كتبَ راتب حريبات: السجن صمت الرجال

2022.07.20 - 05:15
Facebook Share
طباعة

 مما لاشك فيه أنه حينما يسمع بكلمة سجن يتبادر لك بأن من يقبع به ويعيش الظروف القاسية والقهرية والصعبة بكل أشكالها وألوانها فمهما كانت وردية وزاهية، بل إنه يعيش البعد والحرمان والقيد والتقييد الجسدي والنفسي، فالسجن بحد ذاته هو عقاب من أشد العقوبات التي تحل بالإنسان، بل أصعبها وأكثرها قسوة ترتكب بحقه لأن السجن يحمل بين ثناياه كل معاني القهر والظلم والإذلال والكبت الجسدي والنفسي والمعنوي وكل المقومات اللوجستية التي يحتاجها الإنسان في هذا المكان المحاصر والمحصن بشتى الوسائل والأساليب الأمنية والقهرية المعتمدة من أجل إخضاع البشرية. 

وإن هذه الممارسات متعددة الأشكال والتي تعد محطة للقهر والظلم والجور بل تتعدى ذلك إلى الموت البطيء "الموت بالتقسيط" وليس الموت الأبدي، ولا سيما مسلسل التعذيب والقهر والكبت الذي يسلب حرية الجسد وحرية الحركة الاعتيادية التي يحتاجها الإنسان، فهذا المسلسل متعدد الحلقات اليومية التي لها بداية ولا يوجد لها نهاية داخل السجن، فهي بداية الحرمان والبعد والقهر والكبت المستمرة دون انقطاع 

في السجن رغم القسوة والشدة التي لا يتحملها البشر نظريا والمتمثلة بالبعد الحقيقي عن دوائر الحياة الاجتماعية بكل جوانبها الوطنية والأسرية سواء من البداية الأسرة الصغيرة من العائلة الأم الحضن الدافئ والأب بصدره الرؤوم والإخوة والأخوات والأصدقاء الأقربون الذين يمثلون الدرع الواقي للبشرية وحمايتها من الضياع والدوائر الأخرى التي يحتاجها الأسرى خارج هذه الأسوار، وكذلك العادات والتقاليد والأعراف والقوانين التى يعيشها في الخارج الخاص به والإنسان منذ الصغر يعيش في كنف اجتماعي وعائلي يعتاده على مدار سنيْ العمر مهما كانت تساعده على النمو ضمن مقومات اجتماعية إنسانية كريمة تحافظ على التوازن العقلي والنفسي والجسماني. 

فالسجن هو مجرد من كل معاني الإنسانية والأخلاقية والقيمة التي تسلب من الإنسان أجمل لحظات العمر وتسرق مراحل الشباب من تعلم وتأهيل للحياة القادمة والمستقبلية التي يرنو لها وعلم بها كل شاب بهذا العمر، فالسجن سارق لأحلام الرجال، السجن صمت وقهر وألم، هذا بأقل تعبير لهذه الكلمة (السجن) والتي تفهمها من حروفها الثلاثة: سين سلب الحرية، جيم جشع للإنسانية، ونون: نار تحرق الأعمار.

هذا هو الصمت الذي لا يعرفه إلا الرجال الذين يقبعون داخل باستيلات العدو، السجن عندنا لا يشبه أي شيء أو أي عقاب، فأنت سجين في أرضك ووطنك وبلدك ومن قبل عدوك وسجانك الذي سرق وجلب ونهب الأرض والعرض وللشجر والحجر.

فالصمت لم يكن جبنًا أو خوفًا، بل قهر وكبت من سجانه الذي لا يعرف معنى للإنسانية وقيمة الإنسان بل يعرف كيف يسرق الأعمار وينتهك العرض ويغتصب الأرض عنوة، فالسجن سارق للأعمار وجارف للدماء وناسف للإنسانية محاط بالأسوار العالية والجدران الأسمنتية والأسلاك الشائكة والكلاب البوليسية والأبواب الحديدية الصدئة المحملة بالأقفال والسلاسل التي تسمع طقطقتها كل لحظة يمر بها السجان لمراقبة الأسرى داخل الغرف والكاميرات المزروعة في كل زوايا السجن تراقب خصوصيات الأسرى وأدنى تحركاتهم وكل ما يتعلق بتحركات الأسرى. 

كل هذه الأشكال التي تبث في نفسية الأسير عوامل الإحباط والكبت والتقييد، والعيش الدائم تحت المراقبة الذي يؤثر في نفسية الأسير بشكل سلبي، وتحديدا من يعيش تحتها وظلها. 

إن هذه العوامل التي يسعى السجان لبثها في نفسية الأسير داخل هذه البقعة الجغرافية الصغيرة والمحدودة ليكون عنصر الإحباط وااإنكسار للعزيمة والهمة للمعنويات التي يمتلكها الأسير، فهذه الأساليب والأشكال القمعية التي يبتكرها السجان ضد الأسرى من أجل كسر هممهم وشوكتهم، وهذا فقط بالمظهر الخارجي للسجن فضلا عن الممارسات الفيزيائية الأخرى.

فالسجن كلمة تعني: قهر ظلم وبُعد وحرمان وألم وفراق وكبت وقيد وتقييد وحصار ومعاناة.

 

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 10