كتبَ محمد المنشاوي: أزمة بايدن في قيادة السياسة الخارجية الأميركية

2022.07.27 - 05:11
Facebook Share
طباعة

 في الوقت الذي يُعد فيه الرئيس جو بايدن أحد أكثر الرؤساء الأميركيين خبرة ودراية بقضايا السياسة الخارجية نظرا لخبراته السابقة وسيرته الذاتية الطويلة في هذا المجال على مدى يقترب من نصف قرن، تسبب كبر سن بايدن، وسيطرة المدرسة التقليدية الجامدة على رؤيته للعالم، في شل آلة السياسة الخارجية للدولة الأكبر والأكثر تأثيرا في عالم اليوم.

خدم بايدن لعقود في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وترأسها لسنوات طويلة، مما أتاح له الاقتراب والتدخل في تفاصيل إدارة وصنع قرارات السياسة الخارجية خلال عهود الرؤساء ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد وجيمس كارتر ودونالد ترامب وجورج بوش الأب وبيل كلينتون وجورج بوش الابن، وذلك قبل استعانة الرئيس باراك أوباما به ليسد نقص خبرة الملفات الخارجية لديه.

وعلى الرغم من الهزة الضخمة التي أحدثها وجود الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض لأربع سنوات، فإن الرئيس بايدن يُظهر ترددا كبيرا في اتخاذ أي قرارات كبيرة مؤثرة وحاسمة يترتب عليها تشكيل مواقف إدارته تجاه قضايا رفضها وأدانها بايدن نفسه ونخبة حزبه الديمقراطي، وتعهدوا بتعديلها وبإعادة السياسة الخارجية الأميركية لطريقها الصحيح، وهو ما لم يحدث بعد، ولا تبدو أن هناك أي مؤشرات على حدوثه في القريب العاجل.

وبعد 18 شهرا على وصول بايدن للبيت الأبيض، تواجه السياسة الخارجية الأميركية عالما أكثر توترا لم تعرف له مثيلا منذ نهايات الحرب الباردة في نهاية ثمانينيات القرن الماضي. ولا يعرف أحد داخل واشنطن مصير الحرب الروسية على أوكرانيا. وعلى الرغم مما تقدمه واشنطن من مساعدات تخطت قيمتها 50 مليار دولار خلال 4 أشهر، فإنه لا يبدو أن هناك تأثيرا كبيرا للسلاح والعقوبات الأميركية على مصير الحرب أو تداعياتها في القارة الأوروبية وخارجها. وأصبحت أوروبا تواجه أزمة سياسية عسكرية غير مسبوقة، ولم يفلح تدعيم شراكة حلف الناتو في طمأنة النخب الأوروبية أو الأميركية بخصوص المخططات والنوايا الروسية داخل القارة الأوروبية.

كما يقف بايدن وفريقه للسياسة الخارجية عاجزان أمام حسابات الداخل وتوازنات الخارج فيما يتعلق بملف التفاوض حول البرنامج النووي مع إيران بعدما انسحبت واشنطن من الاتفاق على يد الرئيس ترامب عام 2018. وتدرك النخبة الأميركية جدية السعي الإيراني للوصول إلى امتلاك سلاح نووي بعدما رفض بايدن العودة للاتفاق النووي السابق فور وصوله للبيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2021 كما سبق أن تعهد بذلك.

ويتجنب بايدن وفريقه إثارة غضب بعض تيارات الحزب الديمقراطي الرافضة للاتفاق مع إيران، ناهيك عن رفض الجمهوريين وحلفاء واشنطن الشرق أوسطيين لأي تقدم في المباحثات.

وبعد 18 شهرا في البيت الأبيض، تستمر الصين في التصعيد المحسوب تجاه تايوان في ظل تكرار انتهاكاتها للمجال الجوي الخاص بالجزيرة التي لا تبعد سوى 90 ميلا من الأراضي الصينية. وعلى الرغم من التصعيد الصيني في بحر جنوب الصين، وتعدي بكين على مناطق تابعة لحلفاء واشنطن في الفلبين وماليزيا وإندونيسيا وفيتنام، فإن واشنطن لم تصعد أو تعمل بجدية على ردع الصين عن طريق التلويح بردود عسكرية أو التهديد بفرض عقوبات اقتصادية. وكذلك يتجاهل بايدن وفريقه مواجهة حقيقة دعم الصين للغزو الروسي لأوكرانيا.

وبعد 18 شهرا في البيت الأبيض، يظهر أن النظام الذي تسميه النخبة الأميركية "النظام العالمي الليبرالي" يبدو أقل ليبرالية وأكثر فوضوية في مختلف أرجاء العالم خاصة في دول أوروبا الغربية وفي الولايات المتحدة ذاتها. ويقل الاكتراث العالمي بمؤسسات دولية اعتمدت عليها واشنطن لعقود لتمرير رؤيتها المالية والاقتصادية والسياسية للعالم. وتواجه الهيمنة الأميركية على البنك الدولي وصندق النقد والأمم المتحدة تحديات غير مسبوقة من منافسي واشنطن مثل روسيا والصين، ومن بعض حلفائها مثل الهند والبرازيل والدول الأفريقية في عمومها.

واختار بايدن وفريقه التركيز على قضايا خارجية لها أبعاد داخلية واضحة مثل قضية تغير المناخ وحقوق المثليين جنسيا، وهي سياسات لا تزال تثير الكثير من الانقسام بصورة كبيرة داخل الولايات المتحدة وخارجها. ورغم ادعاء بايدن وفرقه أنه بصدد إعادة القيم والمبادئ الراسخة المتعلقة بحقوق الإنسان لتصبح ضمن أولويات السياسة الخارجية الأميركية، فإن زيارة بايدن ولقاءاته في مدينة جدة السعودية أظهرت فراغ هذه الادعاءات شكلا ومضمونا.

ومثل تأكيد بايدن لزعماء الشرق الأوسط أن بلاده لن "تبتعد وتترك فراغا تملؤه الصين أو روسيا أو إيران" إشارةً واضحة إلى أن محددات السياسة الأميركية تجاه المنطقة تعتمد على المصالح بالمقام الأول بما يصعب من أي منافسة دولية لها على النفوذ في المنطقة. إلا أن بايدن وفريقه يتجاهلان واقع تنافس الدول الكبرى من حلفاء وأعداء واشنطن على النفوذ في الشرق الأوسط، بل ميل الكثير من الحكام والشعوب العربية إلى النموذج الصيني والروسي في إدارة شؤونهم الداخلية.

ذهب بايدن إلى المنطقة في لحظة يواجه فيها العالم مخاطر اقتصادية وأمنية هائلة، ولم يحصل إلا على تعهدات نفطية لن تحل أزمة طاقة عالمية معقدة، ومع ذلك يحتفل بايدن وفريقه بنجاح زيارة قام بها رئيس مأزوم لمنطقة لا تزال غير مستقرة.

 

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 9