كتبَ ناجح ابراهيم: قتل نيرة.. رؤية إستراتيجية

2022.06.27 - 09:09
Facebook Share
طباعة

 جريمة جامعة المنصورة الشهيرة والتي ذبح فيها طالب الآداب زميلته علنا وفي الشارع في وضح النهار مع كثرة حالات القتل والبلطجة والانتحار تعني الكثير الذي يمكننا بسطه في هذه النقاط:

الشخصية المصرية حدثت لها تحولات خطيرة وأصبح العنف كامنًا فيها بطريقة ملحوظة، وهناك حالة توتر نفسي واجتماعي واقتصادي مع حالة كآبة وإحباط واضحة لدى الكثيرين.

المخدرات وتجارها عادوا لسطوتهم ونشاطهم في الشارع المصري وأقابل الكثيرين الذين يقولون إن حالات الإدمان في زيادة ومشاكل المخدرات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية في تصاعد مطرد.

وقد كانت المخدرات في مصر قديمًا محصورة في الحشيش والأفيون، ومنذ فترة بدأت المخدرات التخليقية المدمرة للمخ والتي تدعو مدمنيها لارتكاب جرائم بشعة، وهناك تصريحات قوية تقول إن طالب آداب المنصورة القاتل مدمن ستروكس وكان تحت تأثير المخدر وقت الجريمة.

والغريب أن الدولة المصرية استطاعت السيطرة وبسهولة وفي وقت قياسي على جماعات مسلحة خطيرة، فهل تعجز عن القضاء مرة واحدة على المخدرات وتجارها، هذا لغز كبير محير.

انتشار البطالة غير المسبوقة في المجتمع المصري مع غلاء الأسعار أدى وسيؤدي إلي كوارث اجتماعية منظورة للعامة وأخرى يراها الآن العلماء والخبراء والمختصون لا تخطؤها العين الفاحصة، وخاصة بعد البطالة شبه الكاملة في قطاعات معينة مثل المقاولات وزاد الطين بلة أزمة كورونا الاقتصادية والتي تلتها حرب روسيا وأوكرانيا وما تبع هذه الحرب من تداعيات اقتصادية أدت إلى نتائج اجتماعية سلبية علي الأسرة المصرية.

وصول الشعب المصري إلي المعدلات العالمية لنسب الاكتئاب بدرجاته والاضطرابات العصبية والنفسية والتي تصل في بعض الأحيان إلى 25% حسب بيانات الصحة المصرية، مع الضعف الشديد في المنظومة الإدارية للعلاج النفسي الحكومي في مصر، أما الخاص فباهظ الثمن ويلحق بها علاج الإدمان.

الأمراض النفسية زحفت من المدن الكبرى إلى القرى لأن القرى المصرية الآن فقدت هويتها واستقرارها الاجتماعي واكتفاءها الذاتي وسلامها الاجتماعي بدرجة كبيرة، ولم نعد نجد ذلك المصري الهادئ الوديع المطمئن لغده ومستقبله، كما انتشرت فيها البطالة والمخدرات مع الإحباط نتيجة الضعف الاقتصادي الخطير في الأسر القروية.

الأسر المصرية خرجت من المنظومة التربوية المصرية لانشغال الأب وأحيانًا الأم في عمل مرهق أو عملين يعود بعدها إلي البيت منهكًا مرهقًا محبطًا، وقد لا يجد فرصته للجلوس مع أولاده، ومعظم الآباء لا يعرفون عن أبنائهم شيئًا، ومعظم الأولاد يقضون مع أصدقائهم وموبايلاتهم أضعاف ما يقضون  مع والديهم.

المدارس الحكومية والخاصة خرجت تمامًا من منظومة التربية والتوجيه والأخلاق بل معظم المدارس الحكومية لا يحضرها أحد بداية من أولى إعدادي وحتى ثالثة ثانوي، وإذا حضر ففائدته العلمية والتربوية بسيطة جدًا أما معظم المدارس الفنية فهي مفرخة لسائقي التوك توك ومشاريع للفوضى.

الجامعات كذلك خرجت من منظومة التوجيه الأخلاقي والقيمي والتربوي، ولم تزرع في الطالب أي معنى إيجابي من هذه المعاني، حتى الشهادة الجامعية فقدت جزءًا كبيرًا من معظم قيمتها الحقيقية مع تدهور قيمة العلم، زوال القيمة العملية لمعظم الشهادات الجامعية.

المساجد شبه خالية من الشباب، وليس هناك أي نشاط تربوي أو تغيير إيجابي للإنسان وخاصة الشباب في المساجد، ولنا في درس الإمام في العصر مقياسًا لذلك، حيث لا يحضره إلا الفراش والمؤذن.

الأوقاف استلمت المساجد وأصبحت خالصة لها لا ينازعها فيها أحد فأضاعت الفرصة التاريخية التي أتيحت لها؛ حيث انفردت تمامًا بشئون الدعوة والتوجيه الديني، فلم تقدم من خلالها شيئًا للمجتمع وأصبحت خاوية علي عروشها.

قولوا لنا مكانًا يمكن أن يعلم الطفل أو الشاب التدين الوسطي الذي يبشر ولا ينفر، يعفو ولا ينتقم، يجمع ولا يفرق، يحب ولا يكره، يتواضع ولا يتكبر، يعظم حرمة الدماء والأموال والأبضاع، يعرف قيمة الكلمة، يوقر الكبير ويعطف على الصغير.. إلخ، محاضن التربية والتدين الحقيقي غائبة تمامًا وهذا نذير شؤم فالتدين الحقيقي هو صمام الأمان للمجتمع.

 

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط


 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 10