خبراء مصريون يكشفون لـ "آسيا" حجم الورطة المصرية فيما يتعلق بحقوق الانسان

كتبت: فريدة جابر - القاهرة - خاص وكالة أنباء اسيا

2022.11.18 - 02:48
Facebook Share
طباعة

في الوقت الذي كانت تأمل فيه حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن يكون مؤتمر المناخ المنعقد في مصر فاتحة لمرحلة ممتازة من عودة الاهتمام الدولي للاستثمار في مصر، استغلت منظمات محلية وأخرى دولية المؤتمر لتحوله وبالا وفضيحة على النظام الحاكم.
إذ وصل الأمر إلى إقامة  مؤتمر مواز لحقوق الانسان عقدته افتراضيا وواقعيا مجموعة من الفاعليات على هامش مؤتمر شرم الشيخ للحديث عما أسموه فضائح السلطة المصرية. 
حضور المسؤولين من عشرات دول العالم فتح باب النشاط المكثف للمطالبة باطلاق سراح ناشطين مسجونين، وللاضاءة على الانتهاكات المشينة لحرية التعبير في مصر.
ممثلي المنظمات الحقوقية المصرية غير الحكومية قاموا بعقد اجتماعات مكثفة مع  عدد من ممثلي الدول والحكومات ومنظمات حقوقية وبيئية دولية، وكانت أبرز تلك الجلسات مع المقرر الخاص بالأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان وتغير المناخ «إيان فراي»، ووزير الخارجية الأمريكي «أنتوني بلنكن»، ورئيسة المفوضية الأوروبية «أورسولا فون دير لاين»، ورئيسة مجلس النواب الأمريكي «نانسي بيلوسي».
حقوق الإنسان قبل المناخ:
" لا عدالة بيئية بدون حقوق إنسان" كان الشعار الأبرز الذي شهدته فاعليات أقيمت على هامش المؤتمر، والتي تحدثت عن انتهاكات لحقوق الإنسان تشهدها مصر، وبخاصة ملف المحبوسين على ذمم قضايا سياسية.
وكانت القضية الأبرز الحاضرة في المؤتمر، أزمة الناشط السياسي والمدون علاء عبد الفتاح الذي أعلن إضرابه الكلي عن الطعام والشراب تزامنا مع انطلاق المؤتمر، قبل أن يعلن الثلاثاء عن فكه الإضراب في الرسالة التي استلمتها والدته الدكتورة ليلى سويف من مكان محبسه سجن وادي النطرون.
وعلاء عبد الفتاح ليس الوحيد الذي يعاني من سوء الأوضاع داخل محبسه، والحبس التعسفي على ذمة قضايا سياسية تحمل نفس الاتهامات. إذ هناك قائمة طويلة من ضمنها المحامي الحقوقي محمد الباقر، والناشط أحمد دومة، والناشط محمد القصاص وغيرهم.
من جهته طالب حزب الدستور باطلاق سراح جميع سجناء الرأي في مصر، و إطلاق سراح الصادر ضدهم أحكام في القضية رقم ١٢٢٨ لسنة 2021، وفي مقدمتهم علاء عبد الفتاح.
وأكد الحزب في بيان له، وأن قرارًا كهذا لا يُعبر عن ضعف أو تخاذل من قبل الدولة، بل إنه يعبر عن تجاوب ومراجعة مطلوبة، لا سيما في أجواء حوارٍ وطني، يعلق عليه كثيرًا من الأمل في إصلاحات سياسية باتت ضرورية.
الأمر نفسه طالب به حزب العيش والحرية- تحت التأسيس، في بيانه التضامني مع علاء، وكذلك طالب حزب التحالف الشعبي الاشتراكي إلى ضرورة الإفراج عن سجناء الرأي وفتح المجال العام.
الحبس الاحتياطي من إجراء احترازي إلى عقوبة:
لا يوجد أي توثيق رسمي بعدد المحبوسين احتياطياً على ذمم قضايا سياسية، لكن في المقابل قدرت بعض المنظمات الحقوقية- غير الحكومية- الأعداد بالآلاف.
ويعد الحبس الاحتياطي إجراء احترازي يتم تطبيقه وفقًا لضوابط معينة في قانون الإجراءات الجنائية، لكن خلال السنوات الأخيرة وتحديداً منذ عام 2013، بدأ استخدام هذا الإجراء في الخروج عن مضمون وفلسفته، حيث يتم تطبيقه بشكل مطول بالمخالفة لمواد الدستور والقانون.
وفي وقت سابق، أصدرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان تقريرا، أكدت فيه على أن النيابة تستخدم الحبس الاحتياطي كعقوبة، انتصارا لرغبة الأجهزة الأمنية، بدلا من كونه تدبيرا استثنائيا يُلجأ إليه عند الضرورة، لتجعل منه وسيلة تنكيل بحرية الرأي والتعبير، وعقابا على الاهتمام بالشأن العام، والدفاع عن حقوق الناس، دون حكم قضائي.
وقد حدد المشرع المصري مجموعة من الضمانات في حال استخدام الحبس الاحتياطي، فوفقًا لنص المادة 134 من قانون الإجراءات الجنائية والتي تنص على أنه “يجوز لقاضي التحقيق، بعد استجواب المتهم أو في حالة هربه، إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة معاقبًا عليها بالحبس لمدة لا تقل عن سنة، والدلائل عليها كافية، أن يصدر أمرًا بحبس المتهم احتياطيًا، وذلك إذا توافرت إحدى الحالات أو الدواعى الآتية:”إذا كانت الجريمة في حالة تلبس، ويجب تنفيذ الحكم فيها فور صدوره، والخشية من هروب المتهم، و خشية الإضرار بمصلحة التحقيق سواء بالتأثير على المجني عليه أو الشهود، أو بالعبث في الأدلة أو القرائن المادية، أو بإجراء اتفاقات مع باقى الجناة لتغيير الحقيقة أو طمس معالمها، والخوف من الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام الذي قد يترتب على جسامة الجريمة”.
من جانبه، يرى نجاد البرعي، المحامي الحقوقي في تصريح لوكالة أنباء آسيا أن هناك حالة من الإفراط في استخدام الحبس الاحتياطي في القضايا السياسية. مشيرا إلى أنه وجود د تدابير أخرى يمكن اتخاذها بدلاً من الحبس الاحتياطي، ومنها: إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه، وأن يقدم نفسه لمقر الشرطة في أوقات محددة، وحظر ارتياده أماكن محددة.
دعوات 11/11 ومزيدا من حالات الاختفاء القسري
يأتي " الاختفاء القسري" من بين تلك انتهاكات حقوق الإنسان التي تطارد النظام المصري، إذ لم يتوقف الأمر على وجود بعض الأشخاص المختفين منذ سنوات وغير معروف مصيرهم إلى الآن مثل الدكتور" مصطفى النجار"، بل لازال هذا الأسلوب متبع من قبل القوة الأمنية وهو ما أثير مجددا عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الحملة الأمنية الأخيرة والتي أعقبت دعوات 11/11، ورغم فشل تلك الدعوات، إلا أن هناك بعض النشطاء الذين اختفوا قسريا لعدة أيام منهم من ظهر مؤخراً في نيابة أمن الدولة، ومنهم لازال قيد الاختفاء.
فبعد اختفاء دائم لمدة ثلاثة أيام بمحافظة الإسكندرية، ظهر عضو حزب العيش والحرية (تحت التأسيس)، زياد أبو الفضل، وصديقه، خالد عبد المحسن، أمام نيابة أمن الدولة بالقاهرة الجديدة مساء الإثنين الماضي، متهمين على ذمة قضية رقم 2094 لسنة 2022، بحسب ما أعلنه الحزب.
وقالت إلهام عيداروس وكيل مؤسسي حزب العيش والحرية- تحت التأسيس، إن أبو الفضل غادر منزله بصحبة عبد المحسن، مساء الجمعة الماضي (11 نوفمبر)، وانقطعت أخبارهما من وقتها، حتى ظهرا أمام النيابة التي وجهت لهما تهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية وتمويل الإرهاب، والتحريض على التظاهر وارتكاب أعمال إرهابية.
وأشارت لوكالة أنباء آسيا، إلى أنه على الرغم من أن محضر القبض على أبو الفضل وعبد المحسن يرجع إلى الجمعة الماضي، إلا أنهما لم يُعرضا على النيابة قبل أمس، وهو ما اعتبره الحزب استثناءً أحدثه قانون الإرهاب على الإجراءات الجنائية وحقوق المتهمين والموقوفين، ليسمح لرجال الشرطة بالتحفظ على المتهمين خلال مدة قد تصل إلى 14 يومًا بعد أن كانت 24 ساعة فقط في الظروف العادية.
كان أبو الفضل قد حُبس احتياطيًا لمدة 31 شهرًا، بدءًا من مارس 2019، قبل أن يطلق سراحه في أغسطس 2021، ضمن عدد من إخلاءات السبيل المرتبطة بقضايا سياسية. وشهدت فترة حبسه «تدويره» على ذمة قضية جديدة عام 2020، بعد صدور قرار بإخلاء سبيله في نوفمبر من نفس العام.
وفي سياق مواز، ظهر الصحفي بجريدة البوابة، محمد مصطفى محمد موسى، أمام نيابة أمن الدولة، الإثنين الماضي بعد اختفاء دام لسبعة أيام، وذلك خلال جلسة تجديد حبسه على ذمة اتهامه بالانضمام لجماعة إرهابية والتحريض على التظاهر وارتكاب أعمال إرهابية في 11 نوفمبر أيضًا، بحسب المحامي الحقوقي خالد علي.
كما أعلنت المفوضية المصرية للحقوق والحريات، عن ظهر المحامي الحقوقي أحمد نظير الحلو، صباح الأحد الماضي، في مقر نيابة أمن الدولة العليا، بعد 7 أيام من الاختفاء منذ القبض عليه. ومن المقرر أن تبدأ النيابة تحقيقاتها معه في وقت لاحق، وبيان الاتهامات الموجهة إليه.
وكانت قوات الأمن قد ألقت القبض على المحامي الحقوقي فجر الأحد من منزله، واقتادته لجهة غير معلومة حتى ظهوره في النيابة.
وفي واقعة مشابهة أعلنت أسرة الشاب أحمد عرابي القبض عليه من المنزل في 6 نوفمبر الماضي، وإلى الآن لو تستدل الأسرة على مكان عرابي ولم تعرف مصيره.
وأوضحت الأسرة أن قوة أمنية من قسم شبرا" محل السكن" كانت قد اقتحمت المنزل في مساء يوم الأحد الموافق 6 نوفمبر/تشرين ثاني، ولم يستدل على مكانه إلى الآن، هذا بالإضافة إلى أن قسم الشرطة أنكر وجوده، رغم أن القوة الأمنية من القسم.
وتنص المادة (54) من الدستور المصري المعمول به منذ عام2014 تشدّد على أن "يُبلَغ فوراً كلُّ من تقيّد حرّيته بأسباب ذلك، ويُحاط بحقوقه كتابة، ويُمكَّن من الاتصال بذويه وبمحاميه فوراً، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حرّيته".
كما ينص قانون الإجراءات الجنائية رقم (150) لسنة 1950، والمعدّل بتاريخ 5 أيلول/ سبتمبر 2020 في مادّتيْه (40) و(41)، عدم جواز احتجاز المتهم إلّا في الأماكن المخصصة لذلك.
من جانبه يرى المحامي ياسر سعد، أن مصر تحتاج إلى تعريف للاختفاء القسري، لأن أستمرار احتجاز أي مواطن دون العرض على جهات التحقيق يعتبر اختفاء قسري وفقا للاتفاقيات الدولية التي تحدثت عن الاختفاء القسري.
وأشار سعد في تصريحاته لوكالة أنباء آسيا، إلى أن مصر هناك انماط مختلفة من الاختفاء القسري، فهو غير مقتصر فقط على الاحتجاز لمدد طويلة تصل إلى أشهر وسنوات دون العرض على جهات التحقيق ودون معرفة مكانه، لكن أيضا العرض على جهات التحقيق دون وجود ضمانات حقيقية مثل المحامين يعتبر أيضا إخفاء قسري.
وأوضح أن الهدف من اخفاء المتهمين قسريا لفترات طويلة هو أن جهات الاستدلال والمتمثلة في وزارة الداخلية وتحديدا قطاع الأمن الوطني يقومون في تلك الفترة بعمل التحريات والتحقيق مع المتهم بالمخالفة للقانون، لأنه أحيانا يتخلل إجراء التحقيق تعذيب نفسي وبدني يتعرض له المتهم، لأن جهة الاستدلال تريد أن تحصل على أكبر قدر ممكن من المعلومات حتى وإن كانت لا تهمهم وبالتالي تستخدم الأساليب العنيفة والإخفاء للحصول على هذه المعلومات.
وأكد سعد، أن لا يوجد أي إطار قانوني أو دستور يجيز حجز المتهم دون العرض على جهات التحقيق، وأن الأصل في الأمر هو اخطار النيابة العامة بمجرد القبض على المواطن
مشيرا إلى أنه يحق لضحايا الاختفاء القسري عقب ظهورهم في رفع دعوى قضائية ضد الجهة الأمنية التي احتجزتهم.
وبحسب التعريف في المادة الثانية من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والتي دخلت حيّز التنفيذ عام 2010، فإنه يقصد ب‍ ”الاختفاء القسري“الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون. لكنّ مصر من ضمن الدول التي لم تصادق على تلك الاتفاقية حتى الآن.
وكانت حملة حتى آخر سجين والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، قد رصدا حالات الإيقاف والقبض منذ بدأ دعوات 11/11 في أكتوبر/تشرين أول وحتى 12 نوفمبر/تشرين ثاني لـ413، من بينهم مازال هناك 45 شخص قيد الإخفاء القسري.
الإهمال الطبي في أماكن الاحتجاز:
يعد الإهمال الطبي من أبرز الانتهاكات التي يعاني منها المحبوسين في مصر، وبخاصة المحبوسين على ذمة قضايا سياسية، إذ يصل الأمر أحيانا إلى وفاة المسحون بسبب الإهمال الطبي إلى جانب ظروف الحبس السيئة.
وتشهد أماكن الاحتجاز، حالات وفاة داخلها من وقت لأخر بسبب الإهمال الطبي وسوء أوضاع الاحتجاز، كانت أخر تلك الحالات وفاة المواطن المسجون مجدي عبده الشبراوي، صاحب مكتبة، في سجن "بدر الجديد" والذي توفي الثلاثاء- بحسب الشبكة المصرية لحقوق الإنسان.
والشبراوي محبوس منذ 4 يناير/كانون الثاني 2020 في سجن العقرب وتم نقله مؤخراً إلى سجن بدر، بينما نجله محمود محبوس منذ عام 2014.
ويعد الشبراوي ثاني حالة وفاة في السجون خلال اليومين الماضيين، حيث توفي المواطن شعبان محمد سيد، داخل مستشفى السادات بعدما تدهورت حالته الصحية بسبب معاناته من ارتفاع ضغط الدم داخل سجن القناطر.
وبحسب ما وثقت منظمة نحن نسجل، ففي عام 2021 تُوفي 60 محتجزاً داخل السجون المصرية عام 2021، مقسمين إلى 52 ضحية من السجناء السياسيين، و8 جنائيين، بينهم 6 أطفال. بينما شهد عام 2020 وفاة 73 مواطناً نتيجة الإهمال الطبي في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة في مصر. وفي 2019 شهد 40 حالة وفاة بالإهمال الطبي في السجون.
وخلال الفترة الماضية، قدم بعض أهالي المحبوسين شكاوى للمجلس القومي لحقوق الإنسان ورئيسته مشيرة خطاب، شكاوى بخصوص أوضاع الاحتجاز السيئة، وطالبوا المجلس بزيارة السجن للاطلاع على أوضاع المساجين.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 4