المحاصصة السّياسيّة تفاقم أزمة الكهرباء والحلّ بالطّاقة المتجدّدة

ناديا الحلاق

2021.08.24 - 09:09
Facebook Share
طباعة

يعاني قطاع الكهرباء في لبنان منذ تسعينات القرن الماضي من مشاكل أساسيّة، كانت سبباً في جرّ البلاد إلى أزمتة الاقتصاديّة، فهو "بطل" عجز الموازنة وتعاظم المديونيّة، بعد أن ابتلعت مدفوعات الطّاقة معظم ثروة البلاد.

 

وتفاقمت أزمة الكهرباء مؤخراً، إلى أن وصلت إلى حدّ الانقطاع الكليّ في معظم المناطق اللّبنانيّة، ما أدى إل رفع ساعات التّقنين لتتجاوز الـ 22 ساعة يوميّاً، الأمر الذي وضع القطاعات الانتاجيّة والصّحيّة والغذائيّة تحت الخطر.

 

ويعتمد الكثير من اللّبنانيين على المولّدات الكهربائيّة الخاصّة، التي بدأ أصحابها أيضاً بالتّقنين القاسي، أو بإبلاغ المشتركين التّوقف عن تزويدهم بالتيار الكهربائي، بسبب نفاذ مخزون المازوت، نظراً لما يعانيه لبنان من شحّ في المحروقات، وسط تذبذب وفرة العملات الصّعبة لزوم استيرادها. فماذا عن واقع حال مؤسّسة كهرباء لبنان؟

خسائر بالجملة

عضو مجلس إدارة كهرباء لبنان المهندس طارق عبدالله، يوضح لـ "لوكالة أنباء آسيا"، أنّ شركة كهرباء لبنان التي تديرها الدّولة، تواجه نقصاً حاداً في السّيولة، وتتكبّد خسائر بالهدر الفني وغير الفني بنسبة تصل إلى 50% تقريباً، وبسوء الجباية، ما أدى إلى تراكمات وصلت إلى 3000 مليار ليرة، وهو رقم بلا قيمة بعد انهيار العملة الوطنيّة، وأخيراً بانخفاض سعر التّعرفة.

الشّراكة بين القطاعين

ويضيف، من بين المشاكل التي تواجه المؤسّسة أيضاً، تسجيلها عجزاً في الإنتاج فضلاً عن شبكة التوزيع الرّئيسيّة التي تسببت بهدر كبير، والحلّ لن يكون إلا بتلزيم التّوزيع للقطاع الخاصّ من خلال عقود مبرمة، لكن البعض وللأسف مازال متمسكاً بالمشروع الفاشل و "الترقيعي" للتّيار الوطني الحرّ ورئيسه جبران باسيل، مؤكّداً على أنّ أزمة الكهرباء في لبنان هي مزيج من الفساد والهدر وسوء الإدارة.

هدر وفساد

ويشير عبدالله إلى أنّ باسيل هو من أوصل القطاع الكهربائي إلى هذه المرحلة، فالأموال التي حوّلها المصرف المركزيّ إلى مؤسسة كهرباء لبنان، بين الأعوام 2000 و2008 أي قبل تسلّم الفريق العوني وزارة الطّاقة، كانت حوالى ملياري دولار، أما في الفترة الممتدة بين 2008 و2020، أي خلال تغلغل العونيين في "الطّاقة"، فوصل إلى 21 مليار دولار، وهي أموال خصّصت لمشاريع فاشلة.

وبحسب البنك الدّولي، نصف الدّين العامّ في لبنان، أيّ 40 مليار دولار يعود إلى قطاع الكهرباء، فيما يتحدّث عبدالله عن رقم يعتبره أدقّ، وهو 70 مليار دولار، على مدى الـ 25 سنة الماضية، إذا ما تمّ احتساب كلفة استيراد المازوت لزوم المولّدات الخاصّة.

إصلاح من نافذة الأردن

ويرى أنّ الحلّ السّريع والفعّال لتحسين قطاع الكهرباء في لبنان هو الأردن، وذلك بسبب، القرب الجغرافي للبلدين، وجود الخطوط الهوائيّة التي لا تتطلب إلا الصّيانة والتّوسيع، إضافة إلى وجود الغاز المصري فيه، وهو ما صرحت به السّفيرة الأميركيّة في لبنان دوروثي شيا مؤخراً، بعد صدور قرار من الإدارة الأميركيّة، بمتابعة مساعدة لبنان لاستجرار الطّاقة الكهربائيّة من الأردن عبر سوريا، معتبراً أنّ هذا الطّرح جيّد، وإن تمّ العمل به فباستطاعت لبنان تحسين قطاع الكهرباء، بمستويات قياسيّة خلال فترة وجيزة لا تتعدى الثّمانية أشهر.

وعن إمكانية تنفيذ هذا المشروع في ظلّ حدّة الأزمتين الاقتصادية والماليّة يقول، يبدي كلّ من الإدارة الأميركيّة والمملكة الأردنيّة، اهتماماً كبيراً بالمشروع، كما وأنّ الأردن يرحّب به، تفادياً للأحداث والاشتبكات التي تحصل على حدوده الشماليّة.

وفي بلد تصدم جميع خططه ومشاريعه، بحائط الزبائنيّة السّياسيّة والمحاصاصات والمشاريع الحزبيّة، يبقى الحلّ الوحيد بالشّفافيّة والموضوعيّة.

وبحسب عبدالله تبقى هذه المشاريع حبراً على ورق إلى حين تشكيل حكومة إصلاحيّة.

 

يذكر أن الطّاقة الكهربائيّة الإجمالية للبنان تبلغ حوالى 3000 ميغاوات، لكن الدولة تولد فقط 1300 ميغاوات، من دون الإمدادات التركية البالغة 370 ميغاوات. بينما يؤمّن أصحاب المولدات الخاصة النصف الآخر منها.

السّياسيّة تُغرق القطاع

في المقابل، يقول الخبير الكهربائي المهندس يحي مولود أنّ المنظومة السّياسيّة الفاسدة، المتغلغلة في السّطلة منذ 30 عاماً وحتى اليوم، أبدت فشلها الذّريع في إدارة كل القطاعات، بما فيها القطاع الكهربائي، هذه المنظومة حققت مصالحها ومصالح تياراتها السّياسيّة على حساب مصلحة المواطن اللّبناني.

ويشير إلى موضوع إهمال إنتاج معامل الكهرباء التي من شأنها الحدّ من الهدر، فمنذ العام 1998 وحتى العام 2017 لم يتم إنشاء سوى 4 معامل لإنتاج الطّاقة الكهربائيّة، هي معملي دير عمار والزّهراني عام 1998، وبعد 19 عاماً، أي خلال العام 2017 تم إنشاء معملي الذّوق والجيّة، هذا التّقصير في إنشاء المعامل، مرتبط بقرارت سياسيّة فاسدة، هدفها إبقاء معامل الانتاج التي تعمل على الدّيزيل والنّفط الأسود خدمةً لكارتيلات الفيول.

ويشدّد مولود على الفشل السّياسي اللّبناني، والمماطلة بتطبيق القانون 462 لتنظيم قطاع الكهرباء، والصادر عام 2002، وينصّ القانون على ضرورة وجود هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء، إلّا أن كلّ الوزراء في الحكومات المتعاقبة لم يلتزموا بتنفيذه، ليبقى القرار بيد الوزير حصراً.

ويشير إلى سبب مهم في أزمة قطاع الكهرباء، وهو تثبيت سعر التّعرفة عام 1996 على 9 سنتات للكيلووات، فاللّبنانيين على مدى 30 سنة كانوا يدفعون أقلّ من تكلفة الكهرباء، ما أدى إلى خسائر إضافية في خزينة الدّولة، ولاحقاً اتّضح أن سبب هذه اللّعبة كان لتمرير صفقات السّياسيين مع شركات النّفط.

إذاً كل ما حصل ويحصل في القطاع يدلّ على سياسة نفعية ربحيّة قائمةعلى حساب قطاع الكهرباء.

ويشدّد على ضرورة أن يكون دور الحكومات تدخلي إصلاحي، بهدف تنظيم الطقاعات، لكن للأسف كانت هداف زعمائنا محصورة بإنشاء المعامل أو شقّ الطّرقات، منذ تسعينات القرن الماضي وحتّى اليوم، ففي هذه المشاريع يسرق السّياسيون الحاكمون في لبنان بسهولة.

جريمة التّعتيم

وعن الأحزاب المستفيدة من تعتيم لبنان يقول، كل الأفرقاء شاركوا في هذه الجريمة، ويعدّدها: التّيار الوطني الحرّ، حركة أمل، تيار المستقبل، حزب الله، تيار المردة، والحزب التّقدمي الاشتراكي.

ويتابع، كل هذه الأحزاب والتّيارات السّياسيّة إستطاعت على مدى سنوات، تمرير صفقاتها مع تجّار النفّط وهم أقوى كارتيلات لبنان، واليوم يدفع قطاع الكهرباء الثّمن.

 

من جهته يؤكد الأكاديمي والخبير الإقتصادي البرفسور بيار الخوري، أن أيّ إصلاح لقطاع الكهرباء لا بد أن يعالج مشكلة التّسعيرة، التي يجب أن تكون في حدود ١٢ سنتاً للكيلووات، لتأمين التّوازن المالي الجاري لمؤسسة كهرباء لبنان، أي حوالى ٢٥٠٠ ليرة، وهو مبلغ لا تستطيع ٧٠% من العائلات اللّبنانية دفعه خصوصاً بعد الأزمة، بالإضافة إلى مشاكل سوء التّحصيل وصيانة المعامل وخطوط النّقل والتّوزيع.

ويضيف، صحيح أنّ ذلك سيبقى أوفر من اشتراك المولّدات، ولكنّه ليس حلاً مستداماً، ويحتاج إلى تفكيك الغطاء الّسياسي لاقتصاد المولّدات.

وفيما يؤكد عضو مجلس إدارة مؤسّسة كهرباء لبنان، أنّه تمّ وضع ثلاثة أهداف عالية وغير واقعيّة لمشروع الطّاقة المتجدّدة والبديلة، ومنها وصول لبنان خلال العام 2030 إلى 30% من إنتاج الكهرباء على الطّاقة المتجدّدة، أي عشر أضعاف ما ينتجه حاليّاً، وهي أرقام غير صحيحة ولا تستند إلى أسس علميّة. يقول الخوري، لقد سمح عمق الأزمة الحاليّة وخطر الفقدان الشّامل لمصادر الطّاقة التّقليدية المنتجة للطّاقة، ببداية التّوجه الاقتصادي نحو البحث عن بدائل الطّاقة النّظيفة، وإحلال طاقة الشّمس والماء والرّياح مكان الطّاقة المنتجة صناعيّاً.

ويستشهد بإحدى المستشفيات اللّبنانيّة، التي استطاعت توفير 132 ألف دولار من نفقاتها السّنوية، بعد تثبيت ألواح الطّاقة الشّمسية، وهو أمر متاح قانونياً. فمن النّاحية القانونيّة لا يحتاج أي مواطن يرغب بإنتاج الكهرباء من الطّاقة المتجدّدة للإستهلاك الفردي إلى نصّ قانوني، لذلك فإنّ معظم المشاريع التي يتم تنفيذها في لبنان تقوم على مبادرات شخصيّة، وقبل الأزمة كان مصرف لبنان يموّل حوالي 80% من المشاريع، فيما تساهم المؤسّسات الدّولية بنحو 20% من التّمويل.

الاستثمارات باتجاه "المتجدّدة"

ويردف الخوري، على الرغم من أن سوق الإستثمار في الطّاقة المتجدّدة يشهد نموّاً هائلاً، يتخطى الـ 150% مع إنخراط ما يزيد عن 150 شركة في هذا المجال، فإن إنتاج لبنان من الطّاقة المتجدّدة، من الشّمس والرّياح والمياه لم يتجاوز 460 ميغاواط، فيما تقدر حاجات لبنان من الطّاقة بحوالي 3000 ميغاواط. ويبلغ عدد مشاريع الطّاقة الشّمسية 12 مشروعاً، تتوزع بمعدل 3 مشاريع في كل محافظة، بقدرة تصل الى 15 ميغاواط لكل منها، أيّ ما يقارب 180 ميغاواط، فيما لا يتعدى عدد مشاريع الطّاقة الهوائيّة الثّلاثة التي تقع جميعها في عكار، وهي بقدرة 226 ميغاواط، تبدأ بالإنتاج عام 2022، بعد تأخّر التّمويل بفعل الأزمات المتفاقمة التي يعاني منها لبنان.

موقع جذب

ويوضح، أنّ لبنان بإمكانه الإستثمار في الطّاقة الشّمسية بشكل أكبر، نسبة لموقعه الجغرافيّ المميّز، فهو يقع في النّصف الشّمالي من الكرة الأرضيّة، حيث كميّة الطّاقة مباشرة من خلال الخلايا الكهرضوئيّة، الواردة إلى المتر المربع الواحد يوميّاً، والتي تتراوح ما بين 14 و30 ميغاجول، إضافةً إلى تمتّعه بثروة شمسيّة وافرة تقارب الـ 300 يوم سنويّاً.

 

أما الإستثمار في الطّاقة الكهرومائيّة فيعدّ الأقدم في الأجندة الطّاقويّة اللّبنانية، بدليل أن لبنان كان يؤمّن 70% من حاجاته من الطّاقة الكهربائيّة، من المعامل الكهرومائيّة في العام 1976 التي أنشئت على أكثر من 10 أنهار. وفي العام 2014 وصل الإنتاج إلى 280 ميغاواط، وكان ينتجها 19 معملاً كهرومائيّاً.

 

قبريخا تتحدّى العتمة

وتشكّل قرية قبريخا اللّبنانيّة تجربة رائدة، حيث تتمتّع بنظام قدرة 250 كيلو واط، وينتج 350 ألف كيلو واط/س خلال السّنة، وبمقدار 350.000 كيلو وات في السّاعة سنويّاً، ما يوفّر حوالى 50 ألف دولار سنويّاً على المشتركين، أو ما بين 30% و40% من حاجة القرية.

 

ويقول الخوري، تبلغ تكلفة نموذج صغير لتزويد منزل بكهرباء، بقوة 15 amp بين 3-4 آلاف دولار (من دون استعمال البطاريّات)، وبين 4-5 آلاف دولاؤ (مع بطاريّات)، ويمكن تخزين ما يقارب 6 ساعات يوميّاً (يرتبط ذلك بحسب جودة البطاريّات)، أمّا بالنّسبة للألواح فهناك عائلات عدّة، لكلّ منها نوع، وفي حال إعتمدنا نوع (متوسط الجودة)، يحتاج المشروع إلى 12 لوح، أمّا في حال كان (عالي الجودة)، عندها ينخفض عدد الألواح إلى 9 وربما إلى 8. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 8