أدباء ولكن.. معاناة الكتاب من ذوي الاحتياجات الخاصة مع دور النشر المصرية

سارة السيد - القاهرة

2022.05.21 - 08:15
Facebook Share
طباعة

على ناصية شارع صغير بمنطقة امبروزر في محرم بك بالإسكندرية شمال مصر، وفي الطابق الأول من البناية رقم إحدى عشر، بداخل حجرة بسيطة يعلوها نافذة ينسدل منها بعض من أشعة الشمس، ومكتبة امتلأت بكتب الأدباء، وجهاز كمبيوتر عن طريقه تخرج كلمات أول أبطال موضوعنا إلى النور، تلك الكلمات التي اعتبرها لغة التواصل الوحيدة بينه وبين العالم الخارجي، في هذا المكان كتب عليه "هنا صنع الإبداع".


عمر سليمان، شاب في الـ39 من عمره، تخرج في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، ويعمل مدرسًا للغة العربية، ذاع صيت عمر كونه أديبًا وروائيًا، وبالرغم من أنه قضى معظم حياته طريح الفراش لكنّه عشق القراءة منذ الصغر، وبفضل والدته لم تخلُ غرفته أبدًا من الكتب، والتي كانت كفيلة بأن تكون رفيقة العُمر في وحدته المفروضة عليه، على حسب وصفه لوكالة أنباء آسيا.


*
"كنت بحاول أكتب قصص زي اللي بقراها، أحيانا كنت بتمنى حاجات كثير ولأن صعب أحققها كنت بحققها في القصص"

في طفولته أثناء لهوه برفقة أقاربه كانت لعبته المفضلة هي مسابقة الكتابة، وبالرغم من أنّه كان أبطأ الأطفال إلّا أنّ قصته كانت دائمًا هي الفائزة، ومن هنا بدأ طريق عمر سليمان.
"أرض رشيدة" كانت أول رواية لعُمر تخرج إلى النور عام 2014م، تلك الرواية التي جاءته فكرتها بعد قراءته لمجموعة "الحب فوق هضبة الهرم" لنجيب محفوظ، وبهذا خرجت الرواية كإحدى أشكال المعالجة

 

فالرواية كانت نوع من المعالجة للمجموعة، تلك الرواية باتت لها مكانة خاصة لدى عمر كونها أولى كلماته ، " أرض رشيدة زي مبيقولوا بنتي البكر"، لتليها فيما بعد "حب مفقود"، ثم "سيزورون" والتي تواجدت في معرض الكتاب هذا العام.
المعهود دائمًا لدى الأدباء والشعراء كونهم يخالطون البشر يتحسسون الطبيعة وجمالها من أجل الخروج بالإبداع، ولأنّ عمر كان من الصعب عليه أن يقوم بهذا الأمر ، لكنّه اعتبر هذا الأمر منحة ربانية، فكان يكفي له أن يجلس على كرسي سيارته يترقب حركة الأشخاص في الشارع، نافذة غرفته كانت تجسد له الطبيعة في أكمل صورها، حوّل تنمر المجتمع عليه إلى دعم كبير للوصول إلى الذات، لم يعد يهتم بسخرية الصغار ونظرات تهكم الكبار، حاول في البداية تغييرها لكنّه وجد صعوبة كبرى فتعايش معها.
لم تكن أزمة عمر في التنمر بل كانت مشكلته الكبرى في كيفية توزرع رواياته ونشرها، فوجد الشاب صعوبة بالغة في التعامل مع دور النشر المختلفة، والتي لم يتسطع مراسلتهم أو التعامل معهم إلّا عن طريق الإنترنت، إلّا أن شروط دور النشر كانت صعبة بالنسبة كثيرًا لعمر، فغالبًا ماكانت تعتمد دور النشر على كبار الكتاب بالإضافة إلى أنّ حضوره على الساحة كان خفيفًا كونه لا يخرج كثيرًا من المنزل.


الأزمات التي واجهها عمر منذ سيره في طريق الكتابة كان جزء كبير منها يتعلق بدور النشر، في إحدى المرات حسب حديثه قال له صاحب إحدى دور النشر جملة لا تزال معلقة في ذهنه " احمد ربنا إننا قبلنا ننشر قصتك إحنا أشفقنا عليك"، وبالرغم من ذلك إلّا أنّ يجد صعوبة كبرى أيضًا في التعامل معهم، فدور النشر حسب "سليمان" لم تعد تتعامل على أساس الموهبة بل المظاهر هي التي لها الأولوية حاليا لديها.

 

ومن أعبرز أعمال عمر سليمان الروائية سيزورون وأرض رشيدة.
هناك بعض الكتاب والأدباء على الساحة من ذوي الاحتياجات الخاصة، لم تمنعهم الإعاقة أن يسيروا بخطى ثابتة نحو تحقيق حلمهم، لكن في المقابل اصطدموا بإعاقات أخرى كانت أشد عليهم من إعاقاتهم الحقيقية ألا وهي دور النشر والتي كانت سببًا في العديد من المشاكل الخاصة بهم.

 

كاتب بمحو أمية

لم يلتحق بالتعليم منذ صغره، فوالده اختار أن ينفق أمواله على علاجه بدلًا من تعليمه، لم يدرك الأب أنّ القدر سيكون له كلمة أخرى، وسيفشل الصغير في العلاج وسيمر عليه قطار العلم دون اللحاق به، لكنّ الفتى كان قد رسمه حلمه من قبل وقرر السير فيه بمفرده دون مساعدة أحد، محمد العايدي، كاتب مصري، من ذوي الاحتياجات الخاصة، لكنّه لم يكن أديبًا أو كاتبًا عاديا بل كان مميزًا عن رفقائه ففي سن العاشرة وبالرغم من أنّه لم يلتحق بالمدرسة لكنّه قرر أن يسير في طريق العلم وحيدًا فكان يتعلم القراءة والكتابة بمفردة عن طريق كتب أشقائه والتي كان يحصل عليها سرا محاولا قراءتها، ومن هنا كانت بداية طريق الكتابة.

كتب " العايدي" عددا من قصص الأطفال بشكل يبدو للجميع جديد ومختلف، بالرغم من أنّ الموهبة بدت عليه مبكرا إلا أنّ والده لم يقتنع بها في البداية، حتى فاجأه الفتى بقصة للأطفال لكن بعد فترة قصيرة رحل والده ليبدأ الفتى في السير نحو حلمه الكبير.

صعوبات عديدة واجهها "العايدي" في طريق كفاحه، سرد لوكالة أنباء آسيا بعضا منها، فبالرغم من حصوله فيما بعد على شهادة محو الأمية وتمكنه من إنجاز حوالي 100 عمل أدبي متنوع ما بين القصة والرواية لكنّه كغيره من الأدباء من ذوي الاحتياجات الخاصة واجه أزمات عدة في نشرها حتى خرجت إلى النور وكأنّه رغم تألقه الكبير كانت لدور النشر اراء أخرى.
ومن أبرز أعماله الروائية "مالك وآدم"، "زائرون من كواكب أخرى"، و«زنزانة الخوف"، و"حواري مع إبليس"، و"عودة الأموات"، و"انتظار امرأة"، و"قناع الحرمان"، ومن أعماله المسرحية، "فلاح في الميدان" و"أنا وأنا" إلى غيرها من الأعمال العديدة.
معايير وقواعد

 

أشكال عقود النشر

الكاتب والأديب المصري سامح فايز، في حديثه إلى وكالة أنباء آسيا، ذكر بأنّ هناك ثلاثة أشكال لعقود النشر منها من يتحمل فيها المؤلف قيمة النشر، وأخرى يتحمل فيها الناشر تكلفة النشر، والشكل الآخير وهو أن يتحمل كلا من المؤلف والناشر القيمة، وهذا ما يتم اتباعه في السنوات الآخيرة في دور النشر سواء الشهيرة أو غيرها.

فلا يوجد فرق بين كاتب من ذوي الاحتياجات الخاصة وغيره من الكتاب، فالأغلب يتم النصب عليه من قبل دور النشر التي لا تمتلك أقسام خاصة بالنشر ، فحاليا الأمر بات أشبه بمطبعة تحصل على الكتاب من الشخص لتقوم بطبعه دون مراجعته، فلم يعد هناك دور لموهبة الكاتب لكن الأمر يسير وفق أمور أخرى نعلمها جميعا لا تعتمد بالتأكيد على الموهبة، حسب ما ذكره الكاتب والأديب سامح فايز.

لا يوجد قواعد منظمة حاليا لممارسة مهنة الأدب، بالرغم من أنّ هناك بعض القواعد التي تم وضعها عام 2013 على يد أحد المختصين لكن هذا الشخص فيما بعد تمت محاربته ورفض تطبيق تلك القواعد وفقا لـ" سامح فايز".

 

معاناة قبل الرحيل

عمر كمال الدين إسم غاب عن الحياة قبل أشهر قليلة، لكن كلماته لازالت تحيا بين أحبائه، عاش "عمر" كونه أحد الأدباء والكتاب من ذوي الاحتياجات الخاصة فترات صعبة في مسيرته الأدبية لكن لم تمنعه تلك الصعوبات من محاولة النجاح وإثبات نفسه، فبالرغم من إعاقته إلا أنه كان يحاول الخروج إلى جمهوره ومحبيه ولقائهم بحفلات التوقيع، كان مميزا بدرجة كبيرة لكنّه أيضًا لم يسلم من بعض أصحاب دور النشر، والتي لم تكن توفر إمكانيات لـ"عمر" لإقامة حفلات توقيع.

شيرين طلعت الكاتبة والأديبة وأحد المقربين من الراحل عمر كمال الدين سردت لوكالة أنباء آسيا، بعض المعاناة التي كان يعانيها الراحل في حياته من دور النشر كونه من ذوي الاحتياجات الخاصة، حسب شيرين فقد وصل الحال بـ"عمر" أنّه كان ينزل بنفسه لتوزيع الكتب الخاصة به على المكتبات، باعتبار أنّ دار النشر كانت تتعنت في بعض الأحيان في عملية توزيع الكتب الخاصة به.

"لم يكن الحكم على أساس الموهبة فالنظرة في بعض الأحيان كانت نظرة شخصية أكثر من كونها مهنية"، بالرغم من أنّ عمر كمال الدين كان من أصحاب الأقلام المتميزة بين أبناء جيله من الأدباء الشباب، لكن كانت بعض دور النشر تتعامل مع "عمر" بشكل غير لائق، لم تكن الإعاقة سببا بشكل كبير لكنّها كانت سببًا أيضًا، ففي موقف كان غير إنساني حضر "عمر" حفلة توقيع خاصة به ولم يجد سوى 5 من الكتب التي سيتم توزيعها متواجدة في الدار كذلك لم يتم توفير مكان للتوقيع وجلس في إحدى الجوانب وحيدا دون آية مراعاة لحالته ومرضه الأمر الذي أثر سلبًا عليه، وكان جزءًا من معاناته الكبيرة.

 

البحث عن أصحاب الإعاقة

مها المقداد، مسؤول دار النشر المصرية السودانية، تحدّثت لوكالة أنباء آسيا، عن أنّ البعض بات يتمنى أن يصبح من ذوي الاحتياجات الخاصة حتى يحصل على فرصة في هذا المجال، بالرغم من أنّ العديد من الأدباء من ذوي الاحتياجات يعانون من صعوبات بسبب مرضهم سواء عن طريق التعنت في بعض الأحيان أو حتى عدم التقدير إلا أنّ "المقداد" أكدت على أنّ هذا الأمر لا يحدث.

حسب حديث مسؤول دار النشر المصرية السودانية ، فإنّ هناك البعض من أصحاب دور النشر يبحثون عن الأدباء والكتاب من ذوي الاحتياجات الخاصة حتى من لم يمتلكون الموهبة الكافية، لكن الهدف من هذا الأمر هو الاستغلال والاستعطاف الذي يحاولون من خلال جذب الجمهور لشراء الكتب الخاصة بهم، حاليا لم يعد معيار الموهبة هو الأسمى لخروج كاتب أو أديب بل هناك معايير أخرى لا تفرق بين أديب من ذوي الاحتياجات الخاصة أو حتى معافى دون أمراض.

 

لاتوجد ضوابط لدور النشر

حاولت وكالت أنباء آسيا التواصل مع أحد مسؤولي وزارة الثقافة للحديث عن الضوابط الخاصة التي تحكم دور النشر، لكن لم نتلقى إجابة واضحة، لكن بالبحث وجدنا أنه لا توجد ضوابط محددة خاصة بدور النشر وعلاقتها بالكاتب أو كما يطلق عليه الناشر، فهناك الكثير من المعوقات التي باتت تواجه الأدباء والكتاب في مصر، سواء من هم من ذوي الاحتياجات الخاصة أو الأسوياء، فأغلب دور النشر الخاصة باتت تطالب بالدفع مقابل النشر، ، أما دور النشر الحكومية التي من المفترض أن يحكمها قواعد وضوابط فهي أيضا باتت محل شبهات لدى الكثيرين، لذا فالكاتب والأديب بات يعاني بشكل واضح وكبير خاصة ممن هم من ذوي الاحتياجات الخاصة. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 1