كتب علي باكير: عودة طالبان.. مستقبل الدور التركي في أفغانستان

2021.09.01 - 08:53
Facebook Share
طباعة

 في تصريحات له الأسبوع الماضي لوسائل إعلام صينية، قال الناطق باسم حركة طالبان سهيل شاهين إن تركيا تعدّ شريكاً رئيسياً للحركة خلال المرحلة المقبلة.


مشيراً إلى أنّ "إمارة أفغانستان الإسلامية تحتاج إلى الصداقة والدعم والتعاون مع تركيا أكثر من أي دولة أخرى"، مؤكداً في نفس الوقت أنّ أفغانستان تسعى إلى التركيز في تعاونها مع تركيا على مجالات الرعاية الصحية والتعليم والاقتصاد والبناء والطاقة والمناجم.


لا شك أنّ هذه التصريحات تعدّ مؤشراً إيجابياً على وجود تطوّر في نظرة طالبان تجاه تركيا، لكن لا بد أن يتبع ذلك خطوات عملية تترجم هذه التصريحات إلى أفعال.


حالياً، تقع تركيا في منطقة بين معسكر الرابحين والخاسرين من صعود طالبان، في انتظار التطورات التي ستلي مرحلة الحوار بين الطرفين. وبالرغم من عدم وجود علاقات مباشرة بين تركيا وطالبان خلال المرحلة السابقة، فإنّ القوات التركية الموجودة في أفغانستان منذ حوالي عقدين من الزمن كان لها وضع خاص هناك.


فالقوات التركية عملت ضمن جهود تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد، وركّزت بشكل أساسي على الجانب الإنساني وعلى تأمين المساعدات للشعب الأفغاني، ولم تشترك أو تنخرط في أي عمليات قتالية ضد أي طرف في أفغانستان. علاوةً على ذلك، فقد ساهمت بعض الشركات التركية في أعمال مرتبطة بالبنية التحتيّة في البلاد. وقد استطاعت أنقرة توظيف هذه الجهود لكسب عقول وقلوب الأفغان.


سيطرة طالبان على أفغانستان ستوفّر فرصاً لتركيا لكنّها ستفرض عليها تحدّيات من دون شك. على سبيل المثال، سيشكّل موضوع اللاجئين الأفغان تحدّياً رئيسياً للحكومة التركية بعد أن أطلقت سيطرة طالبان موجة جديدة من اللاجئين باتجاه تركيا.


وفقاً لأرقام المفوضية السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين، تعتبر تركيا الدولة الأولى في العالم من ناحية عدد اللاجئين الذين استقبلتهم من بلدان عديدة على رأسها سوريا. وتشير الإيكونوميست الى أنّ هناك في تركيا ما بين 200 ألف إلى 600 ألف أفغاني استقبلتهم أنقرة خلال العقد الماضي، إلى جانب تقارير أخرى تؤكد استمرار تدفق اللاجئين الأفغان إلى تركيا عبر إيران.


يُعدّ موضوع اللاجئين من المواضيع الأكثر حساسية مؤخراً داخل تركيا، وهو يضع ضغوطاً سياسية واقتصادية واجتماعية على أنقرة التي تريد أن ترى دوراً أكبر للمجتمع الدولي والدول الغربية في تحمّل المسؤولية الأخلاقية والإنسانيّة. وفي الوقت الذي تحاول فيه الدول الغربية الضغط على تركيا لاستيعاب المزيد من اللاجئين دون تقديم الدعم اللازم لهذه العملية، يرى بعض المراقبين الأتراك أنّ الجانب الإيراني على سبيل المثال يريد استخدام هذه الورقة لتعزيز الانقسامات الداخلية في تركيا، وزيادة الضغط عليها في ملفات أخرى من بينها الملف السوري، وذلك بدليل أنّ موجة اللاجئين تتدفق إلى تركيا عبر الحدود الإيرانية، ولا يبدو أنّ السلطات هناك تبذل ما بوسعها لإيقاف هذه الموجة.


لكن وبخلاف موضوع اللاجئين، تسعى تركيا إلى تحقيق الأمن والاستقرار في أفغانستان وترى أنّ المساعدة على تحقيق هذا الهدف ستؤمّن عدّة مكاسب استراتيجية لها، ليس أقلّها وضع حد لإشكالية اللاجئين، وفتح المجال واسعاً أمامها للمشاركة في عملية إعادة الإعمار وفي مساعدة الأفغان على استثمار ثرواتهم المنجميّة التي يُقدّر ثمنها بما بين 1 إلى 3 تريليونات دولار أمريكي. وتسعى طالبان كما هو واضح إلى الاستفادة من خبرات الأتراك في مجالات أخرى كالصحة والتعليم والطاقة.. إلخ.


الجانب التركي حريص على الحفاظ على أمن واستقرار أفغانستان، ولتحقيق ذلك، يرى أنّ الانخراط في المجال الاقتصادي لا يكفي، وإنما يتطلب ذلك انخراطاً في المجالات السياسية والأمنية كذلك. المشكلة الأساسية في هذا السياق أنّ علاقات تركيا مع طالبان محدودة، ومحاولات الانخراط المباشر مع الحركة بدأت بشكل أساسي مع تشجيع الحوار الأفغاني-الأفغاني قُبيل المقترح التركي تشغيل وتأمين مطار كابل الدولي بمشاركة باكستان والمجر.


وعلى الرغم من أنّ حركة طالبان علّقت على هذا المقترح بشكل فُهم منه وجود موقف سلبي لكون تركيا عضوة في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فإنّها لم تغلق الباب أمام مثل هذا الاحتمال بعد. سهيل شاهين نفسه كان قد أشار في يونيو/حزيران الماضي إلى أنّ "تركيا دولة إسلامية عظيمة، وأفغانستان لها علاقات تاريخية معها. نأمل في أن تربطنا بهم علاقات وثيقة وطيبة مع تأسيس حكومة إسلامية جديدة في البلاد في المستقبل”.


الجانب التركي كان قد طرح بدوره إمكانية إقامة حوار مع الحركة بحكم الأمر الواقع والتطورات على الأرض وحتى استقبال زعيمها إن اقتضى الأمر ذلك. وبموازاة هذه التصريحات، كانت هناك تصريحات إيجابية من قبل حركة طالبان تجاه تركيا، ودخلت باكستان على الخط حيث اقترح رئيس وزرائها إجراء حوار مباشر بين الحركة وتركيا حول هذا المقترح، لافتاً إلى أنّ باكستان ستحاول بدورها إقناع الحركة.


في حال نجاح مثل هذا الحوار، فإنّ تركيا ستكون مرشّحة للعب دور وسيط بين طالبان وحلفائها في الناتو من جهة، وطالبان والولايات المتّحدة الأمريكية من جهة أخرى، وسيفتح ذلك الباب أمام الطرفين للاستفادة المتبادلة في ظل سعي طالبان للحصول على الاعتراف والشرعية الدولية، وسعي تركيا إلى تحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية في أفغانستان وآسيا الوسطى.

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 5