كتب سمير حمدي: اتحاد الشغل التونسي والحوار الوطني

2022.05.25 - 08:20
Facebook Share
طباعة

 لم تكن فكرة إجراء حوار وطني في تونس أمراً جديداً أو طارئاً، فقد شهدت البلاد حواراً شاملاً سنة 2013، ضمّ جميع القوى الحزبية والمنظمات المهنية والجمعيات المدنية، وأفضى إلى الاتفاق على تجاوز الفترة الانتقالية السابقة على إقرار دستور 2014، وتنظيم انتخاباتٍ برلمانيةٍ ورئاسيةٍ في العام نفسه، وكان نجاح الحوار سبباً في حصول المنظمات الراعية له على جائزة نوبل للسلام، بوصفها تقديراً دولياً لنجاح التونسيين في تجاوز الأزمة السياسية ومواصلة مسارهم الديمقراطي.

غير أنّ الحوار الوطني الذي يزمع رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، على إعلان انطلاقه يختلف، هذه المرّة، كلياً عما جرى سابقاً، بل ويحمل اسماً مغايراً هو "الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة" تتولى هذه الهيئة "تقديم اقتراح يتعلق بإعداد مشروع دستور لجمهورية جديدة، ويقدّم هذا المشروع إلى رئيس الجمهورية". وكما يشير اسمها فإنّ دور الهيئة استشاري، وليس لها أدنى قدرة على اتخاذ القرارات، فضلاً عن إنفاذها، والأهم من هذا أنّ تركيبة الهيئة والمشاركين فيها جرى تحديدهم مسبقاً، بل وُضع إطار لما ينبغي تداوله ضمن الهيئة، انتهاءً بالقرارات التي هم ملزمون بتبنّيها قبل أن تبدأ اللجان أعمالها.

نظرياً، تضم الهيئة الاستشارية التي أعلنها قيس سعيّد ثلاث لجان "اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية" و"اللجنة الاستشارية القانونية" و"لجنة الحوار الوطني". وقد وُضع مسبقاً الهدف من وجودها، وهو وضع أسس قانونية لـ"جمهورية جديدة".

وبالنظر إلى طبيعة المشاركين في الهيئة الاستشارية، وباعتبارهم يخضعون للتعيين المباشر من رئيس الجمهورية، وبعد إعلان الاتحاد العام التونسي للشغل رفضه المشاركة في أعمالها، تكون الهيئة فاقدةً أهم شروط الحوار فيها، ونعني به التمثيلية الواسعة لكل أطياف المجتمع ومراعاة التنوع السياسي والاختلاف الأيديولوجي، وهذه شروطٌ أساسيةٌ لإيجاد صيغ تشاركية، يمكن أن يتأسس عليها أي نظام سياسي جديد مفترض.

لم يكن الأمر مفاجئاً أن تكون بنية الهيئة الاستشارية على هذا النحو، فرئيس الجمهورية لا يخفي رفضه الأحزاب والقوى السياسية، بما فيها الأحزاب التي تحاول أن تظهر بصورة القوى المؤيدة لخياراته، فهو يمضي نحو تركيز البناء السياسي الجديد، كما يتصوّره، ومن الواضح أنه يستثني الأحزاب والنموذج السياسي المعتاد القائم على التعدّدية، وصولاً إلى "جمهورية جديدة" غير واضحة الملامح. وفي المقابل، كان حريصاً على وجود من يمثّل المنظمات الوطنية وأساساً اتحاد الشغل.

جاء بيان الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل قاطعاً في رفضه المشاركة، وكانت مبرّراته معلنة، وجوهرها أنّ الحوار "شكلي تحدّد فيه الأدوار من جانب واحد، وتقصى فيه القوى المدنية"، فضلاً عن كونه "استشارياً ولا يفضي إلى نتائج". وبالنظر إلى أهمية المنظمة، على الأقل ضمن الخطة التي وضعها رئيس الجمهورية لإنجاح استشارته، فإنّ رفض الاتحاد يحمل رسالة سلبية بشأن ما يمكن أن يصدر عن هذه الهيئة الاستشارية، وربما يطعن في قيمتها أمام الرأي العام.

لقد وجدت المركزية النقابية نفسها في مأزقٍ حقيقي، فهي لم تخف تأييدها لقرارات 25 جويلية (يوليو/ تموز 2021)، والتي بمقتضاها جمّد رئيس الجمهورية عمل البرلمان، وتخلّى عن الالتزام بدستور 2014، ليحكم من خلال المراسيم، خصوصاً جملة القرارات الصادرة بالمرسوم عدد 117 الصادر في 22 سبتمبر/ أيلول 2021، غير أنّ هذا التأييد كان مشروطاً بمعنى أنّ اتحاد الشغل لم يكن موافقاً على السير مع الخط السياسي الجديد إلى منتهاه، كانت هناك عوامل أساسية تحكم طريقة تعاطي اتحاد الشغل مع الشأن السياسي، فهو من القوى التي تضغط وتطالب، لكنّها لا تتحمّل مسؤولية السياسات الحكومية الرسمية، رغم كونه ظل قريباً من الحكومات المتعاقبة، وكان له الرأي القاطع في خصوص خيارات اجتماعية كثيرة متعلقة بالطبقة العاملة وبالقطاع العام. ومع مجيء حكومة نجلاء بودن، وشروعها في التمهيد للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وضع هذا الأخير قائمة من الاشتراطات مقابل حزمة من المساعدات، وفي مقدمة هذه الشروط إيقاف انتداب الموظفين العموميين، وخصخصة شركات قطاع العام، ورفع الدعم عن أسعار المواد الأساسية، وكلّ هذه المطالب هي في الواقع ضمن صلب النشاط النقابي للاتحاد العام التونسي للشغل.


خيّر اتحاد الشغل عدم المشاركة مع ما قد تفضي إليه من قطيعة مع الرئاسة، وهو الذي ظل حريصاً على إبقاء علاقة جيدة معها، ولكنه اليوم يجد نفسه ضمن مربع ضيق، أن يكون شريكاً في الخيارات الجديدة لكن من دون إبداء الرأي فيها أو أن يرفض مع ما قد يحمله قرار الرفض من توتر في العلاقة مع السلطة الحالية.


لقد تغيرت المعطيات والوقائع بين حوار سنة 2013، والذي انتهى بنيل اتحاد الشغل لجائزة نوبل، بالشراكة مع منظمات أخرى، ليصبح اليوم محصوراً في حيّز ضيق بين رفضه الانحياز لقوى المعارضة التي تطالب بعودة المسار الديمقراطي واستمرار التأييد للسلطة الحالية رغم يقينه أنّه لن يكون سوى شاهد ومبرّر لقراراتٍ لم يشارك في اتخاذها، بل وستفضي إلى فقدانه ما تبقى من تأييد الطبقة العاملة، والخياران في نظره أحلاهما مرّ.

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 9