الانقسام الامريكي بعد هجوم الكابيتول ح3

2021.07.29 - 09:07
Facebook Share
طباعة

 ثانياً. المسيحيُّون الإنجيليِّون والقوميُّون المسيحيُّون:

          قالت "بريان بينيت", في صحيفة "التايم", كشف انتخاب "بايدن" عن انقسامات على أعلى مستويات الكنيسة الكاثوليكيَّة, حيث اتخذ 10 من أقوى الأساقفة في البلاد خطوة غير عاديَّة بإطلاق "مجموعة عمل" حول كيفيَّة التعامل مع رئيس كاثوليكي مثل "جو بايدن", ومن ضمنهم الكاردينال في نيويورك "تيموثي دولان"، الذي قدَّم الصلاة في حفل تنصيب الرئيس دونالد ترامب العام 2017م، بالإضافة إلى رئيس أساقفة سان فرانسيسكو "سالفاتور كورديليون" ورئيس الأساقفة "جوزيف ناومان" في مدينة كانساس سيتي بولاية كانز، وكلاهما اقترح أن يُحرم بايدن من طقس القربان المقدَّس بسبب موقفه من الإجهاض, وفي اليوم الذي تمَّ فيه تنصيب بايدن، أصدر رئيس أساقفة لوس أنجلوس "خوسيه غوميز"، رئيس المؤتمر الأمريكي للأساقفة الكاثوليك، بيانًا قال فيه إنَّ بعض مواقف بايدن "تُقدِّم شرورًا أخلاقيَّة".
          وأشار بعض التقارير أنَّ التصويت الكاثوليكي كان هدفًا رئيسيًا لكلا الحزبين السياسيَّين الرئيسيَّين, حيث اعتمد الديموقراطيُّون ذات مرَّة على الكاثوليك، بينما يرى الجمهوريُّون تحقيق مكاسب مع المؤمنين "لا سيما الكاثوليك اللاتينيِّين" ([1]), لكن في حقيقة الأمر أنَّ ترامب يُعتبر حليف للإنجيليِّين والقوميِّين المسيحيِّين, حيث يُعتبروا من أكبر المناصرين له, وقال "جاك جنكينز" في موقع "America magazine" يمكن القول إنَّ ترامب فاز في انتخابات العام 2016م, من خلال الفوز بنسبة 80-81 ٪ من الإنجيليِّين البيض, وحيَّرت قدرته على كسب ود الإنجيليِّين البيض النقَّاد والمحلِّلين السياسيِّين([2]), ويقول بعض الأكاديميِّين إنَّ "القوميَّة المسيحيَّة" كانت وراء الكثير من الدعم الديني لحملة ترامب, وكتب عالم الاجتماع "أندرو وايتهيد" في ورقة بحثيَّة يحلِّل فيها الدَّعم للرئيس: "كان التصويت لترامب، على الأقل بالنسبة للعديد من الأمريكيِّين، دفاعاً رمزيَّاً عن التراث المسيحي للولايات المتَّحدة", ويجادل أكاديميُّون مثل "وايتهيد" و"فيليب جورسكي"، أستاذ علم الاجتماع في "جامعة ييل"، أنَّه طوال فترة رئاسته، لعب ترامب صراحة للأفكار القوميَّة المسيحيَّة, من خلال تكرار الادِّعاء بأنَّ الولايات المتَّحدة تتخلَّى عن تراثها المسيحي, ليس هذا فقط بل أشار كثير من الخبراء, في مركز "journals sagepub" للأبحاث, لم يكن فوز "دونالد ترامب" في الانتخابات الرئاسيَّة لعام 2016م, ليحدث لولا دعم الإنجيليِّين: فقد صوَّت واحد وثمانون بالمائة من الإنجيليِّين البيض لصالح ترامب، وهو ما يمثِّل أكثر من ثلث إجمالي عدد أصواته, وحسب "مركز بيو للأبحاث"، أشار المعلِّقون والباحثون إلى عوامل مختلفة لشرح هذا التأييد، مثل استخدام ترامب الاستراتيجي للقضايا المحافظة، بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ استخدام الحجج الدينيَّة, مثل الترويج لترامب كأداة لله أدخله في السرد الإنجيلي باعتباره بطلهم وحلاً لمشاكلهم([3]), والهدف النهائي لهؤلاء الإنجيليِّين هو "إقامة مملكة الله على الأرض"، وهو أمر يتضمَّن تحويل الولايات المتَّحِدة الأمريكيَّة إلى أمَّة مسيحيَّة يؤمنون بها.
          وعلى سبيل المثال للدعم لعب "ستيفن إي سترانج"، المؤسِّس والرئيس التنفيذي لشركة "كاريزما ميديا"​​، دوراً رئيسيَّاً في الترويج لصياغة ترامب كرئيس مختار من الله, قبل الانتخابات، وعزَّزت مجلَّة كاريزما، وموقعها الإلكتروني "كاريزما نيوز" التابع لها، العديد من المقالات التي تدعم ترشيح ترامب، بما في ذلك "لماذا أعتقد أنَّ ترامب هو الرئيس المتنبَّأ به" بقلم لانس والناو, وقامت شركة "Charisma Medias Front Line" بنشر العديد من الكتب الأكثر مبيعًا لـ"جوناثان كان" في "كتاب الله ودونالد ترامب"، الذي نُشر بعد عام واحد من الانتخابات في العام 2016م، شرع سترانج في شرح ما حدث بالفعل عندما فاز ترامب، حيث قام بإعداد تقريره كصحفي, بينما يشير إلى التدخُّل الإلهي والمعجزات وتأثير الصلاة، ويقدِّم "Strang" أيضًا معلومات مفيدة حول التحالف بين ترامب وأنصاره الإنجيليِّين, ويوضِّح الكتاب بوضوح سبب أهميَّة الإنجيليِّين بالنسبة لترامب، تمامًا كما هو مهم بالنسبة لهم.
          ولم يتوقَّف إنتاج الكتب التي تصوِّر ترامب كرئيس الله المختار، والتي تنبأت بها الأنماط النبويَّة والأحلام والوحي, مع انتخابات العام 2016م, وأحد أحدث الكتب حول هذا الموضوع هو "The Oracle" لـ"جوناثان كان", مؤلِّف لأكثر الكتب مبيعًا, التي نشرتها مؤسَّسة "الخط الأمامي" "كاريزما ميديا"، وتمَّ الترويج للكتاب من قبل الإنجيليِّين مثل "Jim Bakker" و"Sid Roth"، وظهر أيضًا في عدد سبتمبر من مجلَّة "Charisma Magazine Cahn ".
          وقبل الانتخابات الرئاسيَّة لعام 2020م، تم استخدام نفس استراتيجيَّات التأطير بقوَّة متزايدة, وقبل شهر واحد من الانتخابات، عُرض فيلم ""Liberty University وكان هناك المزيد من الدعاية للنبوءات الجديدة التي تتنبَّأ بأنَّ ترامب سيحصل على فترة ولاية ثانية, وبالتالي بعد الخسارة لم يقبل بعض من أنصاره الإنجيليِّين النتيجة أبدًا([4]), وحسب "Maayan Jaffe Hoffman" في "Jpost", أُصيب 78٪ من المسيحيِّين الإنجيليِّين الذين صوَّتوا لترامب بالإحباط, عندما شاهدوا بايدن يؤدِّي اليمين كرئيس 46 للولايات المتَّحدة([5]).
          وقال "Ian Lovett" في صحيفة "وول ستريت جورنال", إنَّ المؤتمر المعمداني الجنوبي ، للطائفة الإنجيليَّة الأكبر والأكثر نفوذاً في البلاد، في حالة حرب حول الاتجاه الذي سيتَّخِذه بعد رئاسة ترامب([6]).
ثالثاً. المسيحيِّون الصهاينة:
          بين الجماعات الإنجيليَّة في الولايات المتَّحدة، "المسيحيِّين الصهاينة", ولهم علاقة خاصة بإسرائيل, وبصفتهم أنَّهم كانوا من الناخبين المهمِّين لترامب، فكان لديهم تأثيرًا كبيرًا على سياسته الخارجيَّة, ويزاحمون بشكل متزايد مجموعات المصالح اليهوديَّة, أيديولوجيَّتِهم معادية للسامية بطبيعتها، لكنَّهم يميلون إلى إخفاء هذه الحقيقة, وقال "Jonathan Brenneman", في موقع "dandc" الصهيونيَّة المسيحيَّة هي معتقد يعتنقه العديد من الإنجيليِّين، الذين يمثِّلون ربع السكان المسيحيِّين في الولايات المتَّحِدة، لكنَّهم يلتزمون بتفسير أصولي للكتاب المقدَّس, ويعتقد الصهاينة المسيحيُّون أنَّه يجب على إسرائيل جمع كل يهود العالم، وتوسيع أراضيها، وتدمير الأماكن الإسلاميَة المقدَّسة، والتطهير العرقي لـ"الأرض المقدسة" من جميع غير اليهود, أيديولوجيَّتِهم مشوبة بمعاداة السامية، وتتناسب مع الصورة القائلة بأنَّ ترامب نفسه لديه نمط في استخدام الميمات المعادية للساميَّة.
          وأظهر استطلاع حديث أجرته "Life Way Research" أنَّ حوالي 80 ٪ من الإنجيليِّين يقدِّرون الصهيونيَّة المسيحيَّة بشكل أساسي, ويعتقد الخبراء أنَّ ما يصل إلى 30 مليونًا من المسيحيِّين الصهاينة, ليسوا مجرَّد مجموعة دينيَّة، لكنَّهم أصبحوا حركة سياسيَّة ذات تأثير كبير, ويتحدَّث عالم اللاهوت "روبرت أو سميث" عن "عمل سياسي مسترشد بالتزامات مسيحيَّة على وجه التحديد، لتعزيز أو الحفاظ على السيطرة اليهوديَّة على المنطقة الجغرافيَّة التي تضم الآن إسرائيل وفلسطين"([7]).
          وحسب "Zahid Salam" في موقع "Mainstream weekly" أنَّه من بين الشخصيَّات القليلة المعروفة, التي شكرت الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" على إنجازاته خلال فترة أربع سنوات, كان القس الإنجيلي "جون هاجي", زعيم أكبر منظَّمة صهيونيَّة مسيحيَّة، وهم "المسيحيُّون المتَّحدون من أجل إسرائيل CUFI"", وبعد إعلان القس "روبرت جيفريس" نفسه مؤيدًا متحمسًا لترامب، وصف الرئيس ترامب أنَّه الرئيس الأكثر تأييدًا للدين في تاريخ الولايات المتَّحدة, كذلك عمل العديد من القادة الإنجيليُّون مستشارين لدى ترامب, وتنبَّأ العديد من الشخصيَّات الإنجيليَّة الأخرى بثقة بإعادة انتخاب "دونالد ترامب" مع عدم قبول عدد قليل منهم حتى الآن رئاسة بايدن.
          ووجد استطلاع أجراه "منتدى بيو" حول الدين والحياة العامَّة أنَّ 82 في المائة من الإنجيليِّين البيض في الولايات المتَّحدة, يشاركون معتقداً رئيسيَّاً واحداً على الأقل عن المسيحيَّة الصهيونيَّة, بأنَّ إسرائيل قد وهبها الله لليهود, ويشير الاستطلاع الذي أجراه مشروع "الشرق الأوسط للبحوث والمعلومات" إلى أنَّ 80 بالمائة من الإنجيليِّين البالغين في الولايات المتَّحدة يعتقدون أنَّ إنشاء إسرائيل هو تحقيق لنبوءات توراتيَّة، والتي تتحدَّث عن إعادة تجميع الشعب اليهودي في الأرض المقدَّسة, علاوة على ذلك، فإن معظم الإنجيليِّين الأمريكيِّين "ذوي المكانة الهامَّة" مثل "جون هاجي"، و"روبرت جيفريس"، و"رالف ريد"، و"جيري فالويل جونيور"، و"بات روبرتسون" هم صهاينة مسيحيُّون, وبصرف النظر عن التبشير بالمعتقدات التدبريَّة من خلال مختلف المنابر العامَّة، يحتفظ المسيحيُّون الصهاينة بلوبي قوي في الولايات المتَّحدة, ويشتركون مع الحزب الجمهوري, ومرشحه الرئاسي, وبالتالي ذهب "دونالد ترامب" إلى أبعد من ذلك, فجعل نفسه المفضَّل على الإطلاق للصهاينة المسيحيِّين, وأعلن "جون هاجي" على موقعه الرسمي على الإنترنت أنَّه "أكثر رؤساء الولايات المتَّحدة تأييدًا لإسرائيل على الإطلاق", كما حقَّق الرئيس السابق تقريباً كل المطالب الرئيسيَّة التي طرحها المسيحيُّون الصهاينة, ابتداءاً من انتقال السفارة الأمريكيَّة من تل أبيب إلى القدس, والاعتراف بالمدينة المتنازع عليها عاصمة لإسرائيل, والتوقيع على اتفاقيَّات إبراهيم, وصفقة التطبيع بين الإمارات وإسرائيل, وانسحاب الولايات المتَّحدة من الاتفاق النووي الإيراني, وفرض عقوبات على إيران, كما شرَّعت إدارته بناء المستوطنات بشكل أساسي، وبالإضافة لـ"صفقة القرن" وأوقف الرئيس السابق تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي تتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين, وكان تعيين "ديفيد فريدمان" سفيراً للولايات المتَّحدة مشروعًا آخر أكسب إدارة ترامب حسن نيَّة كبيرة من الصهاينة الإنجيليِّين.
          بعد خسارته للانتخابات, أثار ذلك ردود فعل متباينة من المعسكر الإنجيلي, على الرغم من التردُّد الأوَّلي وسط مزاعم بتزوير الناخبين، وافق معظم القادة الإنجيليِّين البارزين على الرئاسة الجديدة، بل وقدَّموا أمنياتِهم الحارًّة ودعواتهم إلى بايدن, ومع ذلك، هناك من ليسوا مستعدِّين للتنازل والبقاء مصرِّين عليه حسب نبوءاتهم, وقال القس "ألبرت موهلر" من اللاهوت المعمداني الجنوبي, خلال مقابلة هاتفيَّة لإحدى المحطَّات"إنَّ فكرة إدارة بايدن هاريس, لا يمكن تصوُّرَها بالنسبة للعديد من الإنجيليِّين", وكان من تبعاته اقتحام مبنى "الكابيتول" من قبل مؤيِّدين لترامب, يحملون رموزًا دينيَّة مثل الأعلام المسيحيَّة, والصلبان الخشبية, واللافتات ذات الشعارات الدينيَّة, وصفها الأطلسي بأنَّها تمرُّد مسيحي.
          وبالتالي بعد استلام بايدن الحُكم, وتنفيذ قرارات مخالفة لطموحات الأنجيليِّين المسيحيِّين, والمسحيِّين الصهاينة, مثل حل الدولتين, وأعلن عن خطط للانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة فتح البعثة الدبلوماسيَّة الفلسطينيَّة، واستعادة المساعدات الماليَّة للفلسطينيِّين, مثل هذا التحوُّل السريع في صنع السياسة هو عرض واضح لتضاؤل ​​رأي وتأثير المسيحيِّين الصهاينة على الإدارة الجديدة, وقال "القس جيفريس"، يجب أن تكون الكنيسة مستعدَّة لزيادة الاضطهاد في ظل الإدارة الجديدة ".
          وبالتالي أدَّى رحيل ترامب من البيت الأبيض، الذي حل محلَّه أيضًا ديمقراطي وكاثوليكي، إلى تقليص الأصوات المسيحيَّة الصهيونيَّة إلى انتقادات صريحة موجهة فقط ضد سياسات بايدن في الشرق الأوسط, وبالتالي مع وصول فريق بايدن، خضع البيت الأبيض لتغيير عميق وهذا التغيير "ليس" جيدًا للصهاينة المسيحيَّين([8]).
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 7