كتب علي العبدالله: بايدن وسلّته الفارغة

2022.07.20 - 01:12
Facebook Share
طباعة

لم ينجح الرئيس الأميركي، جوزيف بايدن، في تقديم موقف واضح وحاسم عن أهدافه، والسياسة التي سيتّبعها في التعاطي مع ملفاتٍ تهم دول الإقليم، بحيث يقنع مضيفيه ويفتح الطريق لتفاهمات مرحلية ودائمة معهم. فقد شهدت جولته الشرق أوسطية، التي استمرّت أربعة أيام، بمحطاتها الثلاث، القدس وبيت لحم وجدة، طرح مواقف وتصورات توافقية عامة وأخرى خلافية تتعارض مع ما أعلن خلال التحضير للجولة العتيدة، جاعلة التوافق المعلن غير ذي شأن؛ لم تجد معها محاولاته تقديم هدايا سياسية وعسكرية ومالية هنا وهناك.

لم يدّخر الرئيس الأميركي جهدا في مواقفه وإعلاناته المتتالية خلال لقاءاته مع قادة الكيان الصهيوني، من الإعلان عن صهيونيته إلى تعهداته الالتزام بأمن الكيان والمحافظة على تفوقه النوعي على دول الإقليم، وعمله على دمج الكيان في الإقليم عبر دعم التطبيع وتشجيعه وتوسيع اتفاقات إبراهيم، والتوسّط بين الكيان والسعودية للاتفاق حول الوضع الأمني لجزيرتي تيران وصنافير عند مدخل خليج إيلات بعد عودتهما إلى سيادة الأخيرة، مرورا بدعم صناعاته العسكرية تقنيا وماليا، بـ38 مليار دولار، لتطوير منظومة الدفاع الجوي الليزرية، وترويج أسلحته في أسواق الإقليم. وقد توج مواقفه بتوقيعه مع رئيس وزراء الكيان، يئير لبيد، إعلانا تحت عنوان "إعلان القدس"، تعبيرا عن التزامه باعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة للكيان، وتجاهله ما يحصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من تسارع وتيرة الاستيطان والاستيلاء على البيوت والأراضي في القدس وهدم البيوت في الضفة الغربية وترحيل سكان قرى فلسطينية بذرائع أمنية وعسكرية، إلى الاعتداءات المتصاعدة على المسجد الأقصى تنفيذا لخطة تدميره وإقامة الهيكل الثالث مكانه، وإعلانه عن كسره المحظور بالسفر من الكيان إلى جدة مباشرة. وقد أرادت المملكة رفع الحرج الذي سيشكله ذلك ففتحت أجواءها للطائرات المدنية لكل الدول، لكنها لم تُحسن إخراج الموقف عبر تبريره بتنفيذ اتفاقية شيكاغو للطيران المدني التي مضى على صدورها عام 1944 قرابة القرن، عله يسترضي الكيان ويحتوي رفضه العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، "خطة العمل الشاملة المشتركة"، وضبط تحرّكه ضد البرنامج وتأجيل التحرّك الميداني ضده إلى ما بعد معرفة نتيجة المفاوضات، فالتباين بين الطرفين بشأن هذا الملف كبير وجذري، بين تقييد البرنامج، بالنسبة للإدارة الأميركية، ووقف البرنامج، بالنسبة للكيان.


تجاهل بايدن ما يحصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من تسارع وتيرة الاستيطان والاستيلاء على البيوت والأراضي في القدس وهدم البيوت...

في بيت لحم، حيث ما زالت جريمة العصر ماثلة؛ ليس في الاغتصاب الصهيوني لفلسطين فقط، بل وفي إنكار حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة على جزء من فلسطين التاريخية تجسّد هويته الوطنية، وتمنح أبناءه فرصة الأمن والاستقرار والازدهار، لم يلمس الرئيس الأميركي، في لقائه السريع مع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عبّاس (استغرق نصف ساعة) جوهر الملف، ولا الممارسات الوحشية التي يواجهها الفلسطينيون في حياتهم اليومية. اكتفى بكلام تلغرافي عن إيمانه بحل الدولتين وصعوبة تحقيقه في الوقت الراهن، ووعد بمساعدات مالية لمشافي القدس الشرقية ووكالة أونروا، ولفتة رمزية بإزالة العلم الإسرائيلي المرفوع على سيارته عند توجهه إلى القدس الشرقية، ما يعني أن وضع القدس الشرقية ليس محسوما. اتضح من خلال عدم صدور بيان مشترك وفحوى بياني كل من الرئيس الأميركي ورئيس السلطة اتّساع الشقة بين موقفيهما، وعدم وجود مشتركات أو حتى تقاطعات في الرؤية، فزيارة بيت لحم والاجتماع برئيس السلطة الفلسطينية محاولة للإيحاء بموقف أميركي متوازن بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتقديم مبرّرات للدول العربية عامة، والسعودية خصوصا، للانخراط في التطبيع مع الكيان الصهيوني تحت شعار إيجاد مناخ موات للتوصل إلى اتفاق إسرائيلي فلسطيني، خدمة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

في المحطة الثالثة، جدة، يمكن ملاحظة الإحراج الذي اكتنف لقاء الرئيس الأميركي بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بدءا من المصافحة بقبضاتٍ مغلقة إلى تبادل الانتقادات عبر حديث الرئيس الأميركي عن قتل الصحافي السعودي، جمال الخاشقجي، وتحميله ولي العهد المسؤولية، ورد الأخير بتذكير الرئيس بما فعلته الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، وتصرّفها غير المنطقي بمحاولتها فرض قيم أميركية على شعوب أخرى. إلى البيان المشترك، الطويل والتفصيلي، شمل الشراكة الاستراتيجية وأمن الطاقة والمناخ والشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار والأمن والدفاع والتعاون في مجال الاتصالات والأمن السيبراني واستكشاف الفضاء ورؤية 2030 واليمن والعراق والقضية الفلسطينية وسورية ولبنان وليبيا والسودان وأفغانستان وأوكرانيا ومكافحة الإرهاب، الذي يؤكد حصول اتفاق ولملمة الخلافات السابقة؛ من دون أن يعني ذلك تطبيق بنود الاتفاق بسلاسة ومن دون عقبات أو عراقيل، حيث بقي الخلاف بين وجهتي نظر الطرفين حول سبل التعاطي مع إيران، بين وجهة نظر الإدارة الأميركية، التي تكتفي بردع إيران، ووجهة نظر القيادة السعودية، التي تريد كسر إيران وإجهاض تطورها التقني والعسكري، قائما ومستمرّا، وبقاء موقف السعودية من اتفاق أوبك + حول إنتاج النفط وحصص المنتجين مع روسيا والتصنيع العسكري مع الصين من دون تغيير يذكر، وربط المملكة موقفها من التطبيع العلني مع الكيان الصهيوني بتقدّم الحل على المسار الفلسطيني.

لم يحصل بايدن على التزامات محددة بالسير في تصوره برفع إنتاج النفط والتراجع عن علاقات التعاون الخليجية مع روسيا والصين

كشف الاتفاق السريع وطي صفحة الخلافات على معظم الملفات العالقة بين الطرفين عن رغبة سعودية في الاتفاق، وتطلع نحو وجود غطاء سياسي وعسكري أميركي، من الاعتراف بالأمير محمد بن سلمان وريثاً شرعياً للمملكة إلى بيع المملكة أسلحة متطوّرة إلى تبنٍّ واضحٍ وحاسمٍ للدفاع عن أمنها وحمايتها من كل عدوان، فذلك يعزّز أمن المملكة ويدعم دورها ووزنها في المعادلات الإقليمية، في ضوء رغبة ولي العهد والحاكم الفعلي بلعب دور قيادي في الإقليم وصياغة تحالفاته وتوازناته.

أما قمّة جدّة التي جمعت الرئيس الأميركي مع قياديي دول مجلس التعاون الخليجي الستة ومصر والعراق والأردن، فشهدت مستوى آخر من الاختلافات حول مشروع إقامة هيكل عسكري إقليمي لمواجهة إيران والحدّ من تغوّلها على دول الإقليم الذي عملت الإدارة الأميركية على ترويجه وتمريره على شكل خطوات وتفاهمات مرحلية، ففي حين سرّب الإعلام الصهيوني أنباء عن لقاءات واتفاقات مع دول عربية على التعاون الأمني والعسكري، فقد أطلقت جهات رسمية وإعلامية عربية، بدءا بالأردن والإمارات ومصر والعراق، مرورا بالمملكة ذاتها، مواقف مخالفة للتوجه الأميركي الصهيوني، فالأردن مسكون بهواجس ومخاوف عن وصايته على الأماكن المقدسة في القدس الشريف، وعن الوطن البديل الذي يتبناه تيار رئيس في الكيان، والذي يقضي بطرد الفلسطينيين إلى شرق نهر الأردن. والإمارات تخاف تحوّل أرضها ساحة للحرب وبناها التحتية ومشروعاتها الضخمة للدمار. وموقف مصر مرتبط بعوامل جيوسياسية واستراتيجية، أولها الحساسية المصرية من موقع التابع لرؤية غير مصرية، على خلفية قيادتها الإقليم في مراحل سابقة، وثانيها نفور القيادة المصرية من النظرة الاستعلائية التي تنظر بها دول الخليج إليها، وثالثها حاجة مصر لبقاء إسرائيل تحت ضغوط أمنية وعسكرية، كي تبقى بحاجة إلى الدور المصري، وتمنحها فرصا وامتيازات في العلاقات الثنائية، وتدافع عن سياساتها الداخلية، وعدم احترامها حقوق الإنسان لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ورابعها حاجة مصر لبقاء دول الخليج تحت ضغوط أمنية وعسكرية إيرانية، كي تبقى في حاجةٍ إلى دعم مصري وتقديمها دعما ماليا لها، وتنازلات في ملفات ثنائية معها.

جاء بايدن إلى الإقليم مدفوعاً باعتبارات جيوسياسية واستراتيجية، لاستعادة الحضور الأميركي فيه وتجديد العهود والاتفاقات مع دوله

استثمرت السلطة المصرية، والأرجح أنها دفعت وشجّعت، تنفيذ نشاطات شعبية وحزبية معارضة للمشاركة في مثل هذا التحالف، ووظفتها في رفضها المشاركة. العراق يعاني من وطأة الهيمنة الإيرانية وأذرعها المحلية المتجسّدة بالفصائل الولائية، ما يجعله غير قادر على تبني مشروعٍ كهذا، لما فيه من استفزاز لإيران وأذرعها. المملكة التي يتطابق موقفها من البرنامج النووي الإيراني مع الموقف الصهيوني لا تستطيع العمل العلني والمباشر مع الكيان، لاعتبارات سياسية، رؤيتها إلى ذاتها زعيمة للعالمين، السني والعربي، ما لم تحصل على مبرّرات في الملف الفلسطيني؛ ولا تريد الانخراط في صراع مفتوح مع إيران لا تطيقه بنيتها الاجتماعية وخبراتها العسكرية، صراع سيضعها في موقفٍ حرج ويحوّلها إلى محمية وتابع بالضرورة. .. ولذا جاء البيان الختامي لقمة جدّة للأمن والتنمية عاما وخاليا من التزامات محدّدة في مجالي التطبيع وإنشاء محور أمني إقليمي يشمل الكيان الصهيوني.

جاء بايدن إلى الإقليم مدفوعا باعتبارات جيوسياسية واستراتيجية، لاستعادة الحضور الأميركي فيه وتجديد العهود والاتفاقات مع دوله بعد ما كشف الغزو الروسي لأوكرانيا وتعزيز التحالف الروسي الصيني الإيراني، وتمدّده إلى مناطق نفوذ أميركية تقليدية في الخليج عن قدرة الخصوم على احتواء خطط بلاده وتدميرها، كُشف عن بند في الاتفاق الاستراتيجي الصيني الإيراني يقضي بالسماح بوجود عشرة آلاف جندي صيني على الأرض الإيرانية، عن أهميته الشديدة لاستراتيجية بلاده المعروفة بـ "التنافس بين القوى العظمى"، لكنه عاد بسلةٍ فارغة، لانعدام الثقة العميق بالولايات المتحدة في هذه الدول، وقد زاد انعدام الثقة رسوخا تبنّيه المعلن هدفين متعارضين: الحرص على الاتفاق مع إيران على برنامجها النووي والتعبئة ضدها، ومع تقديمه تعهدات بالبقاء في الإقليم والدفاع عن أمن دوله والالتزام بعلاقات استراتيجية راسخة ودائمة معها إلا أنها تعهدات لفظية بحاجة إلى تأكيد عملي. لذا لم يحصل على التزامات محددة بالسير في تصوره برفع إنتاج النفط والتراجع عن علاقات التعاون الخليجية مع روسيا والصين، ومشاركة الكيان الصهيوني في التصدّي لإيران.

المقال لا يعبر عن رأي الوكالة وانما عن رأي كاتبه فقط

المصدر: العربي الجديد 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 9