كتبَ سليمان صالح: كيف تدير أميركا صراع الحضارات باستخدام السينما؟

2022.06.21 - 06:47
Facebook Share
طباعة

 كيف تحقق هوليود أهداف السياسة الخارجية الأميركية؟ وكيف يمكن أن نكتشف ذلك بتحليل أفلامها السياسة الأميركية نحو العالم الإسلامي؟

الأفلام التي أنتجتها هوليود لتصور بها العرب والمسلمين من المهم جدًا أن تُقرأ على ضوء أهداف أميركا في فرض سيطرتها السياسية والاقتصادية على الدول الإسلامية.

كما أن التحليل النقدي المتعمق للأفلام الأميركية يوضح أنها تقوم بتغذية مشاعر الشعب الأميركي المعادية للإسلام والدول الإسلامية، لكي تكسب التأييد الشعبي لقرارات صناع السياسة الخارجية الأميركيين بشن العدوان على دول إسلامية، وفرض السيطرة على هذه الدول، وإعادة المنطق الاستعماري التقليدي القائم على احتلال الأراضي، وإدارة الحكم في هذه الدول بواسطة التابعين لها الذين يفرضون على شعوبهم القبول باستغلال أميركا لثرواتها.

فيلم "المملكة" نموذجا

هذه المقاربة يمكن أن تسهم في زيادة فهمنا لكثير من الأفلام مثل فيلم "قواعد الاشتباك" عام 2000، وفيلم "المملكة" عام 2007. وقام الباحث عبيدة منشاوي فوال بتحليل هذين الفيلمين -في رسالته لنيل درجة الماجستير من جامعة كونكورديا، كندا 2013- وأوضح كيف تقوم هوليود بتصنيع صورة نمطية عن الإسلام والمسلمين، وأن هذه الصورة تدخل في إطار السياسة والأجندة الأميركية، وأن الحكومة الأميركية استخدمت هذه الأفلام -التي قامت بعرضها على شاشات القنوات التلفزيونية الأميركية- لتصوير الإسلام على أنه يشكل خطرا على أميركا، ودفع الأميركيين لتأييد العدوان على أفغانستان والعراق.

ويشكل فيلم "المملكة" نموذجا مهما لاستخدام أميركا للسينما في تحقيق أهدافها السياسية، إذ يستند إلى حادثة حقيقية بالفعل تمت في مجمع سكني في الرياض بالمملكة العربية السعودية، وتمثلت تلك الحادثة في انفجار سيارة أدى إلى مقتل عدد من الأشخاص، وكان بينهم مواطنون أميركيون.

نشر الخوف بين الأميركيين

تم استخدام الفيلم لإشاعة مناخ الخوف من المسلمين في الولايات المتحدة، وتكريس الصور النمطية للمسلمين التي أنتجها الخطاب الاستشراقي.

كما يقوم الفيلم بتبرير الأعمال التي تقوم بها أجهزة المخابرات الأميركية، وتمجيد عناصر هذه الأجهزة، فعقب الاعتداء على المجمع السكني في الرياض يقوم فريق مكون من 4 عملاء من مكتب التحقيقات الفدرالي "إف بي آي" (FBI) بالسفر إلى الرياض لبحث الحادث والاستقصاء والتحقيق لتعقب المجرمين، ولتحقيق العدالة للمواطنين الأميركيين الذين تم قتلهم في الحادث.

لكن السلطات السعودية تعرقل عمل الفريق؛ إذ حددت مدة إقامته بـ5 أيام فقط، وحددت مجال حركته، بحجة المحافظة على أمنه.

انتصار الأميركيين الطيبين

مع ذلك، يتمكن رونالد فليوري وفريقه من القيام بمهمة خطرة بمساعدة ضابط سعودي يتحدث الإنجليزية اسمه الغازي، ويبدو متغربا إلى حد كبير، إذ يقوم بالوساطة بين الفريق والسلطات السعودية لتسهيل عمل الفريق، وعدم التقيد بالتقاليد الدينية.

لكن تتمكن جماعة إرهابية من خطف أحد أعضاء الفريق (ليفيت)، وتتطور القصة، فيقوم الفريق بتعقب الخاطفين، لمحاولة إنقاذ ليفيت، ويتم تبادل إطلاق نار ينتصر فيه الفريق الأميركي (الرجال الطيبون) على الأشرار الإرهابيين، ويتمكن من الكشف عن العقل المدبر للاعتداء على المجمع السكني، وهو رجل مسن اسمه أبو حمزة، وحفيده الشاب الذي يسير على خطا جده، والذي يموت في النهاية، ولكن بعد أن يقتل الضابط السعودي (الغازي) الذي يساعد الفريق.

عداء دائم مع الغرب

هناك الكثير من الدلالات الواضحة في هذا الفيلم، حيث يتم تصوير المملكة العربية السعودية على أنها دولة بدائية، وهي الدولة التي تشكل رمزا للإسلام والمسلمين في مقابل الغرب المتقدم الحديث.

ويستخدم المخرج صوت الراوي لاستعراض تاريخ المملكة؛ إذ يقول "إنها تشكلت بمساعدة المحاربين الإسلاميين الوهابيين الذين يعادون الغرب، والذين يريدون العودة إلى الإسلام الصحيح". وهذه الفقرة التي يقوم الراوي بعرضها تهدف إلى تصوير الإسلام الصحيح بأنه أصولي، وفي حالة عداء دائم مع الغرب. ويكون صوت الراوي مصحوبا بصورة للصحراء الواسعة المفتوحة التي تعيش فيها الجمال والرجال الذين يركبون الخيول ويقاتلون بالسيوف.

ويأتي صوت الراوي مرة أخرى ليشرح كيف تم اكتشاف النفط في المملكة بالصدفة خلال عملية البحث عن الماء. ومنذ ذلك التاريخ -كما يقول الراوي- يريد السعوديون أن يظل الأميركيون في أرضهم للحفاظ على أمنهم.

ترامب يستخدم المصطلحات نفسها!

ثم يستمر صوت الراوي في وصف الأغنياء السعوديين الذين ينفقون الأموال؛ لأنهم لا يعرفون قيمتها، لذلك يحتاجون إلى الأميركيين لضمان أمنهم، ولمساعدتهم في استخراج نفطهم. ويأتي صوت امرأة أميركية تقول إن القوانين الإسلامية يتم تطبيقها خارج مقرات القوات الأميركية والمجمعات السكنية الأميركية، ولا يتم تطبيقها داخلها وأن هناك اختلافا في الثقافة بين الأميركيين والسعوديين.

يلاحظ أن ترامب استخدم في خطابه المفاهيم والمصطلحات التي رددها هذا الفيلم، مثل دور أميركا في الحفاظ على أمن المملكة، وأن السعوديين هم الذين يريدون الوجود الأميركي في بلادهم، كما يلاحظ الربط بين السمات التي تم استخدامها منذ الحرب العالمية الثانية حول الأثرياء العرب -الذين لا يفهمون قيمة المال- والسمات الجديدة مثل الإرهاب.

الاستكبار الغربي

كما يلاحظ أن الفيلم يغذي عقدة الاستعلاء والتفوق الغربي، فالعرب لا يتمتعون بالكفاءة مثل الأميركيين، وهناك اختلاف كبير بين الثقافة المسيحية الغربية الحديثة والتقاليد الإسلامية المتخلفة القديمة؛ ففي المجمع السكني الأميركي يلعب الأميركيون مع أطفالهم وزوجاتهم، ويمارسون الرياضة وهم سعداء، ثم تنتقل الكاميرا إلى واشنطن حيث يقوم فليوري بالسؤال عن ابنه في مدرسته، والإعداد لعيد ميلاد ابنه. وبذلك يعرض الفيلم البيئة السلمية المناسبة للحياة في أميركا، والتي لا يهددها سوى الإرهاب الذي يستخدم العمليات الانتحارية والإرهابي الذي يصرخ "الله أكبر" ويقتل الأبرياء.

بذلك، يقدم الفيلم الإسلام باعتباره العدو للحياة السلمية الآمنة المتقدمة في أميركا، وأنه العدو للحضارة الغربية الحديثة.

الشر والبؤس

كما يصور الفيلم المسلمين بوصفهم إرهابيين أشرارا يعيشون في حالة بؤس؛ لذلك فإنهم لا يستحقون أي تعاطف معهم، في حين يصور الأميركيين بوصفهم الضحايا الأبرياء الذين يفقدون حياتهم بسبب ثقتهم في المسلم الشرير الماكر الذي لا يهتم ببكاء الأطفال.

ويحاول الفيلم أن يثير مشاعر الشعب الأميركي بتصوير جثث الأميركيين ملقاة على الأرض، بينما يقوم رجل سعودي بإجبار ابنه على رؤية جثث الأميركيين القتلى.

المقارنة الواجبة

تفرض السينما الأميركية على المشاهد دائما أن يقارن -كما في فيلم المملكة- بين الأميركي الذي يتم تصويره أبا نموذجيا يحب ابنه ويحتضنه، ويتحدث معه بهدوء، ويحميه من رؤية الأخبار السيئة، والعربي المسلم الذي يتم تصويره بالقسوة، وبأنه لا يهتم بالحياة الإنسانية.

كما تعقد السينما الأميركية المقارنات بين الأماكن والأشخاص، لدفع المشاهدين للتعاطف مع الأميركي الطيب الذي يعيش حياة متقدمة، في مقابل العربي المسلم القاسي الذي يعيش في بيئة صحراوية، ولا يتمتع بالكفاءة، ويريد من الأميركي أن يحميه، وفي الوقت نفسه يرتكب هذا العربي المسلم أعمالا إرهابية انتحارية يتم فيها قتل الأميركيين الأبرياء.

إجبار المشاهدين على كراهية المسلمين

من خلال ذلك، يتم تصوير التناقض والتفرقة بين المسلم العربي المتخلف والأميركي الإنسان الطيب المتقدم، وبالطبع يجب أن يؤيد المشاهد أميركا مهما ارتكبت من مذابح ضد المسلمين. كما تقوم هوليود بتبسيط الصور المتناقضة، وتجبر المشاهدين على كراهية المسلم والخوف منه، فهو دائما الشخص السيئ.

وهذا يشكل امتدادا للتراث الاستعماري والأيديولوجيا الغربية القائمة على التقسيم والتمييز بين الغرب المسيحي الطيب المتقدم، والشرق الإسلامي السيئ.

عنف مبرر ورشيد

إن الإرهاب الذي يرتكبه المسلمون في أفلام هوليود يتم تفسيره بأنه نتيجة لراديكالية دينية غير رشيدة، وفي الوقت نفسه تصور هوليود العنف الذي يرتكبه الأميركيون ضد المسلمين بأنه مبرر ورشيد، فهدفه القبض على المجرمين، وأن الأميركيين يعملون لتحقيق العدالة وحفظ الأمن.

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط


 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 5