لماذا تفشل الاحتجاجات الشعبية في لبنان؟

كتب جورج حايك

2021.04.13 - 09:51
Facebook Share
طباعة

 يعيش الشعب اللبناني في ضيقة اقتصادية ومعيشية خانقة وغير مسبوقة منذ أكثر من عام ونصف، مما أدى إلى موجات احتجاج بدأت في 17 تشرين الأول 2019 في حشود كبيرة امتدت من بيروت إلى كل المناطق، وسرعان ما بدأت تتراجع تدريجياً لألف سبب وسبب، لكن الفقر ازداد حتماً والغضب يكاد يتفجّر في صدور الناس التي تشعر بالإذلال على محطات الوقود والأفران والمصارف وغيرها. ثمة من يتحدث عن انفجار اجتماعي قريب نتيجة رفع الدعم عن المواد الأساسية في أواخر أيار، فلماذا فشلت الاحتجاجات السابقة؟ وهل تتجدد الاحتجاجات أو تذهب الأمور إلى فوضى عارمة لا تُحمد عقباها؟


الحلو: تحديات ونقاط ضعف

يرى رئيس مجلس أمناء المؤتمر الوطني اللبناني العميد المتقاعد خليل الحلو الذي كان حاضراً في الساحات منذ انتفاضة 17 تشرين "أن الاحتجاجات التي نشهدها من وقت إلى آخر مرتبطة بانتفاضة 17 تشرين، لكن ليس منطقياً أن تصل هذه الانتفاضة إلى اهدافها في فترة قصيرة بل هي عمل نضالي متراكم، وهذا ما حصل في فرنسا خلال انتفاضة عام 1968، وما تعيشه فرنسا اليوم هو نتيجة تلك الإنتفاضة التي أطلقت الحريات السياسية للشباب وبات حضورهم فاعلاً في الحياة السياسية هناك".


ويضيف:"لذلك لن ترى نتائج الانتفاضة اللبنانية في المستقبل القريب، لكن ما نلاحظه أن الطبقة السياسية بسبب هذه الانتفاضة أصبحت أكثر حذراً وتخلت عن غرورها حتى باتت الشخصيات السياسية تحسب ألف حساب للخروج من منازلها لإرتياد الأماكن العامة، لأنها تعرف أن الناس ستحاسبها على نحو مباشر. حتماً الأحزاب السياسية لا تزال قويّة، إلا أنه هناك محاولة لبروز طبقة سياسية أخرى من رحم هذه الانتفاضة، وهذا ما نأمله، علماً أنني لست مع شعار "كلن يعني كلن"، لأن رغم كل سلبيات هذه الدولة لا يمكن إنكار وجود بعض القامات السياسية التي لا علاقة لها بالفساد وبعضها يتمتع بخلفية تشريعية وقانونية ممتازة".


ويؤكد الحلو "أن تراجع الانتفاضة واخفاقات بعض الاحتجاجات كان بسبب التحديات التي واجهتها المجموعات المنتفضة من جهة ونقاط الضعف من جهة أخرى. نبدأ بالتحديات التي وضعت في وجه الانتفاضة وهي: التحدي الأول سلطة مكوّنة من الممانعين أي حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، وقسم من هؤلاء مسلّح ويرتبط بتحالف اقليمي كبير مرجعيته ايران، وتمويله من الخارج، ولديه اقتصاد قوي يوازي اقتصاد الدولة، ويفرض سيطرته على مجلس النواب ورئاسة الجمهورية وأكثرية الحكومات السابقة، كل ذلك في مقابل انتفاضة عبارة عن موجة غضب واحتجاج لا خطة لديها.


التحدي الثاني، هذه السلطة تتحكّم في التشريع والقضاء والأجهزة الأمنية نسبياً، والديبلوماسيون يتعاطون معها حصراً.


التحدي الثالث، تعرّض المقر الأساسي لهذه الانتفاضة في وسط المدينة لأكثر من 22 هجوماً بواسطة مجموعات كانت تأتي على مدرجات نارية وتعتدي على المتظاهرين، وانتهى الأمر بإزالة الخيم وتكسيرها بأمر من حكومة حسان دياب، إضافة إلى تعرض المنتفضين في الساحات الأخرى كما في جل الديب وكفرمان وغيرهما إلى اعتداءات. ومن كان ينزل إلى انتفاضة سلمية وحضارية بات يخاف على سلامته نتيجة استعمال الترهيب ضد منتفضين عُزل.


التحدي الرابع، كان هناك اهتماماً دولياً بالانتفاضة لكن من دون مساعدة فعلية عكس ما كان يزعم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بأن هؤلاء جماعة سفارات، فيما حزبه يموّل ويسلّح من ايران، أضافة إلى تهديدات نصرالله عبر اطلالاته الأسبوعية لمن يقطع الطرقات وغيرها".

وعن نقاط ضعف الانتفاضة يقول الحلو "أولاً أبرز نقاط الضعف تتمثّل في التناقضات بين المنتفضين، أي أن الانتفاضة ضمت مجموعات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، البعض خرج من الطائفية والبعض الآخر لم يتحرر من طائفيته.


ثانياً، ضمت الانتفاضة بعض المدسوسين من السلطة السياسية هدفهم التخريب المخابراتي، وخلق حالة من الضياع فيها مما أضعفها من الداخل.  

ثالثاً، خلافات داخل الانتفاضة بين مجموعات تريد طرح سلاح حزب الله ومجموعات أخرى ترفض ذلك.


ويعتبر الحلو "أن الأمور تتحسن والمجموعات التي تشارك في الاحتجاجات طوّرت نفسها ونرى في الساحات الكتائب ومجموعات لميشال معوض ونعمت افرام ومجموعات يسارية، وهناك تقدّم في الأداء السياسي لكل المجموعات والعمود الفقري لكل انتفاضة هم المثقفون والذين يطالبون بالدولة والدستور والقانون والسيادة والحياد والاستقلال والجيش والمؤسسات والقضاء، وهؤلاء سيبرزون في الانتخابات النيابية المقبلة".


ونسأل لماذا لا تتوحد كل المجموعات مع الأحزاب المعارضة التي تطالب بانتخابات نيابية مبكرة؟ يجيب الحلو:"الطرح صحيح جداً لكن ثمة شباب يرفضون التعاون مع الأحزاب، وبالتالي على هذه الأحزاب أن تقوم بتجديد نفسها واعتماد المعايير الديموقراطية في داخلها لجذب هؤلاء الشباب، هذا لا يعني أن ننكر لبعض الأحزاب التقليدية تضحياتها ومقاومتها لأجل القضية التي تؤمن بها".


ويتوقع "أن يتدهور الوضع المعيشي أكثر مما سيؤدي إلى مزيد من الاحتجاجات، لكن لن تعود مشهدية 17 تشرين، هذا لا يعني ان السلطة ربحت إنما وضعها هش، ومن شارك في الاحتجاجات في الشارع منذ 17 تشرين 2019 وحتى اليوم لن ينتخب السلطة مجدداً. في الواقع أنا خائف من فوضى أمنية أي أعمال سرقة ونهب وسلب، لذلك نأمل أن يبقى الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية متماسكة، وأظن أن أكثرية  الديلوماسيين الأجانب يشددون على دعم الجيش لأنه الضمانة الوحيدة".


رندلى جبور: أجندات سياسية 

من جهة أخرى، تقول منسقة اللجنة المركزية للاعلام في التيار الوطني الحر رندلى جبور "أن هناك عدة أسباب لتراجع الاحتجاجات الشعبية: اولاً، ليس هناك مشروع يجمع بين هؤلاء المحتجين، ثانياً، لم تستطع مجموعات الحراك أن تشكّل قيادة لها، ثالثاً، فكرة التعميم أفشلت الحراك، لأن ذلك يعني تبرئة الفاسد وتجريم الصالح. رابعاً، جزء كبير من هذه المجموعات ثبت أن لديها ارتباطات خارجية ولا مشروع لبنانياً يجمعها".


وتوضح:"نحن نتمنى أن تنجح هذه التحركات لأننا بحاجة إلى أن تفرز وجوهاً جديدة حقيقية تكون حريصة على المصلحة الوطنية العليا، إلا أن ادائها لا يبشّر حتى الآن بذلك".

وعن مستقبل الاحتجاجات تقول جبور:"لا نرى أن المتضريين من الانفجار الاقتصادي والاجتماعي ينزلون إلى الشارع، إنما ما نراه هي مجموعات محركة من الخارج أو لديها أجندات سياسية لا اقتصادية ومعيشية واجتماعية. ونؤكد أن المواطن الموجوع آخر همه العناوين السياسية الكبرى كسلاح المقاومة، وعندما سيرفعون شعارات حقيقية صادقة تمس حاجات المواطن ستكبر كرة الثلج وتعود التحركات الشعبية إلى الساحات، أما ما عدا ذلك فسيكون نتيجته الفشل".


شارل جبور: التوحّد حول مطلب واحد

من جهته، يقول رئيس جهاز الاعلام والتواصل في القوات اللبنانية "أولاً، لا شك أن الناس تظاهرت بالآلاف منذ انتفاضة 17 تشرين، ووحّدت وربطت كل ساحات لبنان، بدءاً من ساحة ايليا في صيدا، مروراً بوسط بيروت وجل الديب والزوق وجبيل، وصولاً إلى ساحة النور في طرابلس، لكن هناك منظومة ممسكة بالسلطة لا تريد أن تتجاوب مع مطالب الناس بشكل ديمقراطي. مع ذلك، تراجعت السلطة في بعض المراحل بدليل أنها باتت تقبل بحكومات تكنوسياسية مقنعة بدلاً من حكومات وحدة وطنية، وهذا انجاز محدود حققته الانتفاضة لأن النظام لا يزال قوياً ويحتاج إلى ضغط مختلف في هذا السياق. ثانياً، تراجع الناس في الشارع لا يعني التراجع عن مواقفها، بل هي مصممة على اسقاط هذه السلطة، لكن الأزمة المالية معطوفة على الأزمة الصحية أدى إلى تمسّك السلطة بمواقفها، والناس تعرف أن الانتخابات النيابية بات الوسيلة الوحيدة لإسقاطها، وهذا ما يفسّر رفض الفريق الحاكم الذهاب إلى الانتخابات لأنه يُدرك أن الناس مصممة على إكمال ما بدأته في الشارع، إلا أن هذا المطلب يحتاج إلى توحّد كل القوى المنتفضة حوله".


ويؤكد جبور "أن الأزمة المالية، الاقتصادية والاجتماعية استفحلت اليوم وهذا يعني أن الانهيار مستمر والمسؤولية تتحملها السلطة لأنها لم تستطع أن تعالج أسباب غضب الناس، وعلى القوى التغييرية تنظيم نفسها لتعيد إنتاج حراك ديمقراطي حضاري كما كانت مشهدية 17 تشرين، لكن هذه المرة لن تكتفي بمطالب اقتصادية واجتماعية ومعيشية لمعرفتها أن الأسباب الأساسية سياسية في عمقها، ومن المتوقع أن تكون الانتفاضة الجديدة جامعة بين عناوين 14 آذار و17 تشرين أي السيادة والعبور إلى الدولة والمؤسسات واخراج لبنان من أزمته المالية".

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 1