انقلاب أحرار الشام: إعادة تشكيل الحسابات المحلية وترتيب أولوية التبعية

طارق علي – دمشق

2022.11.13 - 01:09
Facebook Share
طباعة

 "أحرار الشام" إلى الواجهة من جديد، عبر التصعيد الذي لا يهدأ في الشمال السوري، التصعيد الذي يطالع المتابعين والمهتمين بالشأن العسكري عموماً على تغيرات يمكن وصفها بالجذرية، والتي تحصل تباعاً في مناطق سيطرة الجماعات المسلحة على الأراضي السورية، بحسب ما وصفت مصادر مطلعة الحال لوكالة أنباء آسيا.
الوكالة تواصلت مع مصدر مقرب من حركة "أحرار الشام" في إدلب، وأكد لها حدوث انقلاب خلال الأيام القليلة الماضية داخل الجماعة، انقلاب بحسب المصدر كان من شأنه تبدل الكثير من المعطيات الميدانية التي قد يصار إلى لمسها في أوقات قريبة.
المصدر الذي أكد ضلوعه في الملف واطلاعه عن كثب على تفاصيل الانقلاب بين أنّ من قام به من داخل الجماعة هم ألوية "الشام" الذي تشكل بدايةً في ريف دمشق، وكتيبة "الحمزة" التي تشكلت في إدلب أساساً، والنخبة في "لواء العاديات" في سهل الغاب، ولواء "الخطاب" الذي تشكل في سهل الغاب، ولواء "الإيمان" الذي تأسس بدايةً في محافظة حماه.
وتمثل الانقلاب الحديث بنزع الشرعية القائمة لقيادة الحركة، وبالتالي عزل زعيمها عامر الشيخ من قيادتها، وتعيين يوسف الحموي الملقب بأبو سليمان كبديل عنه، وجاء ذلك التعيين في بيان أصدرته الكتائب المنقلبة عقب الحادث.
وجاء في البيان الموقع من الألوية: "ندعو بقية تشكيلات الحركة إلى الالتحاق بالقيادة الجديدة، لإعادة الحركة إلى مسارها القويم، والحفاظ على نهجها السليم، لتكون سهماً في كنانة الثورة السورية المباركة".
المصدر المطلع شرّح لوكالة أنباء آسيا الموقف واصفاً الانقلاب الحالي بأنّه ليس الأول في صفوف الحركة، بل حدث انقلاب سابق خلال العام الماضي، أفرز ذاك الانقلاب تيارين داخل "أحرار الشام"، أحدهما مقرب من "النصرة" والجولاني زعيمها، والآخر، بحسب مصدرنا، رفض التبعية للهيئة، وظلّ متمسكاً بالأهداف السابقة والحيثية الخاصة لها. وبالطبع فإنّ ذلك الانقلاب أفضى لعزل القيادة حينها، وتعيين أخرى بديلة، وقتذاك.
أحد الكوادر ذات الوزن في التيار المنقلب داخل الحركة أشار بأنّ انقلابهم كان ضرورةً مرحلية لما أسماه تجاوزات لا يمكن السكوت عنها لدى القائد السابق للحركة، وبين أنّه خلال انقلاب العام الماضي حسم الخلاف لصالح التيار الذي يميل للنصرة وقتها بقيادة حسن صوفان الذي تولى قيادة الحركة عامةً عام 2017.
القيادي بيّن أنّ الانقلاب الأخير في الحركة جاء بعد قرابة شهر وبضع على تدخل "تحرير الشام – النصرة" على خط الخلافات الحاصلة شمال سوريا، في اتجاه عفرين، شمال غرب حلب، حيث قدمت الحركة بقيادتها السابقة من خلال بعض الكوادر والتيارات داخلها الدعم للنصرة هناك، سيما في معارك جنديرس.
وبحسب مصادر لآسيا فإنّ المنقلبين الجدد يرفضون أي شكل من أشكال التقارب مع النصرة أي تحرير الشام، وبأنّ انقلابهم جاء على هذا الأساس، وعلى خلفية ما حصل مؤخراً في الشمال السوري، خاصةً أنّ ألوية الانقلاب تتمركز في عفرين ومحيطها، ومناطق درع الفرات شمال حلب، في حين أنّ المخلوعين من الحركة يتواجدون الآن في مناطق سيطرة تحرير الشام في إدلب.
تنظر مصادر في دمشق إلى هذا الانقلاب كانعكاس طبيعي لحال المرحلة والتشتت والتمزق الذي يعتري الجسد المسلح في شمال، وشمال غرب سوريا، سيما أنّه حدث بين تيارين لكل منهما ولاءاته المختلفة، وبالطبع فهذه الولاءات لا تصب بأي شكل في مصلحة المدنيين في تلك المناطق، وتستدل المصادر تلك على حديثها بالتقلقل والمخاوف التي أصابت المدنيين مؤخراً في المناطق التي شهدت اقتتال الفصائل فيما بينهم.
الأخبار التي وصلت المصادر في دمشق تقول إنّ الخلاف الفعلي أقدم مما يبدو عليه، ويعود لسنوات ومطبات كثيرة، ولكنّ المعارك الأخيرة فجرتها بشكل واضح، ليبدأ الأمر بتعليق عدة ألوية وكتائب عضويتها في الحركة إثر معارك الشمال من قبل تحرير الشام على عفرين، لتقوم القيادة المخلوعة بفصلهم، ما حذا بهم للتجمع في إطار تشكيل تيار تمكن من الانقلاب وعزل القيادة السابقة والسيطرة على معظم مقدراتها.
وبحسب مصادر إعلامية أيضاً فإنّ الانقلاب كان مدروساً وجاء ضمن مشروع اندماج كان يُحضر له بين "الجبهة الشامية"، أكبر مكونات "الفيلق الثالث" التابع لـ"الجيش الوطني السوري"، مع حركة "أحرار الشام"، التي كانت من أكبر مكونات "الجبهة الوطنية للتحرير"، الأمر الذي دفع "تحرير الشام" لتحريض صوفان (الذي تم الانقلاب عليه العام الماضي) على انقلاب جديد كي لا يكون للحركة منافس قوي ضمن مناطق سيطرة الجماعات المسلحة.


الخلفية
وكانت حركة "أحرار الشام" قد نشأت أواخر عام 2011، كنتيجة لاندماج فصيل أساسي يحمل اسم "أحرار الشام" إلى جانب فصائل أخرى، أبرزها: حركة "الفجر الإسلامي"، كتائب "الإيمان المقاتل"، جماعة "الطليعة الإسلامية".
ولطالما كان لهذه الحركة قوة ووزن أساسي في معادلة الصراع أقلّه حتى عام 2013 بحسب ما رصدت وكالة أنباء آسيا، والتي كان لها دور كبير في إتمام السيطرة المسلحة على محافظة الرقة، في عام 2013، قبل أن يتراجع دورها تدريجيا في وقت لاحق لصالح فصائل متشددة أخرى، احتلت المشهد، وتلقت دعماً خارجياً، يبدو أنّه كان أكبر، وكل ذلك قبل ظهور "داعش" و "الأكراد" والتدخل الروسي في سوريا.
وتراجع دورها العملي بدأ بعيد أواسط 2014، حين قتل قائدها وأحد أبرز مراكز ثقلها حسان عبود مع شقيقيه وإلى جانبهم قرابة 50 قيادياً آخر، إثر تفجير استهدف اجتماعاً لهم، في بلدة رام حمدان، شمال غرب إدلب، خلال اجتماع لمجلس شورى الحركة. ورغم انقضاء قرابة ثمانية سنوات ونيف على ذلك الاستهداف، لم تعلن حتى الآن أي جهة عن مسؤوليتها بالاستهداف الذي أدى لتراجع مهول في دور الحركة على الساحة، والمقتولون بأغلبهم كانوا من كوادر تنظيم الاخوان في الساحة السورية في حين حل مكانهم خليط من العملاء الأتراك والعملاء المباشرين للمخابرات البريطانية والاميركية والقطرية.
تراجع دور أحرار الشام يعكس تنافساً أميركيا (تمثله قطر في المنطقة) مع تركيا التي يمثلها جناح النصرة – تحرير الشام والموالين لها في أحرار الشام.
وما حدث بطبيعة الحال ليس صراعا جذرياً على الخيارات بقدر ما كان صراع نفوذ بين عصابات مسلحة بدأت ثورية المزاعم وانتهت متقاتلةً على معابر تدر المال والنفوذ والسطوة والحسابات المفتوحة.
إنها فوضى خلاقة يريد من خلالها الأميركي توجيه رسالةٍ بغرض إفهام التركي أنه ليس حر التصرف في سوريا ويريد التركي بدوره أن يستغلها لفرض وقائع في مصلحته وضمن حساباته الجيوسياسية على حساب المصالح الأميركية.
إذن، هو خلاف في التكتيك بين حليفين بأدوات هي عصابات مسلحة والهدف المباشر هو الإمساك بخيوط لعبة تقسيم سوريا وشعبها.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 10