كتب ماجد عزام:عن صفقة نيوكاسل يونايتد

2021.10.16 - 01:28
Facebook Share
طباعة

بعد عامين على انطلاق الفكرة، وعام على طرحها بشكل عملي أمام رابطة الدوري الإنكليزي، أجازت الأخيرة صفقة شراء صندوق الاستثمارات العامة السعودي نادي نيوكاسل يونايتد العريق. طوال الوقت، كان النقاش سياسياً بامتياز، أو بالحد الأدنى سياسياً اقتصادياً رياضياً حول الصفقة وخلفياتها ومضامينها وتداعياتها، ما أدى إلى وصولها إلى طاولة لجنة الثقافة والإعلام والرياضة في مجلس العموم البريطاني. ولا شك في أن الحسم كان سياسياً - اقتصادياً - رياضياً أيضاً، تحديداً في ما يتعلق بالعاملين اللذين أعاقا الصفقة، والمتمثلين بتبعية الصندوق الاستثماري مباشرة للحكومة، كما قرصنة حقوق بث قناة بي أن سبورت الرياضية القطرية في الأراضي السعودية، علماً أنها الناقل الرسمي والحصري للدوري الإنكليزي في المنطقة العربية، هذا إضافة طبعاً إلى نقاش موازٍ، إنساني وقانوني وإعلامي جماهيري مفتوح بشأن الصفقة وأهدافها وآفاقها من منظمات حقوق الإنسان في بريطانيا والعالم، على خلفية السجل السيئ للسلطات السعودية في هذا المجال.

بناء على ما سبق، تشكّل رأي عام سياسي ورياضي وقانوني وإعلامي رافض للصفقة، على الرغم من تأييد جماهير نيوكاسل الساحق لها، رغبة منها في انتشال ناديها العريق من الواقع المزري الذي عاشه في حقبة المالك السابق مايك أشلي. ولكن هذا التأييد لم يحل دون عرقلة الصفقة وتجميدها، عبر إعلان الصندوق السعودي رسمياً انسحابه منها لأسباب اقتصادية وإجرائية، كما قال في بيانه في يوليو/ تموز من العام الماضي.


إذن، السبب المركزي الذي أعاق الصفقة كان التخوّف من علاقة الصندوق بالحكومة السعودية أو تبعيته لها بشكل مباشر، واحتمال تأثير الأخيرة على النادي الإنكليزي العريق أو تحكمها به. ولكن ضمن أسباب أو بيئة سياسية واقتصادية مستجدّة تمّ تقديم تعهدات وضمانات قانونية ملزمة بعدم تدخل الحكومة في إدارة النادي بأي حال، وأن الصندوق سيتصرّف وكأنه هيئة مستقلة، وسيكون رئيسه، ياسر الرملان، بمثابة المدير غير التنفيذي للنادي، مع احترام تام وصارم لقواعد ولوائح الرابطة والدوري وكرة القدم والرياضة بشكل عام.

السبب المركزي الذي أعاق الصفقة التخوّف من علاقة الصندوق بالحكومة السعودية أو تبعيته لها بشكل مباشر

لم يقنع هذا المَخْرج كثيرين طبعاً، كون الصندوق سيادياً وتابعاً للحكومة السعودية، ويترأسه ولي العهد محمد بن سلمان. وكان لافتاً جداً في هذا الصدد حديث مدرّب نادي نيوكاسل الحالي، ستيف بروس، عن تلقيه اتصالاً من السفارة السعودية في لندن، للحضور من أجل التباحث في مستقبل النادي، بعدما بات بروس بمثابة مدرّب انتقالي في ظل مغادرة حتمية، في الشتاء أو في الصيف على أبعد تقدير، لاستقدام أحد كبار مدرّبي أوروبا، بينما تعاطى لاعب مانشستر يونايتد السابق ومدرب نيوكاسل الحالي باحترافية شديدة مع الحدث. وما كان لهذا المَخرج ليمر لولا تجاوز العائق المركزي السياسي والاقتصادي والرياضي الثاني للصفقة، والمتمثل بالنزاع القضائي بين قناة بي أن سبورت القطرية والسلطات السعودية، والذي وصل إلى منظمة التجارة العالمية حول قرصنة السلطات في الرياض حقوق بث القناة الحصرية، كما منعها من العمل في السعودية، على الرغم من أنها الناقل الرسمي والحصري للدوري الإنكليزي في المنطقة العربية بصفقةٍ بلغت مئات ملايين الدولارات. وهذا يعني أن السعودية سعت وعبر ذراعها الاستثماري الرئيسي لشراء نادٍ يلعب في الدوري الإنكليزي، بينما تتغاضى عن قرصنة حقوق بثه الحصري على أراضيها. في الفترة الماضية، تم الإعلان عن التوصل إلى تسوية بين الطرفين، وستعود قناة بي أن سبورت للعمل في السعودية، كما ستتوقف قرصنة بثها وبرامجها ومسابقاتها، مع حديث حتى عن منحها تعويضاً مناسباً عن المرحلة الماضية، خصوصاً بعدما حكمت منظمة التجارة الدولية لمصلحتها.

إذن؛ لم يكن تعهد الحكومة السعودية بعدم التدخل في إدارة النادي الإنكليزي كافياً، لولا التسوية مع قناة بي أن. سبورت، وجاء ذلك كله معطوفاً أيضاً على الانفتاح والمصالحات والتسويات في المنطقة والعالم، تحديداً في ما يتعلق بإنهاء الحصار العربي الرباعي على قطر، وتعهدات باحترام أكثر لحقوق الإنسان، أو على الأقل عدم انتهاكها بشكل فظّ وصريح، كنتاج مباشرة للبيئة الناتجة عن مغادرة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، البيت الأبيض، ومجيء الديمقراطي جو بايدن ووضعه ملف حقوق الإنسان على أجندة علاقاته مع السعودية ودول أخرى.

سياسياً واقتصادياً؛ يمكن الحديث أيضاً عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مع المضي في تنفيذ آلية "بريكست"، وحاجة البلاد إلى استقدام استثمارات ضخمة لإنعاش الاقتصاد، خصوصاً في مرحلة التعافي من جائحة كورونا، مع الانتباه إلى أن صفقة شراء "نيوكاسل" كلّفت الصندوق السعودي نصف مليار دولار تقريباً، مع تعهدات وخطط بصرف مئات الملايين، وربما مليارات أخرى لتطوير بناه التحتية، وجلب لاعبين ومدرّبين كبار لإعادة النادي العريق إلى المنافسة ومنصات التتويج إنكليزياً وأوروبياً. وهذا يفسر تأييد الحكومة البريطانية المستتر، شبه العلني، للصفقة طوال الوقت، لآثارها الاقتصادية الإيجابية، ولعلاقتها الوثيقة السياسية والتجارية مع الحكومة السعودية. ولكن ما كان في وسعها التدخل الفظّ والعلني لتمريرها أمام العوائق الجدّية متعدّدة المستويات التي واجهتها.

مرّت الصفقة سياسياً واقتصادياً ورياضياً، لكن النقاش الإنساني والقانوني والجماهيري والإعلامي مستمرٌّ بشأنها

في كل الأحوال، مرّت الصفقة سياسياً واقتصادياً ورياضياً، لكن النقاش الإنساني والقانوني والجماهيري والإعلامي مستمرٌّ بشأنها، مع توجس كل أندية الدوري الإنكليزي (19 من أصل 20)، باستثناء "نيوكاسل" طبعاً، من الصفقة، ودعوتها إلى اجتماع عاجل لمناقشة آثارها وتقليص أضرارها، وليس لعرقلتها أو إلغائها بعدما باتت أمراً واقعاً.

وعموماً، جاء أفضل تلخيص أو تعبير عن الصفقة وحجم التناقض بين تأييد جماهير نيوكاسل العارم والمعارضة الواسعة لها خارج أسوار النادي، فقد كتب أسطورة نيوكاسل وإنكلترا اللاعب السابق آلان شيرار، في صحيفة أتليتيك (السبت 9 أكتوبر/ تشرين الأول) حرفياً: "كغيري من المنتمين إلى هذا النادي تلتهمني مشاعر متناقضة، والسبب سنوات الفشل الذريع الذي تسببت فيه الإدارة السابقة، وفي مقدمتها مايكل أشلي. والكل متحمّس للتغيير والتحول الكلي تحت الإدارة الثرية الجديدة، والمحيط الخارجي، لا سيما ممن لا يشجعون نيوكاسل، لا يمكنهم استيعاب مشاعر جماهير الماكبايس. نحن لم نكن مثل شيفيلد وينزداي، أو غريمنا سندرلاند، ولسنا مثل ديربي كاونتي الآن، نحن نادٍ تاريخي ولم نقع في أزمة حقيقية، ولكن في الوقت نفسه نشعر بأننا نعيش في أزمة. وعلينا التفهم أن العالم ليس مثالياً، وكل ما نأمله فقط أن تعاد الحياة لنادينا عن طريق الملّاك الجدد".

لم يكن تعهّد الحكومة السعودية بعدم التدخل في إدارة النادي الإنكليزي كافياً، لولا التسوية مع قناة بي أن. سبورت

وختم أسطورة نيوكاسل "تضعنا كرة القدم في مواقف صعبة. ويمكن أن تجعل منا منافقين أيضاً. وعلى الرغم من أن أنصار النادي أيدوا بأغلبية ساحقة أن يباع "نيوكاسل" إلى صندوق الاستثمارات السعودي، إلا أن إدارة الفريق لم تستشرهم بشكل حقيقي". "هذه صفقة تم إجراؤها بين ملياردير وبعض المليارديرات الأكثر ثراءً. لم تتم استشارتنا. ولم يكن لدينا خيار. وعلى المعترضين على الصفقة النظر أيضاً إلى الأموال الروسية، والصينية، والإماراتية، في الدوري الإنكليزي، وأنا أريد للنادي أن يمثل مدينتي، وليس نظاماً استبدادياً، لكن يبدو أن الشيء الثاني سيفتح الطريق أمام الأول".

هنا لا بد من الإشارة إلى أن الفرع البريطاني لمنظمة العفو الدولية يعمل فعلاً على حلّ معادلة أو معضلة آلان شيرار، وهو طلب اجتماعاً رسمياً مع رابطة الدوري الإنكليزي لفرض قواعد جديدة لحوكمة كرة القدم، بصفتها رياضة عالمية بحاجة إلى تحديث قواعد الملكية بها لمنع أي متورّطين في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من الشراء في ظل شغف كرة القدم الإنكليزية وبريقها، كون توافق قواعد الملكية مع حقوق الإنسان سيصبّ في مصلحة اللعبة على المدى البعيد.

المصدر:https://www.alaraby.co.uk/opinion/%D8%B9%D9%86-%D8%B5%D9%81%D9%82%D8%A9-%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%83%D8%A7%D8%B3%D9%84-%D9%8A%D9%88%D9%86%D8%A7%D9%8A%D8%AA%D8%AF

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبر عن رأي كاتبه فقط 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 9