كتبَ هاني بشر: حالة الكتاب السينمائي العربي وتعزيز ثقافة الصورة

2022.10.05 - 08:40
Facebook Share
طباعة

 كان سكان مدينة فاس المغربية على موعد مع حدث فني وثقافي تناول تأريخا بصريا وثقافيا ومعماريا لتاريخهم السينمائي. فقد زينت صور مختلف السينمات المغربية جدران إحدى قاعات المعهد الثقافي الفرنسي بالمدينة في معرض للمصور الفرنسي فرانسوا بوران الذي استقر في الرباط منذ نحو 10 سنوات. والمعرض هو حصيلة 3 سنوات قضاها بوران يطوف مدن وبلدات المغرب المختلفة من أقصى الشمال لأقصى الجنوب كي يسبر أغوار صالات العرض السينمائية لا سيما القديمة منها ليؤلف كتاب "صالات سينما المغرب، أضواء على القاعات المظلمة للمملكة" والذي صدر هذا العام 2022.

يروي الكتاب تاريخ هذه القاعات خصوصا تلك التي افتتحت مطلع القرن الماضي عام 1913 مثل سينما الكسار في مدينة طنجة، بالإضافة للمهرجانات السينمائية التي احتضنتها هذه الصالات. ويمزج هذا كله بأشكال التصميمات الهندسية لها وكيف أنها شاهدة على طبيعة التحولات المعمارية في البلاد. وبالإضافة لإطلاق الكتاب، قام بوران بتصوير هذه الأماكن ليقدم حصادا بصريا في معرض فني للصور. ويعد الكتاب واحدا من تجارب التأليف السينمائي التي تستهدف التوثيق. وهو تجربة ثرية كغيرها من تجارب التأليف في مجال السينما والتي اعتاد عليها القارئ والمؤلف الغربي كما اعتادت عليها دور النشر.

وظيفة الكتاب السينمائي ليست تكميلية للجانب الفني الذي تقدمه السينما وإنما تأسيسه لرفع الوعي. فهو من ناحية يعزز من ثقافة الصورة لدى المشاهد عندما يمكّنه من إمساك مفاتيح فك شفرتها وتتبع جمالياتها، كما يربطه بأهم المدراس الفنية التي ظهرت أو تظهر في العالم، ويعرض أيضا لأبرز التطورات الفنية والتقنية في العالم الذي يدور حوله. وتأليف الكتاب السينمائي ليس حكرا على النقاد أو الأكاديميين، فله دور توثيقي كالكتاب الفرنسي المذكور حول صالات السينما في المغرب، وله أيضا دور تعليمي مثل الكتب التعليمية المبسطة لأسس المونتاج مثلا أو خطوات كتابة السيناريو.

أتذكر عندما زرت مقر معهد الفيلم البريطاني في لندن بمنطقة "ساوث بانك" هالني حجم مكتبة بيع الكتب الملحقة بالمعهد المطل على نهر التايمز. وتشمل هذه الكتب كافة أوجه النشاط السينمائي وكل ما يتعلق بإنتاج وإخراج الأفلام بالإضافة للجوانب الثقافية المرتبطة بها. والأهم هو وجود دار نشر نشطة تابعة للمعهد تطبع كتبا سينمائية بشكل مستمر.

ولفت نظري وجود كتب تتناول أفلاما بعينها منها على سبيل المثال كتاب "تايتنك" من تأليف ديفيد لوبين عن الفيلم الأميركي الشهير ضمن سلسلة كتب عن الكلاسيكيات الحديثة. ويقدم الكتاب نظرة عامة على الفيلم مدعومة بالصور وكأنك تعيد مشاهدة الفيلم مرة أخرى ولكن من منظور ثقافي ومعرفي. ويعرض الكتاب آراء المثقفين حول الفيلم الذين يرونه عملا سطحيا يناسب الفتيات المهووسات وكيف أن مؤلف الكتاب يختلف مع هذه النظرة.

إذ يرى أن قصة الفيلم تحمل كثيرا من الرمزية التي وجد فيها المشاهدون أنفسهم وهم يستعرضون مشاكل الطبقية الاجتماعية الحالية بين الأغنياء والفقراء وطبيعة الحب وماهية التضحية. الأمر الذي كان أحد العوامل الذي جعلته الفيلم الأول الذي يحقق عائدات بمقدار مليار دولار في دور السينما في العالم.

الكتاب السينمائي العربي

قد لا تكون السينما العربية متقدمة من حيث الشكل والمضمون بنفس درجة التجربة السينمائية الأوروبية أو الأميركية لكن قطعا لديها تجربة تستحق التدوين والتوثيق. فثمة رواية أخرى عن كل فيلم سينمائي تستحق أن تروى ويعرفها الجمهور. وهي رواية قد تتصل بصميم العمل الفني نفسه وتقييمه ومعرفة مستويات الجمال والتعبير فيه أو بالظروف الإنتاجية المحيطة به. وقد تكون هذه الرواية بقلم المخرجين أو المنتجين أو الممثلين أو النقاد أو حتى كل هؤلاء.

يمتلك الكتاب السينمائي فرصا تسويقية مسبقة للنجاح، أولها وأبرزها أنه مبني على عمل فني له جمهور شاهده وتفاعل معه.

ثانيا إذا ارتبط بأحد النجوم أو المشاهير فإنه يضيف قيمة تسويقية أخرى.

المشكلة الرئيسية في كثير من الكتب السينمائية العربية أنها تلجأ للحل الأخير كطريقة سريعة للنشر والتوزيع كما يحدث في مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط. فقد لجأ المهرجان لطباعة أحد عشر كتابا كلها تقريبا عن المشاهير السينمائيين والنجوم في دورته التي تقام في أكتوبر/تشرين الأول 2022، مثل كتاب "محمود حميدة نجم الفن السابع" لعاطف بشاي و"دنيا بنت سمير ودلال" لطارق الشناوي. بالإضافة إلى كتاب عن مسيرة المخرج سعيد حامد الذي سيتم تكريمه. ولو كانت الحاجة ملحة للتركيز على هذه الشخصيات تحديدا لكان الأفضل والأفيد أن يدون محمود حميدة كتابا بنفسه عن تجربته السينمائية وفي الصحافة السينمائية بشكل خاص باعتباره مؤسسا لمجلة الفن السابع.

الأمر نفسه ينطبق على تجربة المخرج سعيد حامد والممثلة دنيا سمير غانم. وهي نوع من الكتابة مختلف عن رؤية الناقد لهما.

هذه المشكلة ليست موجودة لدى جهات نشر نادرة مثل سلسلة كتب "آفاق السينما" الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية. وربما ما تعانيه هذه السلسلة ليس جودة الموضوعات ولا الترجمة بقدر ما هو قصور التوزيع والترويج والإخراج الجذاب الذي يجلب الجمهور. كما أن قائمة المؤلفين تفتقر إلى الذين يمارسون المهنة على مستوياتها المختلفة. لنتخيل إن كانت لدينا كتب بأقلام مخرجين من أمثال المصري عاطف الطيب عن أفلامه المصرية أو السوري الأميركي مصطفى العقاد عن تجربته في هوليود ومع أفلام الرسالة وعمر المختار أو المخرج السوري عمر أميرالاي عن تجربته الرائدة في الفيلم الوثائقي.

إن أزمة السينما العربية لا تكمن فقط في رفع يد كثير من الدول عن دعمها بل يساهم غياب ثقافة الصورة والحس النقدي عند المشاهد في تعميق الأزمة. وهنا تنبع أهمية التعامل مع السينما كثقافة والنظر للكتاب السينمائي من هذا المنظور من أجل رفع الوعي الفني لدى المتلقي وجعله لا يهضم كل ما يقدم له بل يقبل ويرفض ويقيِّم، وحينها يُقيم له المنتجون والمخرجون ألف اعتبار مما يساهم في جودة الأعمال السينمائية المقدمة.

 

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 4