصابات وأشخاص يستثمرون في مستقبل هؤلاء الأطفال، ليكون "لحن الحياة" اليوم، هو الأمل وطوق النجاة لإعادة دمجهم في الحياة الاجتماعية السليمة التي ستسهم في خلاصهم من مستقبل أسود كان ينتظرهم، وبالتالي نقلهم إلى يوميات يكونون فيها عناصر فاعلة وأكثر إنتاجية وتساوياً مع أقرانهم. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 7