قصة مجزرة الجزائريين في باريس ١٩٦١

اعداد جوسلين معوض

2021.10.18 - 04:44
Facebook Share
طباعة

 بعد 60 عاما..  لم تغب عن ذاكرة الجزائريين ،  أحداث 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961، التي ذهب ضحيتها "المئات" من أهاليهم في باريس، على يد الشرطة الفرنسية.

حين دعت جبهة التحرير الوطني الجزائرية، التي كانت تقود وقتها حربا على سلطات الاستعمار الفرنسي، العمال الجزائريين إلى الخروج في مسيرات سلمية بباريس احتجاجا على حظر التجول، المفروض عليهم تحديدا، من الثامنة والنصف مساء إلى الخامسة والنصف صباحا، من قبل مدير الشرطة وقتها، موريس بابون.

وخرج عشرات الآلاف من المتظاهرين السلميين الجزائريين، بينهم نساء وأطفال، من الأحياء العشوائية إلى شوارع وسط باريس، استجابة لنداء جبهة التحرير الوطني، على الرغم من منع السلطات الفرنسية، التي يبدو أنها أعطت التعليمات إلى أجهزة الأمن بقمع المتظاهرين بكل الوسائل.

ولكن أجهزة قمع المظاهرات كانت في استقبالهم في مداخل الشوارع الكبرى، حسب المؤرخين، الذين نقلوا روايات الشهود والمشاركين في المظاهرات، فاندلعت مواجهات دامية بشارع سانت ميشيل، وحي سانت سيفرين، وتكررت المشاهد الدامية في أحياء أخرى من باريس وضواحيها.

وكان القمع غاية في الضراوة والوحشية، حسب المؤرخين البريطانيين، جيم هاوس ونيل ماكماستر، اللذين وصفا ما تعرض له الجزائريون يوم 17 أكتوبر/ تشرين الأول في كتابهما "الجزائريون، الجمهورية ورعب الدولة"، بأنه "أعنف قمع لمظاهرة في أوروبا الغربية في التاريخ المعاصر".

ويذكر مؤرخون وكتاب شهدوا الأحداث أن الشرطة اعتقلت نحو 14 ألف جزائري واحتجزتهم في مراكز الشرطة وفي محتشدات أنشأتها لهم خصيصا، في قصر الرياضات في باريس، وقصر المعارض، وتعرضوا هناك للاستجواب والإهانة والضرب والتعذيب، والقتل، حسب شهود.

كما رحلت السلطات الفرنسية آلاف العمال الجزائريين من باريس وضواحيها إلى الجزائر، بسبب مشاركتهم في المظاهرات.

ويقدر المسؤولون الجزائريون ضحايا قمع مظاهرات 17 أكتوبر / تشرين الأول 1961 من 300 إلى 400 قتيل، ألقي بجثث العشرات منهم في نهر السين، فضلا عن المفقودين.

الحظر العنصري هو الذي دفع بالجزائريين إلى تحديه بالمسيرات السلمية، ولكن الواقع أن ما حدث هو فخ نصبته لهم الشرطة، لكي ترهب الجزائريين بقمع وحشي لم تقم به النازية ".

ويقول المؤرخ الفرنسي، جون لوك إينودي، في كتابه "معركة باريس"، إن أكثر من 100 إلى 150 جزائري قتلوا أو اختفوا قسرا في أحداث 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961 في باريس، وحمل المؤرخ الشرطة الفرنسية بقيادة، موريس بابون، صراحة مسؤولية قتلهم.

وفي عام 1999 رفع بابون، الذي أدين عام 1998 بالتعاون مع النازية، دعوى قضائية ضد إينودي، بتهمة القذف، ولكن محكمة مدينة بوردو أسقطت الدعوى.

أما السلطات الفرنسية فتقول في تقاريرها الرسمية إن ضحايا الأحداث 3 أشخاص فقط، توفي أحدهم بسكتة قلبية.

ويطرح مؤرخون، مثل الفرنسي إينودي، أول من أماط اللثام عن دور الشرطة الفرنسية في أحداث 17 أكتوبر 1961، تساؤلات عديدة بشأن "تغييب رسمي" لهذه الأحداث في وسائل الإعلام والجامعات والكتب التاريخية.

ويرون أن السلطات الفرنسية والمسؤولين عن الأحداث تحديدا، مثل مدير الشرطة، موريس بابون، ورئيس الوزراء ميشيل دوبري، ووزير الداخلية روجي فراي، سعوا إلى فرض الصمت بشأن القضية، ولذلك سقطت جميع التحقيقات القضائية التي فتحت وقتها، وعددها نحو 60 تحقيقا، كما مُنع الصحفيون من زيارة المراكز التي كان يحتجز فيها الجزائريون.

لم تعترف الدولة الفرنسية إلى اليوم بمسؤوليتها عن مقتل المتظاهرين الجزائريين في أحداث 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961، ولكن حصل تقدم في نظرة المسؤولين المحليين إلى الأحداث، إذ دشن رئيس بلدية باريس في عام 2001، بيرترون دولانوي، نصبا تذكاريا في جسر سانت ميشيل تخليدا لذكرى ضحايا 17 أكتوبر.

وفي عام 2011، وضع الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، إكليلا من الزهور في جسر كليشي، على نهر السين أيضا الذي ألقي منه جزائريون في الأحداث.

وفي عام 2012 ، أقر هولاند بحدوث المجزرة، وهي المرة الأولى التي يفعل فيها رئيس فرنسي ذلك.

وفي بيان بمناسبة الذكرى الستين للمجزرة، ندد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السبت بـ"جرائم لا مبرر لها بالنسبة إلى الجمهورية"، خلال إحياء الذكرى الستين لقتل متظاهرين جزائريين في 17 أكتوبر 1961 في باريس.

وقال بيان لقصر الإليزيه، إن رئيس الدولة "أقر بالوقائع، إن الجرائم التي ارتكبت تلك الليلة تحت سلطة موريس بابون (قائد شرطة باريس يومها) لا مبرر لها بالنسبة إلى الجمهورية".

وأقيمت المراسم على ضفاف نهر السين بالقرب من جسر بيزون الذي سلكه قبل ستين عاما متظاهرون جزائريون وصلوا من حي نانتير الفقير المجاور، تلبية لدعوة فرع "جبهة التحرير الوطني" في فرنسا.لكن على الرغم من ذلك لم يرق كلاهما إلى مستوى توقعات أولئك الذين طالبوا بالاعتذار والتعويضات، خاصة وأن أي منهما لم يقر بعدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم في تلك المجزرة، أو بدور الدولة فيها.

وفي سياق متصل قالت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، في تقرير بعددها الصادر هذا الاثنين، إن مشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذا السبت في مراسم رسمية لإحياء الذكرى السنوية الـ60 لقتل متظاهرين جزائريين في باريس واستنكاره “لجرائم” لا مبرر لها، هي مبادرة تندرج في إطار السعي وراء المشروع “العظيم” للرئيس الفرنسي حول الذاكرة، الذي يريد أن يجعل من فترته الرئاسية فترة بناء علاقة طبيعية مع الجزائر. وفي هذا الإطار، كلف ماكرون المؤرخ بنجامين ستورا بكتابة تقرير وصياغة توصيات لإقامة مبادرات حول الذاكرة المشتركة مع الجزائر.

غير أن الجزائر تنظر من بعيد، إن لم يكن بازدراء، إلى تحركات الرئيس الفرنسي هذه، كما تقول “لوفيغارو”. كما أن تقرير ستورا استقبل ببرودة من قبل الجزائريين. كما أن باريس تسببت مؤخرًا في أزمة دبلوماسية مع الجزائر، على خلفية تشديدها منح التأشيرات وخفضها إلى النصف كتدبير انتقامي، واتهام انتقاد ماكرون لـ”النظام السياسي العسكري” الجزائري، ثم تشكيكه في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي. وهي تصريحات قررت الجزائر عقبها إغلاق مجالها الجوي أمام الجيش الفرنسي واستدعت سفيرها لدى باريس للتشاور.

واعتبرت “لوفيغارو” أن إيمانويل ماكرون يواجه تحديًا مزدوجًا في الملف الجزائري. فمن ناحية، يجب أن يتصالح مع السلطات المحلية، التي ترفض ممارسة لعبة الشراكة وتغذي بدلاً من ذلك انعدام الثقة “المصطنع” مع فرنسا. ومن ناحية أخرى، على ماكرون أن يأخذ في الاعتبار مواقف الفرنسيين، لاسيما المقربون منه، الذين تنقل “لوفيغارو” عن بعضهم “استبعادهم لأي خطوة إيجابية من الجزائر” في إطار “مصالحة الذاكرة” المشتركة مع فرنسا.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 4