كتبَ وائل نيل: عن سبتمبر والخوف والأمل

2022.10.05 - 07:26
Facebook Share
طباعة

 بالأمس؛ ربما منذ عام، سألني شخص عن خوف المجهول، والسنوات الماضية والآتية والأحلام، لا أتذكر الإجابة بصيغتها الدقيقة، لكنني أتذكر دائمًا قناعتي عن المجهول بصورتها الأدق، قناعة أن الحياة مزيج من التقلب، وأن حساباتنا للغد وما بعده، والماضي وما يعنيه، كل حساباتنا لن تكون دقيقة دائمًا شاء الخوف أم أبى.

أتذكر أنني أمضيت مسافات طويلة من الزمن خائفًا من أشياء تترسخ في قلبي برهبة، ألا يكتمل الطريق الذي أتمناه للنهاية، أو أن يأتي نهار مفاجئًا دون الذين أحبهم، أو تهزمني لحظات يصدمني فيها التوقع، ومع هذا حدث كثير من كل الذي أخشاه، أدركت بعد حين بقناعة كاملة أنه لا ثبات مطلق؛ لا طمأنينة مُطلقة، ولا خوف مُنجٍ، ولابد لنا من بعض هذا كله، فنخسر مرة وربما مرات، ونكسب أخرى، ننهزم مرة وننتصر أخرى، نخسر ونتقبل ولو بعد حين، أدركت منطق الحياة وميزان الزمن وتفاصيل الأيام التي تترسخ في قلوبنا لتبني بها قناعات جديدة، وآمال جديدة، وتسع أماكن أخرى للحظات اليأس والتعلم ومعاودة المسير.

وفي مشهد أوسع من دائرة العمر، قبل الآن بسنوات طويلة في السابع من سبتمبر كشفت الحياة لي رحابها، جذبتني بسذاجة لعمق اللامبالاة فيها، وبحكمة لأصدق تفاصيلها، مرت السنوات أحيانًا مرورًا سريعًا أمام أعيني، ومرة بأدق تفاصيل قلبي، ومرة كنت أشعر أنها تقف ثقيلة دون تحرك في ركن من روحي، وكُنت أجد أحيانًا تلخيص كُل العُمر في جملة عابرة لا يعيرها أحد اهتمامًا، أو في مشهد بفيلم ممل، وأحيانًا في نهايات القصص الحزينة، أو السعيدة، وعن الاهتمام بالتفاصيل كانت تزعجني بعض المشاهد التي تقع عليها عيني لتسقط سريعًا لأبعد ركن في قلبي سقوطًا حُرًا؛ سقوط هاوية من أعلى لترتطم بجدار القلب، وبنفس الصورة كانت تُدهشني؛ تُسعدني مشاهد أخرى تعانق روحي بمودة لتُذكرني بكم النِعم، وكم نحن بحاجة لهذا النوع من العِناق اللطيف والتذكر.

وإلحاقًا بتلك السنوات، منذ فترة أصبحت لا أحب كثيرًا الصخب والاحتفالات، لم أجد سببًا مُقنعًا لتفسير هذا الشعور، ربما يعود ذلك لما تُغيره السنوات في قناعات المنطق والشعور، المدهش أنني وجدت هذا الشعور مُلتصقًا بي أحيانًا في أعظم تنقلات الحياة، ناسيًا عندها أو متناسيًا الأمس وأنا أنظر للغد.

وبهذا التناقض لم أجد مرات عديدة تفسيرات مُقنعة لبعض الخسارات التي كانت تلاحقني دون أمل في الهروب، والمكاسب التي أتت دون أمل كامل في الوجود، أميل للعزلة والوحدة، أو أفضل المشي في شوارع مزدحمة مُتفحصًا حكايات الناس في دلائل وجوههم، وعندي إيمان أن الحياة بمُجمل تفاصيلها متناقضة ولا تحمل تفسيرات ثابتة ربما يزول بعض التعجب من هذا كله.

أتذكر أحيانًا بتاريخ عابر بجملة من أحدهم، أن السابع من سبتمبر هو يوم مولدي، أتذكر السقوط الحر للأحداث في قلبي، والنِعم التي تزيدني امتنانًا، النِعم العادية التي تعظم بوجودها، أحمد الله على كل ما مضى، على ما أعلمه وما أجهله، وتفاصيل النجاة، وأعود لشعوري العادي، وأحلامي التي تبدو عادية، وأمنياتي التي تعظم في قلبي، وامتناني العميق لكل التفاصيل، وحكمة الحياة الأصدق في السعي والأمل، وما تحمله حكاياتها من تعلم.

 

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 3