أزمة بشرية تُلاحق لبنان: ما علاقة "الداية".. وحلم الإنجاب بها؟

زينة أرزوني – بيروت

2022.11.26 - 05:47
Facebook Share
طباعة

 ليس كل ما تسمعه على نشرات الاخبار من أزمات متلاحقة تعصف بلبنان، وإرتفاع سعر الدولار، وإقرار الدولار الجمركي، وانقطاع الكهرباء، هو ما يثقل كاهل المواطن فقط.
داخل منزل كل لبناني ازمة وغصة، إن جُمعت حكاياها في سيناريوهات مكتوبة لأنعشت الدراما اللبنانية لعقود من الزمن، فصلٌ من فصول حكاياها الانجاب، الذي بات حلماً في لبنان، لا سيما مع ارتفاع كلفته وفقدان الأدوية والحليب وغيرهما.
"مش وقتا بكير"، عبارة يُسمع صداها هذه الأيام، كثرٌ ممّن تزوّجوا يرفضون الإنجاب، فكلفة الطبابة وحدها قبل الولادة باهظة الثمن وتفوق قدرة كثيرين، شأنها شأن كلفة الولادة وتجهيز الولد والأدوية وغيرها، فزيارة واحدة للطبيب تكلف 50 دولاراً يضاف اليها كلفة الفحوصات المخبرية التي لا تقلّ عن 600 ألف والأدوية التي باتت أسعارها ناراً.
ومع بدء الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان منذ عام 2019 تراجع عدد الولادات بشكل كبير، وبحسب أرقام المديرية العامة للأحوال الشخصية سجل 86,584 ولادة عام 2019، 74,049 عام 2020، أما عام 2021 فتم تسجيل 68,130 ولادة.
الأزمة الاقتصادية وما ترتب عنها من انخفاض القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف الولادة العادية التي تبلغ تكلفتها نحو 30 مليون ليرة أو الولادة القيصرية التي تصل تكلفتها إلى 50 مليون ليرة (وهي أسعار تقريبية بحسب مراكز الرعاية المختلفة) ساهمت في خفض معدل الولادات في لبنان، عدا عن تكاليف ما بعد الولادة من حفاضات، حليب، معاينات طبية، أدوية وغيرها، بحسب ما قاله الدكتور فيصل القاق مدير برنامج الصحة النسائية المتكاملة في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت.
"ظلمونا بأعزّ ما نريد"، بهذه الكلمات تُعبر رانيا يونس ابنة 29 عاماً عن إحباطها، فهي تعيش حالة من التخبط، فعدا عن أنها تجد نفسها عاجزة عن أن تصبح أماً، تواجه كما قالت في حديثها لوكالة انباء اسيا، ضغطاً من قبل عائلتها وعائلة زوجها اللتان لا تنفكان عن سؤالها عن الحفيد المنتظر، متسائلة كيف لها أن تنجب طفلاً وتظلمه بالعيش في هذا البلد، وهي غير قادرة على تأمين حليب وحفاضات له، وقبل ذلك كيف ستدفع معاينة الطبيب لمتابعتها طوال فترة الحمل، وكلفة عملية الولادة.
ظاهرة تراجع عدد الولادات، لها انعكاسات عدة على الهرم السكاني في لبنان، قد لا نشعر به في المرحلة الراهنة، بحسب أستاذة علم النفس والاجتماع الدكتورة منى فياض، التي تخشى تضرر الهرم السكاني اللبناني حيث سيفتقد لبنان بعد بضع سنوات لفئة الشباب، مشيرة الى أن تراجع الخصوبة الكلية ينعكس تراجعاً نسبياً في فئة الفتيان أي ممن هم دون سن الخامسة عشر، بموازاة ذلك ترتفع نسبياً فئة كبار السن، ونكون أمام مجتمع معمّر، وهنا يدخل عامل الرعاية الصحية في ظل ارتفاع كلفة الاستفشاء وأسعار الأدوية.
من جهته، يعتبر الباحث المتخصص في علم اجتماع الأسرة الدكتور زهير حطب، أن محافظة سكان لبنان على حجمهم العددي سيكون صعباً وسيؤثر على حجم القوى البشرية اللازمة في فترات لاحقة اي بعد عقدين من الزمن، كي يقوموا باعادة البناء الاقتصادي وتجديد الحياة الاجتماعية فيه وتطويره والعمل على ازدهاره.
وفي وقت يؤرق الحمل سيّدات لبنان، عاد عمل "الداية" للإزدهار، بسبب عدم قدرة النّساء على دفع التكاليف للتخلص من الجنين، لاعتباره مصدر عبء جديد في ظل الظروف الضاغطة.
أمر وجدت فيه ما يُعرف بالعامية بـ"الداية" فرصة لإعادة إنعاش هذه المهنة التي خفَّ وهجُها مع تطور المستشفيات، إلا انه وبعد ورود معلومات حول خيمة للنازحين السوريين تديرها امرأة سوريّة، تقوم بتوليد النّساء اللبنانيّات والسوريّات على السّواء وبعمليات إجهاض لهن بأدوات بدائية لقاء مبالغ مالية ضئيلة، وبعد رصد ومتابعة، تحركت دورية من أمن الدولة في زحلة، ودهمت الخيمة المذكورة.
وأوقفت السورية م. ع. التي كانت تقوم بكل تلك العلاجات والعمليات من دون حيازتها على الشهادات الجامعية، ولا على إذن ولا ترخيص لمزاولة المهنة.
يعاقب القانون اللّبناني على عملية الإجهاض، كما يعاقب من يدعو للإجهاض، ونص قانون العقوبات على الحبس لكل من قام بعملية الترويج للاجهاض أو استعمال وسائل الإجهاض (٥٣٩ عقوبات)، ذلك طالما كان الإجهاض غير علاجي، فيما يسمح القانون بالاجهاض في حال كان الحمل يشكل خطراً على حياة الحامل، إلا أن عمل "الداية" لا يكترث الى ما يقوله القانون، حيث تقوم النساء اللاتي تردن اجهاض الجنين بتلافي المستشفيات والإتجاه نحو "الداية" مبتعدة بالتّالي عن أي مُحاسبة قانونية، أو أي اجراءاتٍ ملزمةٍ أخرى قد تتخذها المستشفيات نظراً لخطورة هذه العملية.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 5