هل تفسد أزمة أوكرانيا علاقات روسيا وتركيا؟

2021.06.11 - 10:02
Facebook Share
طباعة

 ما زالت كييف، بعد مرور سبع سنوات على الأزمة الأوكرانية، تأمل أن تكون الولايات المتحدة الأميركية مستعدة اليوم للعب دور فاعل في عملية السلام المجمدة، وربما انضمامها إلى رباعية نورماندي التي تقود المفاوضات، وتضم ألمانيا، وفرنسا، وأوكرانيا، وروسيا، حيث ظلت كييف متمسكة بموقفها، ولم تستسلم للشروط الروسية لإنهاء الحرب في شرق البلاد.

 
وفشلت الحكومات الأوكرانية منذ عام 2014 في إيجاد حل ينهي أزمة شبه جزيرة القرم والنزاع المستمر منذ سبع سنوات في شرق البلاد، ويعيد المنطقة إلى السيطرة الأوكرانية الكاملة. 
 
وفي الوقت الذي يستمر فيه سعي أوكرانيا للدخول إلى الهياكل الأوروبية وحلف شمال الأطلسي "الناتو"، وصلت علاقات التعاون العسكري والأمني والاقتصادي بين أوكرانيا وتركيا إلى مستوى "استراتيجي" غير مسبوق في تاريخ العلاقات الثنائية، باتت بموجبه تركيا المصدر الرئيس للطائرات المسيّرة بالنسبة للجيش الأوكراني، إضافة إلى مجالات واسعة أخرى للتعاون والتصنيع المشترك.
 
تجربة ناغورنو قره باغ
 
ولا بد من الأخذ بالحسبان أن المساهمة التي قدمتها تركيا لأذربيجان في معارك استعادتها إقليم ناغورنو قره باغ، خلقت بين عديد من الأوساط الأوكرانية الأحاديث حول فرص تطبيق سيناريو مماثل لاستعادة أراضي إقليم الدونباس الخارجة عن السيطرة، ولو بشكل جزئي "مبدئياً".
 
إلا أن الأوضاع في أوكرانيا وجنوب القوقاز بين أذربيجان وأرمينيا، تشوبها الكثير من الاختلافات، والمقارنة بشكل مباشر بين الحالتين غير واقعية، ولكن انتصار أذربيجان حرك المياه الراكدة في نزاع آخر بين فضاء دول الاتحاد السوفياتي السابق، و لفت الأنظار إلى عدة نقاط.
 
أظهر تجدد المعارك بين أذربيجان وأرمينيا، بعد ربع قرن من الجمود، فشل منصات المفاوضات الدولية، في تحقيق أي تسوية، فلم تتمكن مجموعة مينسك من وضع حد "لأزمة قره باغ"، وهي التي تأسست في إطار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أوائل التسعينيات لحل النزاع بين الجارتين أرمينيا وأذربيجان، وكانت برئاسة روسيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، بينما كان التحرك العسكري حاسماً خلال ستة أسابيع فقط.
 
ونجد تكرار تجربة قره باغ في جنوب القوقاز مع أوكرانيا، التي دخلت في عملية مينسك للسلام غير الفعالة "حتى اليوم"، حيث تم توقيع الاتفاقات في العاصمة البيلاروسية في سبتمبر (أيلول) 2014 وفبراير (شباط) 2015 بين رباعية أوكرانيا وروسيا وألمانيا وفرنسا، لتكون بمثابة خريطة طريق نحو تسوية الصراع في دونباس، بينما لم يتم بعد تنفيذ الشروط المتفق عليها في مينسك بالكامل.
 
ولا يمكن إغفال أهمية التحالفات الأمنية والسياسية والعسكرية الإقليمية، في حرب قره باغ الثانية بين أذربيجان وأرمينيا، حيث كان لتعاون أذربيجان مع إسرائيل أهمية كبرى، خلال الصراع الأخير، وكذلك لعبت المساندة التركية القوية لها دوراً رئيسياً أمام أي تحرك روسي داعم لأرمينيا، وكان لكل من الدولتين دور في جزء من انتصار أذربيجان الأخير، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بالطائرات من دون طيار عسكرياً، وسياسياً عبر دور اللوبيات في العواصم الكبرى.
 
حصلت أوكرانيا بالفعل على مجموعة من أحدث الطائرات التركية من دون طيار، مع رغبة كييف الآن في شراء المزيد، وفي غضون ذلك، تجري محادثات بشأن الإنتاج المشترك المحتمل لنماذج جديدة في أوكرانيا، حيث ستلعب الهندسة الأوكرانية أيضاً دوراً رئيساً في تطوير صواريخ تركية من الجيل الثاني، كما وردت أنباء بأن المفاوضات جارية مع إسرائيل في شأن شراء مجموعة من طائرات مسيّرة "انتحارية".
 
التعاون مع تركيا
 
وتولي أوكرانيا أهمية كبيرة للتعاون مع تركيا في الصناعات الدفاعية، إذ تعتبرها الشريك الأهم لها في هذا المجال، وتعوّل عليها في عملية انتقال كييف من نظام الجيش السوفياتي السابق إلى معايير تتيح لها الانضمام لحلف شمال الأطلسي، حتى لو لم يكن هناك حتى الآن أي احتمال واضح لخطة عمل العضوية نحو الانضمام إلى التحالف العسكري الأطلسي، حيث أعطت التدريبات والمعدات العسكرية التي قدمتها تركيا لأذربيجان، ميزة حاسمة وتغلبت تماماً على القوات الأرمينية بتدريبها وإمداداتها الروسية.
 
والجدير ذكره، أن سكان دونباس في جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك (غير معترف بهم)، معظمهم يحمل الجنسية الروسية، مع وجود 400 كم حدود مشتركة بين روسيا وجمهوريتي دونباس، وهي العوامل التي لا تنطبق على أزمة أرمينيا وأذربيجان عند مقارنتها مع أزمة شرق أوكرانيا.
 
وبحسب عديد من المراقبين من المستبعد أن تتدخل تركيا أو إسرائيل في الصراع إلى جانب أوكرانيا، لكن على الأغلب سيستمر بيعهما الأسلحة في إطار فرصة كسب الأموال.
 
أسباب الحظر "سياسية"
 
وأعلنت روسيا في 12 أبريل (نيسان) الماضي تعليق جميع الرحلات الجوية الأسبوعية إلى تركيا باستثناء رحلتين، بذريعة العدد المتزايد لحالات كورونا في تركيا، وبدأ الحديث والتكهنات وقتها بأن أسباب الحظر سياسية، وليست صحية، وخاصة أنه تم الإعلان عنه بعد يومين فقط من زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لتركيا. 
 
وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع زيلينسكي في 10 أبريل، أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن دعم تركيا لوحدة أراضي أوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في 2014.
 
وجاء هذا الاجتماع التركي الأوكراني رفيع المستوى في وقت كانت فيه التوترات في شرق أوكرانيا تتصاعد، وتزامنت مع حشود عسكرية روسية إلى حدودها المشتركة مع أوكرانيا وفي شبه جزيرة القرم. 
 
وفي المقابل، نفى الكرملين أي صلة بين حظر الطيران وزيارة زيلينسكي لتركيا، لكن ساسة روس آخرين دعوا إلى تجنب السفر إلى تركيا بسبب دعمها لأوكرانيا، ولمواجهة حظر الطيران الروسي، شجع زيلينسكي الأوكرانيين على زيارة تركيا لإظهار دعمهم.
 
وبالتزامن مع استمرار التعاون الاستراتيجي مع روسيا في مجموعة متنوعة من القضايا، قدمت تركيا أكثر من مجرد دعم خطابي لأوكرانيا، ما دفع بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى تحذير تركيا وآخرين "بعدم تشجيع الطموحات العسكرية لأوكرانيا".
 
ونقلت وسائل إعلام تركية قبل أيام عن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قوله، "موقفنا من شبه جزيرة القرم معروف، لا ينبغي لأحد أن يسيء إلى بيعنا طائرات من دون طيار لأوكرانيا، هذه تجارة"، في الوقت نفسه أشار إلى أن "موسكو تزوّد سوريا أو دولاً أخرى بالصواريخ، وأن أنقرة لا تشكك في أفعالها".
 
يبقى القول، يشكل ملف أزمة شرق أوكرانيا ورقة ضغط لتركيا على شريكتها روسيا لتحصيل مكاسب في ملفات أخرى وأبرزها الملف السوري، وبيع تركيا الطائرات المسيرة لأوكرانيا يبقى في إطار المسكوت عنه روسياً، طالما أنه لم يستخدم بعد ضد قوات روسية، أو في إلحاق الضرر بتلك المدعومة منها في شرق أوكرانيا.
 
المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبر عن رأي كاتبه فقط

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 7