كيف بات العالم أخطر بسبب حرب أمريكا والصين التقنية؟

2022.11.21 - 09:50
Facebook Share
طباعة

 أصبحت الحرائق الموسمية في كاليفورنيا، أكبر ولايات أمريكا سكاناً، أكثر خطورة ومرشحة لأن تتحول لكوارث كبرى في السنوات الأخيرة، والسبب في ذلك الصراع التقني بين أمريكا والصين.

لا تتعجب فالعالم مهدد بأن يفقد جزءاً من رخائه الذي تحقق في السنوات الماضية، من جراء الصراع التقني بين أمريكا والصين، بل إنه سيكون أقل أماناً أيضاً.

كيف أدى الصراع التقني بين أمريكا والصين إلى تفاقم الحرائق بكاليفورنيا؟
شهد صيف عام 2020 اندلاع حرائق ضخمة في غابات ولايتي كاليفورنيا وأوريغون الأمريكيتين، بشكل غير مسبوق، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.

وعلى الرغم من أنَّ حرائق الغابات أمر معتادٌ حدوثه سنوياً في تلك المنطقة، سرعان ما لاحظ رجال الإطفاء الأمريكيون وجود شيء ما مختلف عن السنوات السابقة، وهو عدم إشعال الحرائق المحكومة خلال فصل الربيع، والحرائق المحكومة هي حرائق يتم إشعالها عمداً من قبل المختصين للتخلص من الأعشاب والأخشاب الجافة التي تكون وقوداً خطيراً للحرائق الموسمية، فهو إجراء مهم يهدف إلى تجنُّب نشوب حرائق في مواسم الخطر أو يقلّل من احتمالية تضخمها وخروجها عن السيطرة.

كان هناك خطب ما آخَر يتمثَّل في عدم وجود طائرات مسيرة لمراقبة مدى سرعة انتشار النيران. لو كان رجال الإطفاء قد عرفوا سبب عدم إشعال الحرائق المحكومة وغياب الطائرات بدون طيار، لكانوا فوجئوا؛ لأنَّه لا علاقة له بالغابات أو السياسات البيئية أو التخفيضات الدائمة في الميزانية. الأمر كله يتعلق بالصين.

في العام السابق، أمرت إدارة دونالد ترامب الوكالات الحكومية الأمريكية بالتوقف عن استخدام أكثر من 800 طائرة بدون طيار ساعدت سابقاً في إدارة حرائق الغابات بجميع أنحاء البلاد. أنجزت الطائرات المسيرة عملها على نحو جيد للغاية، لكنها كانت من صنع شركة "دي جيه آي" الصينية الرائدة عالمياً في مجال صناعة الطائرات المسيرة. لم يكن استخدام طائرات من شركة "دي جيه آي" أمراً جديداً، لكن إدارة ترامب شعرت بالقلق من احتمالية أن تنقل هذه الطائرات معلومات حسَّاسة إلى بكين.

من جانبها، أنكرت شركة "دي جيه آي" هذه الادعاءات الأمريكية، في حين حذَّر موظفو وزارة الداخلية الأمريكية من أنَّ وقف الحرائق المحكومة التي تحتاج للطائرات المسيرة الصينية الصنع، سيؤدي على الأرجح إلى نشوب حرائق غابات كارثية.

ومع ذلك، اختارت الإدارة الأمريكية تجاهل تلك التحذيرات والمضي قدماً في استراتيجيتها المُشكِّكة في كل ما هو مرتبط بالصين. علَّقت واشنطن أيضاً صفقات الحصول على عدد من أنظمة "Ignis" الأمريكية عالية التقنية -التي تساعد في تقنية الحرائق المحكومة- لأنَّها تشتمل على مكونات صينية الصنع.

ويعتبر هذا الوضع دليلاً ملموساً على اتساع دائرة تأثيرات الصراع التقني بين أمريكا والصين.

نعم، إن استخدام الطائرات المسيرة لن يمنع نشوب حرائق الغابات الناجمة عن مزيج استثنائي من الرياح القوية والحرارة الشديدة، لكنه ربما كان سيساعد في خفض عدد القتلى وتقليل حجم الضرر، الذي وصل إلى 19 مليار دولار في ولاية كاليفورنيا وحدها.

لكن هل كان كبح المخاطر المستندة إلى اعتقاد -لا دليل عليه- بأنَّ الصين قد تستخدم الطائرات بدون طيار للتجسس على الأراضي الأمريكية يستحق مثل هذا الثمن الباهظ؟ بالنسبة للساسة في واشنطن، كانت الإجابة "نعم" بكل وضوح.

يعود جذور الصراع التقني بين أمريكا والصين إلى مخاوف واشنطن بشأن الصعود التكنولوجي للصين –وعمليات التجسس الصناعي والسرقة الإلكترونية المصاحبة له- والتي تعود بدورها إلى أوائل العقد الأول من القرن الـ21.

وأفادت تقديرات أمريكية بأن عمليات الصين التجسسية في المجال العلمي والصناعي والعسكري كبدت أمريكا 12 تريليون دولار، وتهدد بالإطاحة بريادتها العالمية.

الصين تشجع الشركات الأمريكية على الاستثمار لديها وتسرق تقنياتها ثم تطردها
برزت تلك المخاوف إلى الواجهة في عام 2018 عندما أصدر مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة تقريراً مطولاً يلخص جرائم الصين المُتصوَّرة ضد الولايات المتحدة الأمريكية. وفقاً للوثيقة الحكومية الأمريكية، تركز الاستراتيجية الاقتصادية للصين على جذب الشركات الأجنبية وسرقة تقنياتها وتوطينها قبل إجبار تلك الشركات على الخروج من السوق الصينية، وذلك من خلال بضع خطوات موثقة جيداً.

أولاً، تجبر الحكومة الصينية الشركات العالمية الراغبة في الوصول إلى السوق الصينية على تأسيس مشروعات مشتركة مع شركات صينية محلية. تعمل هذه الشركات المحلية على تحقيق هدف واحد، وهو معرفة الأسرار التقنية لنظيراتها الأجنبية.

بمجرد أن تجمع بكين المعرفة التقنية التي تبحث عنها، تبدأ الشركات الصينية المحلية في استنساخها. هذه هي اللحظة الشهيرة التي تنتبه لها الشركات الأجنبية عندما يكشف عن افتتاح مصنع صيني يشبه إلى حدٍّ كبير، مصنعها وينتج نسخاً طبق الأصل من منتجاتها. عند هذه المرحلة، تعتقد واشنطن أنَّ بكين تبدأ التخطيط لطرد الشركات الأجنبية من الأراضي الصينية. يبدو هذا منطقياً من الناحية النظرية، حيث إنَّ بكين قد لا ترى سبباً للسماح لتلك الشركات الأجنبية المُنافسة بالبقاء في سوقها المحلي بعد حصول الشركات الصينية على تقنيتها الأجنبية.

ولكن الأمر انتقل للجانب العسكري، هكذا مول البنتاغون تطوير أسلحة صينية
ومع ذلك، لا تُمثّل هذه الممارسات غير العادلة المعترف بها على نطاق واسع سوى جانب واحد فقط من مخاوف الولايات المتحدة تجاه الصين، بل الأخطر بالنسبة لواشنطن هو الجانب العسكري.

فلقد استفادت الصين من التقنيات والأبحاث العلمية الأمريكية في تطوير جيشها وهو أمر بات يقلق الجيش الأمريكي، ويُعتقد أن وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" ساهمت، دون أن تدري، في تطوير وتمويل أسلحة صينية، من ضمنها الصواريخ فرط الصوتية الصينية التي لا تمتلك أمريكا وسيلة لوقفها، ولا تمتلك حتى نظيراً لها، حيث تبين أن استفادة بكين من التكنولوجيا الأمريكية العسكرية أوسع نطاقاً مما كان يُتصور، وذلك من خلال طرق عدة، بعضها كان شرعياً.

هذه الحقيقة الصادمة كشفها تحقيق استقصائي لصحيفة The Washington Post الأمريكية، تضمن حوارات مع علماء صينيين عاملين في المجال العسكري أكدوا استفادتهم من منتجات وأبحاث أمريكية مولها البنتاغون، إضافة لفحص عقود معاملات تجارية بين شركات أمريكية وصينية.

مخاوف من تعرض الوكالات الحكومية الأمريكية للتجسس عبر الصادرات الصينية
وفي السنوات الأخيرة، باتت الحكومة الأمريكية قلقة أيضاً على نحو متزايد من أنَّ السماح للشركات التكنولوجية الصينية بالعمل على الأراضي الأمريكية أو استخدام الوكالات الحكومية الأمريكية لتقنيات أو معدات صينية الصنع، يُعرّض الأمن القومي للخطر من منطلق أنَّ جميع الشركات التكنولوجية في الصين ترتبط بعلاقات مع الدولة الصينية وقد تضطر إلى جمع بيانات المستهلكين الغربيين سراً.

تبدو هذه المخاوف صحيحة من الناحية النظرية، إذ يستطيع قانون الأمن القومي الصيني إجبار الشركات الصينية العاملة في الولايات المتحدة على جمع معلومات عن المواطنين الأمريكيين أو الشركات الأمريكية وإرسال هذه البيانات إلى بكين، ولا يكون لدى الشركات الصينية في هذه الحالة أي خيار سوى الانصياع والتعاون مع بكين، حسب تقرير المجلة الأمريكية.

من هذا المنطلق، تُشكّل أبراج الهواتف المحمولة الصينية الصنع المثبتة بالقرب من منشآت حكومية أمريكية، مثل المكاتب الفيدرالية أو القواعد العسكرية (وقد تكون حتى قريبة من البيت الأبيض)، تهديداً جدياً للأمن القومي الأمريكي. هذا هو جوهر الجدال الجاري حول مشاركة بكين في نشر شبكات الاتصال بتقنية الجيل الخامس على مستوى العالم والذي عارضته واشنطن بشدة.

ويعتقد صقور البنتاغون أنَّ الصين قد تستخدم البنية التحتية لهذه الشبكات في التجسّس على منشآت أمريكية حسّاسة مشيرين إلى وجود سوابق بشأن هذا الأمر، حيث اتُّهمت الصين، في مناسبتين منفصلتين، بالتجسس على مقر الاتحاد الإفريقي بالعاصمة الإثيوبية، أديس أبابا. أنكرت بكين والشركات الصينية المشتبه في تورطها تلك الاتهامات، التي قلَّل الاتحاد الإفريقي من شأنها، لأسباب غير مفهومة.

بكين تحاكي الإمبريالية البريطانية
ويرى الحزبان الديمقراطي والجمهوري في الوقت الحاضر أنَّ الصين تُقدّم نسخة محدثة من الإمبريالية الاقتصادية، تماماً مثل بريطانيا العظمى في القرن الـ19 أو اليابان بعد الحرب العالمية الثانية. لذا، تعتقد واشنطن أن عليها إيقاف المسار المتصاعد لبكين إذا أرادت الاحتفاظ بدورها كقوة عظمى وحيدة في العالم.

قد تكون الحقائق على أرض الواقع أقل دراماتيكية، حيث يدور الصراع بين الولايات المتحدة والصين حول الهيمنة الاقتصادية بين القوة الاقتصادية العظمى الحالية وقوة منافسة صاعدة.

لذا، من غير المستغرب أن تستخدم الولايات المتحدة جميع أشكال الإكراه الاقتصادي للفوز بهذه الحرب الاقتصادية. وبالفعل، فرضت إدارة ترامب رسوماً جمركية على 360 مليار دولار من الواردات الأمريكية من سلع ومنتجات صينية، كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أفراد صينيين مرتبطين بممارسة انتهاكات لحقوق الإنسان ضد أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ والمتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في هونغ كونغ.

الاقتصاد الصيني أكبر من أن يتم معاقبته أو إعاقة نموه
في القطاع المالي، يدرس مشرعون أمريكيون شطب أسهم شركات صينية تتجاوز قيمتها تريليون دولار في البورصات الأمريكية.

ومع ذلك، نما الاقتصاد الصيني إلى درجة كبيرة جعلت من الصعب على واشنطن معاقبة بكين بمجموعة أدواتها المعتادة. وتبدو العقوبات المالية أمراً مستبعداً للغاية، لأنَّ استهداف ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعقوبات مالية سيؤدي بالتأكيد إلى نتائج عكسية. تحتاج الولايات المتحدة إلى شيء آخر لتعزيز مصالحها ضد الصين. لذا، ركزت واشنطن جهودها على القطاع التكنولوجي، ومن هنا تحولت الحرب التجارية بين واشنطن وبكين إلى حرب تكنولوجية أو ما يمكن تسميته بالصراع التقني بين أمريكا والصين.

ولكن صناعة أشباه الموصلات تعد نقطة ضعف بكين الكبرى التي تستهدفها أمريكا، وإليك السبب
تعتبر صناعة أشباه الموصلات نقطة ضعف الاقتصاد الصيني. تستورد بكين أشباه موصلات أجنبية الصنع بأكثر من 300 مليار دولار سنوياً، ما يجعل واردات الصين من الرقائق الإلكترونية أعلى بكثير من وارداتها النفطية. يعكس هذا حقيقة أنَّ المصانع الصينية تستورد 85% من احتياجاتها من الرقائق الإلكترونية.

بالنظر إلى حقيقة أنَّ معظم أشباه الموصلات في العالم يجري تصنيعها بالتقنية الأمريكية، باتت ضوابط تصدير الرقائق إلى الصين أداة مثالية على ما يبدو بالنسبة لواشنطن لحرمان بكين من تطور الابتكار ومعرفة سر الصنعة الأمريكية.

تعلم واشنطن أنَّها تمتلك ورقة رابحة في قطاع أشباه الموصلات، حيث إنَّ كل رقاقة إلكترونية في العالم ترتبط تقريباً بشكل أو بآخر بالولايات المتحدة الأمريكية، سواء لأنَّها مصممة ببرمجيات أمريكية الصنع أو أُنتجت باستخدام معدات أمريكية الصنع أو اختُبرت بأدوات أمريكية الصنع.

بالنظر إلى هيمنة الولايات المتحدة في قطاع أشباه الموصلات، تدرك واشنطن أنَّ التدابير الرامية إلى الحد من قدرة وصول الصين إلى التقنية الأمريكية في صناعة أشباه الموصلات توجه ضربة قوية لطموحات بكين التقنية. بدأ الكونغرس في عام 2018 تنفيذ هذه الاستراتيجية، حيث تبنى بهدوءٍ سلسلة من اللوائح تهدف إلى منع وصول الصين إلى تقنية أشباه الموصلات الأمريكية، ثم بدأت إدارة ترامب في شهر مايو/أيار 2019، فرض ضوابط على التصدير لعملاق الاتصالات الصيني "هواوي".

وشدَّدت وزارة التجارة الأمريكية هذه القيود في أغسطس/آب 2020، عندما حظرت جميع مبيعات الرقائق الإلكترونية لشركة "هواوي". في الفترة المتبقية من العام، وسَّعت الإدارة الأمريكية نطاق إجراءاتها لتستهدف عشرات الشركات الصينية الأخرى، من بينها شركة "SMIC"، أكبر شركة لتصنيع الرقائق الإلكترونية في الصين.

بدت هذه التدابير قاسية في ذلك الوقت، لكنها كانت مجرد خطوات أولى. وجهت إدارة جو بايدن في أكتوبر/تشرين الأول، ضربة أشد إلى القطاع التكنولوجي الصيني عندما فرضت واشنطن قيوداً على جميع صادرات الرقائق الإلكترونية وأدوات تصنيع أشباه الموصلات إلى الصين- بدلاً من استهداف الشركات الصينية الكبرى فقط- وحذّرت المواطنين الأمريكيين من مخالفة القانون الأمريكي في حال العمل لدى شركات تكنولوجية صينية بدون الحصول على موافقة صريحة من الحكومة الأمريكية.

وتشبه هذه التدابير العقوبات المالية من نواحٍ كثيرة. يتمثل الفارق في أنَّه بدلاً من استهداف الشركات العالمية المتعاملة بالدولار، تطبق واشنطن تدابير قسرية على الشركات المستخدمة للتكنولوجيا الأمريكية، بغض النظر عما إذا كانت هذه الشركات أمريكية أو غير أمريكية. تسعى هذه التدابير- على غرار العقوبات المالية- إلى إجبار الدول والشركات على الاختيار بين الولايات المتحدة والدولة الخاضعة للعقوبات، وهي في هذه الحالة الصين.

تراهن الولايات المتحدة على أنَّ الشركات الكبرى المنتجة للرقائق الإلكترونية في العالم، مثل "سامسونغ" في كوريا الجنوبية أو "ميدياتك" و"TSMC" في تايوان، سوف تنحاز إلى الجانب الأمريكي وتتوقف عن العمل مع الشركات الصينية. أما إذا اختارت أي شركة أجنبيةٍ الحفاظ على علاقاتها مع الصين، فإنَّها ستدفع ثمناً باهظاً، لأنَّ استخدام التكنولوجيا الأمريكية لتصميم رقائق إلكترونية أو تصنيعها لصالح الشركات الصينية بات أمراً مستحيلاً.

وهكذا اضطرت "هواوي" لوقف العمل بالعديد من منشآتها
وأثبتت التأثيرات المُوسّعة المتلاحقة للضوابط الأمريكية على التصدير للشركات التكنولوجية الصينية أنَّها بالغة الضخامة، وربما أكثر مما توقعته وزارة التجارة الأمريكية. اضطرت شركة "هواوي" إلى إيقاف الإنتاج في عدد من منشآتها، التي اعتمد عدد كبير منها على معدات أمريكية الصنع. خفضت شركة "SMIC" الإنفاق وخطط الاستثمار في ظل مستويات متزايدة من عدم اليقين.

بدأ مديرو مسابك الرقائق خارج الصين في التحقق ممَّا إذا كانت معداتهم تستخدم التكنولوجيا الأمريكية، لأنَّ العمل في هذه الحالة مع عشرات الشركات الصينية، أكبر مستورد لأشباه الموصلات في العالم، بات غير قانوني.

وامتد نطاق تأثيرات ضوابط التصدير المُستهدفة شركة "هواوي" إلى مستخدمي الهواتف النقَّالة على الأراضي الأمريكية، حيث توقفت أجهزة هواوي فجأة عن تلقي تحديثات البرامج المهمة أو استلام قطع غيار من شركات أمريكية. كان هذا يعني انتهاء صلاحية هذه الهواتف، لأنَّ أبراج الهواتف الخلوية وشبكات الإنترنت التابعة لشركة "هواوي" كانت ستتوقف ببساطة عن العمل بمرور الوقت بدون هذه التحديثات وقطع الغيار.

لكن الولايات المتحدة لا تهدف إلى تقييد قدرة الصين على تصنيع الهواتف المحمولة الأساسية رخيصة الثمن، لأنَّ هذه الصناعة لا تُشكَّل تهديداً أمنياً بالنسبة للولايات المتحدة. لذا، قررَّ البيت الأبيض تمديد تراخيص التصدير لعدد من الشركات الأمريكية والأجنبية حتى يتسنى لها مواصلة التعامل مع شركة "هواوي" في مثل هذه المنتجات غير المتطورة.

ما تريده واشنطن هو منع تقنيات الرقائق المتناهية الصغر عن الصين وليس الهواتف
يبدو أنَّ ما تحرص عليه واشنطن هو تطبيق لوائح التصدير الأمريكية بحذافيرها عندما يتعلق الأمر بالرقائق متناهية الصغر المتطورة للغاية، وهو ما سيجعل الصين في مواجهة مشكلة مؤرقة خلال السنوات المقبلة.

تعد الرقائق الإلكترونية عالية التقنية مكوناً مهماً لشبكات اتصالات الجيل الخامس. وبناءً عليه، من المرجح أن يؤدي عزم واشنطن على تقييد وصول بكين إلى أشباه الموصلات المتطورة إلى إعاقة بكين فيما يخص تطوير البنية التحتية لشبكات الجيل الخامس.

ويرجح أن تكون مثل هذه التأثيرات الموسعة في كلٍّ من الصين والولايات المتحدة مجرد غيض من فيض، حيث سيمتد الصراع التقني بين أمريكا والصين عبر عدة عقود، ويبدو أنَّ قيود التصدير سَتُشكّل الجزء الأكبر من ترسانة واشنطن للدفاع عن المصالح الأمريكية، لاسيما في القطاع التكنولوجي.

توضح هذه الحرب التقنية التحوّل المتزايد نحو عالم تكون فيه الهيمنة التكنولوجية هي المحرك الرئيسي للنفوذ السياسي والقوة الاقتصادية، إضافة إلى كونها أحد المحددات الحاسمة للقوة العسكرية.

ولكن الصراع التقني بين أمريكا والصين لن يمر بدون خسائر كبيرة للطرفين وللعالم كله، لأن الحضارة الرقمية الحديثة نتاج إندماج ناجح بين تقنيات أمريكا وحلفائها المتطورة مع قدرات الصين البشرية الهائلة وضمن ذلك دور بكين في التنقيب عن المعادن الأرضية النادرة التي تدخل في الصناعات المتقدمة.

وفي ظل غياب هذا المزيج الصيني الأمريكي، سوف يصبح تطوير التقنيات الحديثة أكثر صعوبة وكلفة، مع اعتماد العالم على هذه التقنيات، فإنه قد يصبح أكثر خطورة وهو الأمر الذي خبره رجال الإطفاء بكاليفورنيا الأمريكية قبل غيرهم.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 10