بحث: شرق الفرات وتأثير النزاع على مستقبل سورية ، الجزء الرابع

اعداد خضر عواركة، دراسات ميدانية د. علي جمعة، تدقيق وتوثيق زينة يوسف

2022.02.07 - 12:04
Facebook Share
طباعة

 الفصل الثالث: مظاهر التنافس الدولي على منطقة شرق الفرات, وتأثيره على القبائل العربية فيها

 
دفع مزيج من موارد النفط وصعود نجم الجماعات المتطرفة أقساماً من قبائل منفردة إلى أتون صراعات مع بعضها البعض, الأمر الذي أبان الأسس المتحوّلة للبُنى والهويات القبليَّة,
فيما تفاقمت وتيرة النزاع بين السكان المحلِّيين في دير الزور بعد العام 2011م، وأضافت الهويات والقادة القبليين درجة أخرى من التعقيد على حقائق تلك المنطقة.
ثم تبخرّت القيادة التقليديَّة القبليَّة في اللحظة نفسها التي كانت تشتد فيها الحاجة إليها, وهذا لأن عقوداً من الولاء للدولة، جعلت المشايخ القبليين عاجزين على لعب دورهم التاريخي كسلطات سياسيَّة أبان الحرب السوريَّة، وبالتالي أجبرت التنافسات الحاصلة والتعاون بين بعض المجموعات المحليَّة المسلّحة والمنظمات الإسلاميَّة المتطرفة المجتمعات المحليَّة على التركيز على مسألة البقاء والمصالح الماديَّة، وليس على مصالح التجمعات القبليَّة الأوسع, وبعد انتهاء تواجد داعش برزت التناقض والتنافس الدولي على تلك المنطقة وذلك عبر مجموعة من المظاهر نبرزها بما يلي:
أولاً). التوتّر بين الأكراد والعرب والاستقطاب السياسي:
في حين أن دير الزور كانت الساحة التي دارت فيها رحى الصراع بين مجموعات إسلاميَّة متطرّفة، بقيت محافظة الحسكة شمال دير الزور خاضعة عموماً إلى سيطرة كلّ من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي والدولة السوريَّة.
وأفسح انسحاب القوات العسكريَّة والأمنيَّة التابعة للدولة السورية من شمال شرق سورية، باستثناء وسط مدينتَي القامشلي والحسكة الرئيستين، في منتصف العام 2012م، المجال أمام حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب لبسط نفوذهما على مساحات شاسعة من الأراضي, وبفضل القدرة التنظيميَّة الراسخة التي تتمتع بها وحدات حماية الشعب منذ مرحلة ما قبل الأزمة السوريَّة، والقرار من قبل الدولة السوريَّة عدم مقاتلة هذه الوحدات، تمكّنت هذه القوى من دمج الأكراد المحليين في بيئة سياسيَّة أوسع, نتيجةً لذلك، باتت عدّة مناطق من محافظة الحسكة تُدار راهناً كمنطقة حكم ذاتي متعدّدة الإثنيات تُعرف باسم مقاطعة الجزيرة, وحلّ العداء بين الأكراد والعرب مكان الصراع ضد تنظيم الدولة الإسلاميَّة، لأن الكثير من المواطنين العرب يعتقدون أن قوات سورية الديمقراطيَّة ستقوم بتطهير إثني ضد العرب لصالح الأكراد.
ونتيجةً لذلك، انقسم قادة القبائل العربيَّة، فدعم عدد قليل منهم الأكراد واتّخذ القسم الآخر موقفاً المعارض, وانضم بعضهم إلى عملية درع الفرات، وفي الوقت الحالي تعمل الدولة السوريَّة من خلال تواجدها في دير الزور والحسكة والقامشلي إلى الحفاظ على علاقاتها مع أفراد من بيوتات المشيخة، خاصة عقب انهيار تنظيم داعش.
وفي الوقت الحالي يُعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الحزب المهيمن في مقاطعة الجزيرة، لكنه يواجه التحديات عينها في مجال تطوير العلاقات مع المجتمعات القبليَّة العربيَّة وضمان رضوخها له، أما الشريك الرئيس لحزب الاتحاد الديمقراطي فهو "حميدي دهام"، شيخ قبيلة شمّر والحاكم المشترك لمقاطعة الجزيرة.
وتشير الدراسات أنَّه ثمة جانبان ملحوظان في هذا النقطة؛ الأول أن سكان القبائل العربية الأخرى فضّلوا التعامل مع حزب الاتحاد الديمقراطي بدلاً من قبيلة شمّر, أما الجانب الثاني، فيتمثل في أن الجهود التي يبذلها حزب الاتحاد الديمقراطي للتعامل بشكل منفصل مع كل قبيلة من القبائل العربيَّة يشكل مصدر قلق وتهديد.
وبالتالي بالنسبة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي، والدولة السوري، وبقايا تنظيم الدولة الإسلاميَّة، الذين يتنافسون للسيطرة على شمال شرق سورية، يحمل التعامل مع السكان من ذوي الخلفية القبليَّة العربيَّة في طياته تحديات جمّة, كما أنَّ المنافسة على الدعم الخارجي خفضت شرعية بيوتات المشيخة في أعين العديد من أبناء القبيلة, وحيث أن قادة القبائل هم شخصيَّات مرموقة تاريخيَّاً لابدّ من إطاعتها من دون استثناء، يُنظر إلى العديد منهم بشكل متزايد على أنهم تابعون لقوى خارجيَّة، وغير قادرين على إرساء الأمن وتأمين الرفاه المادي لأبناء القبائل، وبالتالي فهم لا يستحقون هذا الإجلال.
ثانياً). الصراع الأممي على شرق الفرات:
حيثُ تُعد منطقة شرق الفرات المنطقة السوريَّة الوحيدة الداخلة في مظلَّة الرعاية الدوليَّة, فقوى التحالف الدولي، وبالذات الولايات المُتَّحدة الأمريكيَّة، حدَّدت قواعد اشتباك واضحة في هذه المنطقة، قائمة على هيمنتها هي وحدها على المجال الجوي العسكري من طرف، وعلى حظر أيَّة قوة إقليميَّة، بما في ذلك الدولة السوريّة من طرف آخر، وبالذات تُركيا التي شنت حرب واضحة على هذه المنطقة تحت أي ذريعة، وتوفر هذه الرعاية حماية عسكريَّة لقوات سورية الديمقراطيَّة (الكُردية) على هذه المنطقة، وتوفِّر أيضًا مجالًا دوليًّا ذا رمزيَّة سياسيَّة يؤكِّد على تمايز هذه المنطقة والقوة المُسيطرة عليها عن باقي المناطق الخاضعة لسُلطة المعارضة السوريَّة.
وترتفع وتيرة النشاط الأميركي والروسي "كل على حدة" لتشكيل جسم عسكري جديد عماده أبناء العشائر في محافظتَي الحسكة ودير الزور، للحصول على أكبر دعم عشائري ممكن في إطار الكباش العسكري والسياسي المستمر بينهما هناك، ويتركّز فيه النشاط الأميركي المعادي على دير الزور لأهميتها الجغرافيَّة والاقتصاديَّة وملاصقتها الحدود العراقيَّة ومناطق النفوذ الإيراني، ولاحتوائها على أغنى آبار النفط، في وقت يتركّز الاهتمام الروسي بالحسكة بصفتها منطقة شهدت حراكاً مناهضاً للوجود الأميركي، وتشكل أرضية جاهزة للإعداد والمواجهة.
 
 
 
ثالثاً). التدخل الأمريكي:
إن ما يظهره اليوم حقيقة واهمة هي في حرص واشنطن على السيطرة على ما يعرف بطريق النفط الذي يربط المنطقة من رميلان، مروراً بتل حميس والهول، وصولاً إلى الشدادي وريف دير الزور، لكن هذه المرَّة بقوات جديدة لا ترتبط بـقسد، بل بالعشائر وأبناء المنطقة، حيث بدأت هذه النيَّة تتكشّف أوضح مع إعلان أميركي لافت العزمَ على تشكيل قوة محلية للعمل إلى جانب ما يدعى التحالف الدولي وبإشرافه وتدريبه, ويمكن قراءة أهدافها من هذه القوة في ثلاثة اتجاهات:
ا- مواجهة محاولات توسّع النفوذ الروسي.
2- المساهمة في كبح النشاط العسكري المتزايد لخلايا تنظيم داعش.
3- منع الحضور الإيراني في البادية باتجاه شرق الفرات, وبالتالي قطع الطريق البريّ مع العراق.
وتعوّل واشنطن على أبناء العشائر في المنطقة الشرقية، وصولاً إلى منبج، لتشكيل «القوى الأمنية المحلية لحماية الحدود شمال سورية»، لتطمين أنقرة بوجود عشائري عربي ضمن صفوف الكرد على حافة الأناضول الجنوبيَّة، ولتجنب أي صدام عربي/ كردي مستقبلاً في حزام من القرى ذات أغلبية عربية في الشمال السوري، وذلك من خلال تنظيمهم بأفواج، وصرف رواتب بمقدار 200 دولار للفرد، في محاولة لتكرار تجربة «قسد» التي تقول الإحصاءات غير الرسميَّة إن أكثر من 75 في المائة منهم، هم من العرب, خطوة واشنطن قابلها حراك للدولة السوريَّة، من خلال السعي لتأسيس كتائب الحماية الذاتيَّة لتنظيم أبناء مناطق ريف دير الزور والرقة، وضمان وجود أعداد كبيرة تضمن أمن المناطق الحدوديَّة، بالإضافة إلى فتح مراكز استقطاب لصفوف الجيش والقوات الرديفة في ست محافظات، من بينها المحافظات الشرقيَّة الثلاث (الرقة، الحسكة, ودير الزور), كما أنَّ الدولة السوريّة ومع إعادة حضورها في الشرق، أرادت إيصال رسائل إلى كل المنخرطين بالتعاون والتعامل مع واشنطن، أن ذلك لم يعد مقبولاً, وهذا ما برز في تصريحات للرئيس الأسد الذي وصف كل من يتعامل مع واشنطن بـ«الخائن»، تبعتها بيانات لوزارة الخارجيَّة, وتصريحات متكرِّرة لدبلوماسيِّين سوريِّين في السياق ذاته، في ظل غياب أي تقارب بين الحكومة و«الوحدات»، واستمرار تأليب واشنطن الكرد والعشائر ضد حكومتهم، ينذر بعدم استقرار تلك المناطق, وهذا ما برز أخيراً في الاحتجاجات التي شهدتها مدينة منبج، والتي قد تتكرر في مدن أخرى, ويعلّق مصدر حكومي سوري على ذلك بأن «ما يحصل هو طارئ، وما سينهيه بالدرجة الأولى هو إرادة أبناء تلك المناطق», وأضاف أن «ما حصل في منبج ويحصل في عفرين، سيثبت أن الدولة السوريَّة هي الضامن الوحيد لكل أبنائها».
وبالتالي تموضعت الولايات المتحدة الأمريكيَّة من جديد في ريف مدينة كوباني/عين العرب، وتتمركز القوات الأميركيَّة في قواعد رئيسة شرق الفرات، أبرزها: قاعدة ومطار السبت وصوامع بلدة صرين بريف حلب الشرقي، وفي قاعدة الجزرة المحاذية لمدينة الرقة، وقاعدة هيمو قرب القامشلي، إضافة إلى تأسيس قواعد عسكريَّة جديدة في دير الزور كقاعدة في بادية السوسة قرب بلدة الباغوز، وقاعدة في هجين، وقاعدة غرب بلدة الصور قرب الحدود العراقيَّة, وأسباب هذا التموضع والانتشار:
1. تثبيت الاستقرار, ومنع عودة تنظيم الدولة الذي ما زالت خلاياه نشطة في المنطقة.
2. الرقابة على نشاط "الميليشيات" المدعومة من إيران.
3. أن المنطقة قد تشكل جزءًا من "طريق بديل" بالنسبة لإيران للوصول إلى المتوسط عبر الطريق الدولي إم 4 (M4 ) الرابط بين شرقي سورية وغربها، ويبدأ من اليعربية على الحدود العراقية وينتهي في اللاذقية.
4. تسعى الولايات المتحدة أيضًا إلى استغلال أهمية المنطقة اقتصاديًّا بالنسبة للنظام وموسكو كورقة للضغط عليهما لتقديم تنازلات بخصوص الحل السياسي, وذلك عبر استمرار الوجود الأميركي في المنطقة وممارسة نوع من الحصار غير المعلن، من خلال وقف تدفق النفط والقمح من مناطق سيطرتها إلى مناطق الدولة السورية.
5. محاولة تطويق التمدد الروسي في المنطقة وحصره في أماكن محددة، والاحتفاظ بالسيطرة على حقول النفط الرئيسة في المنطقة "حقل العمر، كونيكو، رميلان، التنك".
رابعاً). التدخل الروسي:
تبلَّغت العشائر السورية في منطقة الجزيرة رغبة الطرف الروسي بتشكيل جيش عشائري، واستعدادهم لتقديم كل الدعم اللازم، فيما طالبت العشائر بوضع حد لاستفزازات قسد والأسايش والاعتقالات التعسفية التي يقومون بها ضد أبناء العشائر، واتفق الطرفان على ضرورة عدم القبول باستمرار تفرّد قسد والأميركيين بالتحكم بحقول النفط والغاز لكونها ثروة وطنية لكل السوريين.
لذلك تستثمر موسكو المزاج الأهلي المناهض لواشنطن في تلك المنطقة لتوسيع نفوذها، كما تبدي اهتماماً خاصاً بتشكيل جسم عسكري مشابه للفيلق الخامس قوامه من أبناء العشائر العربية، ليكون قوة رديفة تعمل بتدريب وإشراف روسي، على أن يجري تدريبهم في معسكرات تابعة للجيش السوري, ولهذا عملت موسكو أخيراً على تثبيت قاعدة لها في مساكن الضباط في مطار القامشلي، مع معلومات عن نية روسية لتوسيع المطار ليكون القاعدة العسكرية الجوية الثانية الأكبر على الأراضي السورية بعد مطار حميميم بالاتفاق مع دمشق.
وترى دمشق وموسكو أن تشكيل جيش عشائري سيغيّر الصورة التي سعى الإعلام الغربي إلى تكريسها عن كون المكون الكردي هو المسيطر والأبرز في المنطقة الشرقيَّة، الأمر الذي ينافي الواقع، حيث للعشائر حضور واسع في الحسكة ودير الزور ينافس الحضور الكردي, ويرجّح أن تستفيد موسكو من ولاء أبرز الوجوه والشخصيَّات التي لها امتداد تاريخي واجتماعي لدمشق، لاستثمار ذلك في تشكيل جيش عشائري يحمي المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة من جهة، ولتشكيل ضغط اجتماعي وعشائري ضد الأميركيين من جهة أخرى.
كما تحاول روسيا لعب دور المحفز والميسر للحوارات والتفاوضات ما بين الدولة السورية والإدارة الذاتيَّة حول كيفيَّة إدارة المنطقة شمال شرق سورية، سواء قبل قرار الانسحاب الأمريكي أو بعده، وفي حين كانت روسيا تدفع بجديَّة لعقد اتفاق بين الطرفين قبل إعلان انسحاب أمريكا -ومع تراجع الأخيرة عنه- طرأ تغير في طريقة إدارة موسكو لملف المفاوضات بين الدولة السورية والإدارة الذاتيَّة ليكوَن ضغطاً على الإدارة الذاتيَّة، مع خسارة الأخيرة للكثير من سيطرتها المباشرة بين " تل أبيض امتدادا لرأس العين"، بالإضافة لما فقدته من كونها كانت الطرف المتفرد بالسيطرة على مناطق أوسع: الرقة، منبج، كوباني، وجزء مهم من محافظة الحسكة.
وتنشط روسيا في ملف التواصل وتنظيم عشائر المنطقة بشكلٍ متزايد كان آخرها اجتماع بين ضباط من القوات الروسيَّة مع وجهاء وشيوخ من العشائر في ريف الحسكة، بالإضافة إلى زيارات عدة قام بها ضباط الدولة السورية وضباط روس لشيخ عشيرة "حرب"، محمود منصور العاكوب في مدينة القامشلي بتاريخ 19 /4/2020م.
وتعتبر خطوة التشكيل التي تسعى إليها موسكو الخطوة الأولى من نوعها لموسكو في سورية، حيث تحاول هذه المرة خلق فصيل خارج المنظومة العسكريَّة المعتادة، ولا يمكن التخمين بمدى فرص نجاحها، حيث أنَّ العشائر التي تفكِّر روسيا بالاعتماد عليها مقسَّمة إلى عدَّة توجُّهات، جزءٌ هام منها يقف مع الدولة السوريَّة، وآخر مع المعارضة.
وإلى جانب تحركاتها للتغلغل في ريف الحسكة عسكريَّاً عبر العشائر، استقدمت موسكو في نهاية آذار وبداية نيسان 2020م، عشرات الجنود إضافة إلى عربات عسكريَّة، وأرسلت قبل قافلة عسكريَّة ضمَّت أكثر من 50 شاحنة عسكريَّة ودبابة وناقلة جنود خرجت من مدينة عين عيسى بريف الرقة، وتوجَّهت إلى بلدة تل تمر بريف الحسكة، ومنها إلى مدينة القامشلي عبر الطريق الدولي "M4"، كما عزَّزت قواتها من تواجدها حول مطار القامشلي عبر استقدام مجموعاتٍ جديدة من الجنود, وتتشعَّب أهداف الوجود الروسي في منطقة شرق الفرات إلى عدة مستويات، منها:
(أ) المستوى الاقتصادي, نتيجة غنى المنطقة بالثروات الباطنيَّة والزراعيَّة والمياه.
(ب) المستوى العسكري، فالمنطقة تُشكل مساحة واسعة من الأرض السوريَّة الخارجة عن سيطرة الدولة السوريَّة, وقد تسهم استعادتها تقوية موقف الدولة السوريَّة السياسي، خاصةً عقب انحسار المعارضة المسلَّحة إلى جيب صغير في إدلب.
(ج) المستوى السياسي، والمتعلِّق بالمشروع الفيدرالي للإدارة الذاتيَّة وأثره المستقبلي على شكل نظام الحكم في سورية، مقابل ما يشكله الوجود الأميركي من منافس للدور الروسي على المستوى العسكري والسياسي المتعلِّق بقدرة موسكو على التحكُّم بشكل الحل للأزمة السوريَّة.
وفي إطار تدعيم وجودها العسكري وتثبيته، أنشأت موسكو عدَّة قواعد عسكريَّة في منطقة شرق الفرات عقب الانسحاب الأميركي، وأهمها:
1.     قاعدة لهبوط المروحيات القتالية في مطار مدني بمدينة القامشلي في شمال شرقي سورية، وقاعدة في مطار الطبقة العسكري بعد إخلائه بالكامل من قوات سورية الديمقراطية، وجرى تجهيز المطارين بمنظومات دفاع جوي حديثة وطائرات هليوكوبتر إضافة إلى طائرات مقاتلة من طراز ميغ 35.
2.     إنشاء قاعدة في مدينة عين عيسى شمال مدينة الرقة وعلى خطوط التماس بين فصائل "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا وقوات سورية الديمقراطيَّة والجيش السوري.
3.     إنشاء قاعدة في منطقة انتشار الفرقة 17 مشاة الواقعة في المحيط الشمالي الشرقي والمحاذية لمدينة الرقة.
4.     قاعدتا عون الدادات والعسلية في منطقة منبج.
ومن خلال هذا الانتشار العسكري الاستراتيجي في منطقة شرق الفرات تستطيع موسكو الضغط على باقي الأطراف الموجودة في المنطقة بشكل يسهم في تحقيق أهدافها.
خامساً). التواجد الإيراني في منطقة شرق الفرات:
كان ذلك عبر تشكيل قوات موالية لها, حيث حاولت تكتيكاتها الخاصة لجذب القبائل العربيَّة في سورية بالتنسيق مع الدولة السورية, كما يواصل المسؤولون الإيرانيَّون دعوة زعماء تلك القبائل لزيارة طهران لإجراء محادثات وتفاهمات, وتميل السياسات الإيرانيَّة للتركيز على ثلاثة محاور لتعزيز سيطرتها على منطقة شرق الفرات في سورية، تتمثل فيما يلي:
1). استمالة العشائر العربيَّة: حث تلعب إيران على التناقضات المحلية في تلك المنطقة، وبالذات على التناقضات الكُردية/الكُردية من طرف، وعلى التناقضات العربية/الكُردية بالغة الحساسيَّة من طرف آخر، وفي هذا السياق استقبل مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدوليَّة "علي أكبر ولايتي" في مايو 2018م, وفدًا يمثِّل شيوخ العشائر السوريَّة، وصرح بحضورها قائلًا إن "العشائر الكرديَّة السورية تحارب الولايات المتحدة، وهي التي ستخرجها من شرق الفرات شمال شرقي سورية, طهران واثقة من أنَّه في حال لم يتعقَّل الأمريكيون ويغادروا سورية، فإن الكرد سيطردونهم"، لكن بعد أقل من شهر واحد، رعت إيران مؤتمرًا للعشائر السورية "العربية" في منطقة "دير حافر"، كانت الخطابات فيه واضحة في التحريض ضد الأكراد.
وتميل إيران للإيحاء للقواعد الاجتماعيَّة العربيَّة شرق الفرات بأنَّها مغبونة في ظِل الحُكم الكُردي، وأن الولايات المُتحدة راعية لذلك، وأن طهران وحدها القادرة على إعادة هيمنة العرب على شرق الفرات، وضغطت إيران على الدولة السورية للقبول بعودة الكثير من شيوخ القبائل العربيَّة المعارضين، وإعادة دمجهم بالأجهزة الأمنيَّة والعسكريَّة للقوات المرعيَّة من قِبل إيران، وعلى رأسهم الزعيم القبلي نواف راغب البشير، الذي أسس فصائل عشائرية في محافظة دير الزور باسم "لواء الباقر".
2). التشكيك في الدعم الغربي: تسعى إيران لأن تدفع الطرف الكُردي ليُشكك بالدعم الأمريكي/الأوروبي للمشروع الكُردي. فإيران ترى بأن استمالة الأكراد في هذا المجال رُبما تكون أقل كُلفة من مواجهتهم، فهي تعتقد بأن تنامي الإحساس الكُردي بعدم مصداقية الولايات المُتحدة والدول الأوروبية في علاقاتها معهم، مضافًا لخشيتهم من الاندفاعة التُركية في مناطق شرق الفرات، بطريقة شبيهة لما فعلته تُركيا في منطقة عفرين؛ سيدفع قوات سورية الديمقراطية "الكُردية" للتوافق مع إيران الدولة السوريَّة من موقع عدم التوازن التام بين الطرفين، ذلك التوافق الذي سيكون شكلًا من أشكال الاستسلام غير المُعلن.
3). الاتفاق مع تركيا: تسعى الاستراتيجيَّة الإيرانيَّة أن تسير بشكل بطيء نحو توافق غير مُعلن بين تُركيا والدولة السورية، يقوم على دفع تُركيا لرفع سقف تهديداتها للمنظومة الكُردية في منطقة شرق الفرات، لتخلق نوعًا من التخويف للقوى الكُردية هُناك، وتدفع الولايات المُتحدة للإحساس بأنَّ دعمها لقوات سورية الديمقراطيَّة قد يخلق بؤرة توترٍ شديدة في منطقة بالغة الحساسيَّة، ويُعيد الفوضى إليها، وهو ما يتيح لإيران تقديم عرض بعودة الدولة السورية وحلفاء إيران إلى حُكم هذه المنطقة كحلٍ وسط، بين الاندفاعات التُركية التي تتضمن عودة المليشيات الإسلاميَّة الراديكالية، وبين بقاء قوات سورية الديمقراطيَّة.
سادساً). التدخل التركي:
من مظاهر التنافس على المنطقة الدعم العسكري التركي المباشر شمال شرق سورية, حيث هدفت تركيا لاستخدام القبائل العربيَّة في تركيا لإضفاء الشرعيَّة على تدخلها ضد قوات سورية الديمقراطيَّة في المنطقة الواقعة شرق نهر الفرات, قبل أن يتم الإعلان عن تعليق العملية في السابع عشر من الشهر ذاته، بعد اتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية قضى بانسحاب "قسد" من منطقة طولها 120 كم بين مدينتي تل أبيض ورأس العين وبعمق 32 كم2، أعقبه اتفاق آخر مع روسيا تم بموجبه تثبيت الاتفاق التركي-الأميركي (حدود عملية "نبع السلام")، وإضافة بند يتعلَّق بانتشار الشرطة العسكريَّة الروسيَّة وحرس الحدود التابع للنظام السوري على طول الحدود السوريَّة-التركيَّة خارج منطقة نبع السلام بعمق 30 كلم، وتسيير أنقرة وموسكو دوريَّات مشتركة على طرفي منطقة العمليَّة في الشرق والغرب بعمق 10 كلم2, وبالتالي دعمت تركيا «المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السوريَّة» الذي أنشأته كتشكيل عسكري مهمته «تحرير دير الزور من قسد», والأهداف كانت:
1. إيجاد هامش من المساحة أو النفوذ لها ضمن الخارطة الشمالية الشرقية لإقامة «المنطقة الآمنة».
2.  «لِيّ» ذراع «قسد».
3. فرض ورقة مساومة تحسن من التموضع التركي في مباحثاته مع نظيره الأميركي حول المنطقة.
سادساًً). المجموعات المرتبطة بالسعودية:
دخلت السعودية على خط التنافس شرق الفرات, ومارست ضغوطا متجددة على علاقاتها مع الجماعات القبليَّة في سورية, مستغلين علاقة القرابة التي تربط القبائل السعوديَّة بالقبائل السوريَّة، لكن هذه المحاولات لاستمالة القبائل السورية لن تؤدي إلا إلى تعميق الانقسامات في البلاد التي مزقتها الحرب من خلال خلق خصومات بينهما, على الرغم من توفيرها لشبكات قبلية لتقديم الدعم المالي والعسكري للمعارضة المسلحة, وأدى ذلك إلى انشقاق أكثر من 20 من زعماء القبائل السورية، الذين لجأوا إلى المملكة العربية السعودية, كما برز الموقف السعودي من خلال إنشاء ما يسمى «التيار العربي المستقل» في منطقة الجزيرة.
 
سابعاً). إسرائيل تدخل على خط لتنافس الدولي على شرق الفرات:
يعتبر الكيان الإسرائيلي الأزمة السورية مرتبطة بأمنه القومي ودوره وحضوره في منطقة الشرق الأوسط, وبدأ التدخل الإسرائيلي في الحرب السورية على الأرض في أكثر من بؤرة نزاع, أمَّا في منطقة الجزيرة العربية, ارتبط الموضوع بالدعم الإسرائيلي للكرد سياسياً وعسكرياً, وتحدثت سابقاً صحيفة “الرأي اليوم” اللندنية عن وصول معدات عسكريَّة “إسرائيلية” إلى مناطق انتشار “قسد” المدعومة أمريكيَّاً شرق الفرات.
وفي هذا السياق يمكن إجمال أبرز نتائج حالة الاستقطاب السياسي للعشائر العربية فيما يلي:
§        تحويل العشيرة من بنية اجتماعيَّة إلى كيان سياسي وعسكري.
§        انقسام العشيرة الواحدة بين الجهات الداعمة، محليَّة أو إقليميَّة على المستوى السياسي، بحيث أصبح لذات العشيرة عدَّة زعامات (مشايخ) بحسب المنطقة الجغرافيَّة وجهة السيطرة عليها.
§        أن تملك بعض العشائر كيانات عسكريَّة منقسمة من حيث الولاء والتبعيَّة بين جهات السيطرة والقوى الإقليميَّة والمحليَّة.
§        زيادة حالة انعدام الثقة والفجوة بين العشائر العربية وقوات "قسد" بمكونها الكردي، والذي بدأ يشعر بتنامي قوة العشائر العربيَّة وتحالفاتها مع جهات عربيَّة وإقليميَّة.
§        انفتاح الولايات المتَّحدة بعد إعلان نهاية الحرب على تنظيم الدولة، وفرضها على قيادة "قسد" و"مسد" إعادة هيكلة مجالسها العسكريَّة والمدنيَّة المحليَّة وتمكين العرب بشكل أكبر من إدارة مناطقهم.
§        انقسم العشائر في محافظة الحسكة بين داعم للدولة السوريَّة وإيران وتركيا, في غضون ذلك، نجح قرار القوات الأمريكيَّة بالبقاء لحماية حقول النفط شرق الفرات.
وبهذا، باتت خارطة المصالح الدوليَّّة والإقليميَّة في شرق الفرات تتشكل من فاعلين مباشرين، وهم: (الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران) وفاعلين غير مباشرين (محور الإمارات/السعودية, إضافة إلى فرنسا وإسرائيل) تمر أدوارهم من خلال الوجود العسكري للفاعلين المباشرين, ولكلٍّ أهدافه الخاصة المرتبطة بوجوده في المنطقة، وهي في غالبها أهداف ومصالح متناقضة، ولكن يشكِّل الوجود الأميركي في المنطقة العامل الأكثر أهمية في رسم حدود أدوار تلك القوى بشكل يمنع تصادمها، عبر إدارة توازنات مؤقتة بين تلك المصالح بشكل يحافظ على استقرار المنطقة ريثما تحقق هي أهدافها الخاصة.
 
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 3