كتبت بشرى المقطري: اليمن.. تعدّدت الحكومات والفشل واحد

2021.10.18 - 10:12
Facebook Share
طباعة

 في يمن الحرب والمليشيات، تتغوّل سلطات الغلبة على حياة اليمنيين، بوصفها سلطات متسيّدة، تمتصّ مقدّرات دولتهم بينما تهدر حقوقهم، إذ راكمت فشلها الإداري، وأخلّت بأبسط وظائفها حيال المواطنين، فافتقارها إلى المشروعية الوطنية والأهلية القانونية، بما في ذلك القرار السيادي، جعلها سلطات ظلٍّ لا تمثل مصالح اليمنيين، وإنما مصالح حلفائها الإقليميين. وفي هذا السياق، تمثل الحكومة المعترف بها دولياً نموذجاً للفشل المركّب الذي ينعكس على مظاهر الحياة اليومية للمواطنين في المناطق المحرّرة، فعلى الرغم من دعم المجتمع الدولي الحكومة سياسياً ومالياً، فإن ذلك لم يحوّلها إلى سلطة فاعلة على الأرض، ولم يحسن من إدارتها الدولة، إذ ظلت محكومة بشروط تشكّلها بموجب "اتفاق الرياض" الذي رعته العربية السعودية، بين المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات والأحزاب السياسية الموالية للرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، كما أدّى فسادها وعبثها بموارد الدولة إلى تنامي حدّة الفقر، فبعد قرابة العام من تشكّل حكومة "اتفاق الرياض" فشلت في تطبيع الحياة في المناطق المحرّرة، فيما ما زالت تراوح في مربع التجاذبات السياسية للتغطية على فشلها، وتحمّل مسؤوليتها السياسية والأخلاقية في انهيار الاقتصاد المحلي وتدهور الخدمات.


تعتمد حكومة "اتفاق الرياض" على دعم حلفائها الإقليميين، والمجتمع الدولي، لضمان استمرارها واجهةً سياسيةً للشرعية الدولية والإقليمية في اليمن، بينما تتحدّد صيغتها المحلية، توليفةً سياسيةً لشركاء متصارعين، حيث تطغى أزماتها العميقة وصراعاتها البينية على إدارتها وظيفة الحكومة منظومةً متكاملة، الأمر الذي فاقم معاناة المواطنين اليمنيين في المناطق الخاضعة لها، وأضرّ بمصالحهم، ففي حين فشلت الحكومة في العمل على الأرض، بما في ذلك تأمين مكانٍ لمزاولة أعمالها في مدينة عدن، العاصمة المؤقتة التي أعلنتها السلطة الشرعية، فإنها ظلت مرتهنةً للدول المتدخلة في كبح أذى خصومها، إذ لم تكن عودة الحكومة اليمنية إلى مدينة عدن أخيراً، ممثلة برئيس الوزراء، معين عبد الملك، نتيجة خفض مستوى التوتر مع المجلس الانتقالي الجنوبي، الطرف الثاني في الحكومة والمسيطر على مدينة عدن، وإنما على ضمانات حليفها السعودي، لتوفير الحماية للحكومة في مواجهة سطوة المجلس الانتقالي، وأيضاً تزايد ضغوط المجتمع الدولي على الحكومة، واشتراط المانحين الدوليين توفير الدعم المالي للحكومة في حال عودتها إلى مدينة عدن، كما عجّل تصاعد هجوم مقاتلي جماعة الحوثي في جبهات شبوة ومأرب، وتهديد معقل الشرعية في مأرب، من عودة الحكومة، ليس بالطبع لإدارة المعارك، وإنما للحفاظ على ماء الوجه أمام ما تبقّى من أنصارها. والأهم من ذلك لامتصاص السخط الشعبي، نتيجة تدهور سعر العملة المحلية، إذ شهدت المناطق المحرّرة مظاهرات غاضبة مندّدة بالحكومة. مع ذلك، لا يعني عودة الحكومة تجاوز الخلافات بين فرقاء الصراع، وإن أعلن المجلس الانتقالي عن ترحيبه بعودتها، إذ إن تباين أجندات القوى المشكّلة حكومة "اتفاق الرياض" يتجاوز مجرّد إبداء المجلس الانتقالي لحسن النيات والانحناء للريح. ومن جهة أخرى، فإن حكومة فاسدة ومنقسمة على نفسها لا يمكن التعويل عليها في تطبيع الأوضاع في المناطق المحرّرة وانتشال الوضع الإنساني المتردّي الذي يعيشه المواطنون.


تشكّل بنية الصراع في حكومة "اتفاق الرياض" أبرز المشكلات التي تواجهها، بحيث أصبحت حكومة تمثيل سياسي فقط، فعلاوة على تعطيله جهازها الوظيفي، تلقي اختلالاتها بظلالها على استمراريتها في المستقبل؛ إذ إنّ "اتفاق الرياض" وإن نجح في تأطير الصراع البيني في صيغة سلطةٍ توافقيةٍ مؤقتة، إلا أنها توافقية بين الدول المتدخلة أكثر منها توافقية بين الأطراف المنضوية في الحكومة، فعلى الرغم من تحول بنود "اتفاق الرياض" إلى مرجعية عليا منظّمة للعلاقة البينية بين القوى المحلية المتصارعة، إلا أنها لم تحدّ من صراعاتها، بل أصبح مبرّراً لتمرير تجاوزاتها العسكرية والسياسية في المناطق المحرّرة. والأخطر هو تكريس سلطة سياسية مختلة ومتنافسة، الأمر الذي مثّل إعاقة دائمة لعمل الحكومة، فغياب الحد الأدنى من المشتركات السياسية بين القوى المشكلة للحكومة أدّى إلى افتقارها إلى وحدة القرار السياسي والاقتصادي، حتى في أبسط أشكاله، لتنظيم أعمالها وإدارة حياة المواطنين، كما أن استمرار اعتماد القوى المنضوية في الحكومة على قواها العسكرية على الأرض، وعلى دعم حلفائها لفرض شروطها، حوّل مشاركتها في الحكومة إلى ورقة ضغط سياسي لا أكثر، مقابل احتفاظها بكياناتها السياسية والعسكرية التي تنازع وظائف الحكومة، ومن ثم لا تمثل مشاركة هذه القوى في حكومة ائتلافية متصارعة مفروضة من حلفائها حافزاً لها في العمل تحت مظلةٍ سياسيةٍ موحدة، إذ تقتصر الأهمية السياسية بالنسبة للمجلس الانتقالي لانخراطه في حكومة الرياض على الاعتراف السياسي الدولي والإقليمي به قوة سياسية تمثّل جنوب اليمن، ومشاركته في الوفد الحكومي في مفاوضات الحل النهائي، فعلى الرغم من حرص المجلس الانتقالي على بقاء وزرائه في حكومة "اتفاق الرياض" ظلّ يمارس صلاحياته في مدينة عدن كحكومة مصغّرة، جديده إعلانه حالة الطوارئ، فيما يخضع وزراؤه لسياسة المجلس وليس لتوجيهات الحكومة. في المقابل، تنفرد قوى سياسية على الأرض، سواء تحت مظلّة الشرعية أو خارجها، بسلطة القيام بأعمال الحكومة، سواء حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يدير تعز دولةً داخل الدولة، أو المجلس السياسي للمقاومة الوطنية في الساحل الغربي الذي يترأسه العميد طارق محمد عبد الله صالح محميةً خاصة.


في مستوى أعمق من صراعات الفرقاء في حكومة "اتفاق الرياض" مثل التوافق السعودي - الاماراتي الذي شكّل بنيتها ونسبها السياسية لتلافي صراع وكلائه قيداً مضاعفاً على الحكومة، فعلى الرغم من الفساد المستشري في حكومةٍ لا تحكم، ولا تستطيع حتى تأمين محيط إقامتها في مدينة عدن، فإن هناك مشكلات أنتجتها الدول المتدخلة في اليمن، إذ لم تحدّد فقط مهام حكومة "اتفاق الرياض" ووظيفتها، بل وحتى المجال السياسي الذي تتحرّك وفقه، ومع أن الحكومات السابقة ظلت، هي الأخرى، خاضعةً لقيود حلفائها الإقليميين، فإنّ حكومة "اتفاق الرياض" أكثر ارتهاناً للدول المتدخلة، بما يتجاوز شخص رئيس الوزراء، رجل السعودية والإمارات في اليمن، إذ إنها، كما اتضح من أداء الحكومة، ما يقارب العام، ظلت مقيدةً بالشروط السياسية والاقتصادية لحلفائها الإقليميين، ومن ثم افتقرت للصلاحيات، فإضافة إلى مصادرة القرار العسكري لصالح حليفها السعودي، فإنها مرتهنةٌ للسياسة الاقتصادية لحليفها السعودي، سواء بتصدير النفط أو بإدارة السعودية الوديعة في البنك المركزي في عدن، وكذلك منحة الوقود، إضافة إلى عجزها عن وقف تدهور العملة المحلية، والفشل الذريع في إدارة الجانب الخدمي، كعجزها عن إنهاء أزمة الكهرباء في المناطق الخاضعة لها. ومن جهة أخرى، لا تملك الحكومة الحالية الشجاعة الأخلاقية في تبني موقف سياسي يمسّ سيادة البلاد، أو حياة مواطنيها في المنطقة، بما في ذلك أعمال العنف التي شهدتها مدينة عدن، من قوات المجلس الانتقالي من دون موافقة حلفائها الإقليميين. من خلال مهامها الوظيفية وصلاحياتها، فإن حكومة "اتفاق الرياض" ليست سوى حكومة ظل للدول المتدخلة في اليمن، تماماً كحكومة صنعاء، فهي حكوماتٌ أكثر عجزاً من أن تدير شؤونها، أو أن تتوصل إلى تسويةٍ لصراعاتها البينية، فضلاً عن فشلها في إدارة دولة وتحسين شروط حياة مواطنيها.

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط 


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 10