كتبَ فضل الكهالي: عري سياسي

2021.04.09 - 10:00
Facebook Share
طباعة

 تدور حرب أهلية في اليمن أدت إلى مقتل آلاف الأبرياء وتهجير الملايين من منازلهم ووطنهم. وقد طالب الشعب، مراراً، بتدخّل أية قوة ضاربة لحسم الصراع، الذي عجز التحالف العربي عن حسمه، بعد تضارب مصالح المنضوين تحت لوائه. ولكنّ الوعود الدولية بالحسم بقيت جوفاء. في السابق، كانت التحالفات الدولية، بما فيها "الناتو"، تتدخل بإيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية، والذريعة المباشرة هي تدهور الوضع الإنساني، لكن حماسة الولايات المتحدة خفّت شكلاً، وإن ظل مضمونها "حادّا".


‏لقد جرت العادة على أن التدخل العسكري في الصراعات تقليدٌ أمريكي بامتياز، غير أن ما جرى في القضية اليمنية من إسناد المَهمّة إلى التحالف العربي مخالف لـ"الفطرة" الأمريكية، أو لقواعد السياسة الأمريكية الدولية، إن جاز التعبير. وقد انكشف هذا الأمر بعد الانتخابات الأمريكية الأخيرة، و تحديداً بعدما ألغت إدارة الرئيس المنتخب بايدن العقوبات التي كانت إدارة ترامب قد فرضتها على جماعة الحوثي.


‏وقد كانت إدارة ترامب أكثر جرأة حين صنّفت الحوثيين كمٌنظمة إرهابية لإيضاح مزاعم حملة الضغط السياسي "الشكلي" ضد إيران، الذي كانت ومازالت تتبناه وسائل الإعلام الأمريكية و على الرغم من أن قرار إدراج جماعة الحوثيين في قائمة المنظمات الإرهابية جاء في الدقائق الأخيرة وقبل تسليم ترامب السّلطة لخلفه بايدن، إلا أن ذلك القرار عرّى السياسات الأمريكية تماماً وكشف الكثير من الجوانب المظلمة فيها.


‏إذا كان ترامب قد خسر الانتخابات الرئاسية فإنه انتصر سياسياً و نجح في تعرية امريكا أمام العالم من خلال تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية، في حين لم تحقق الولايات المُتحدة نتائجَ إيجابية في سياساتها الخارجية مؤخرا، و تحديداً منذ انتخاب بايدن وحتى هذه اللحظة، بل بالعكس، فقد وجّهت رسالة خاطئة للعالم بعدما تراجعت عن دورها في مواجهة حركات التمرد في العالم. كما أن إعطاء إدارة بايدن الأولوية لملف اليمن في الأيام الأولى من توليها الحكم كان واضحاً. وقد أوقفت العمل بقرار إدراج جماعة الحوثي في قائمة المُنظمات الإرهابية، ثم عيَّنت مبعوثا خاصا إلى اليمن، بجانب المبعوث الأممي في سابقة خطيرة تعكس عشوائية وهشاشة التعامل الأممي والأمريكي في قضية الانقلاب على نظام الحكم في الجمهورية اليمنية، التي تُعدّ عضواً في الأمم المتحدة، ما سيؤدي إلى تأزيم الأمور أكثر في المنطقة.


‏كان من الأجدر بإدارة الرئيس المنتخب بايدن، المتعصبة مع الحوثيين، أن تعلّق العمل بقرار إدراج الجماعة في قائمة المُنظمات الإرهابية. الذي استمر شهرا واحدا، وتمديد التعليق فترة أطول كنوع من المراوغة السياسية، إلى حين مُراجعة بعض السياسات الخارجية للولايات المُتحدة، باعتبار أن قرار رفع الحوثيين من قائمة المُنظمات الإرهابية بهذه السرعة يُعدّ كارثيا مقارنة بأنشطة الجماعة، بالإضافة إلى أن توقيتي القرارين المُنفصلين يكشف مدى التضارب في المواقف الأمريكية بخصوص ما يحدث في اليمن والمنطقة.


‏وكان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، قد وضّح قبل أسابيع، أن القرار هو محاولة لتهدئة المخاوف بشأن الأزمة الإنسانية في اليمن وقال إن هذا الإلغاء يهدف إلى ضمان عدم عرقلة سياسات الولايات المتحدة في ما يتعلق بإيصال المساعدات الى المتضررين من الحرب بحسب زعمه، مضيفا أن بلاده ستواصل تطبيق العقوبات المفروضة على قادة الحوثيين كأفراد، يتزعمون الجماعة ويسيّرون أمورها، وهُنا نجد امريكا تناقض نفسها برفع العقوبات المفروضة على الجماعة التي يتزعمها أفراد تطبق عليهم العقوبات..


‏إن سرعة إدراج الحوثيين، الذين يتبنون شعار "الموت لأمريكا"، ثم سرعة رفعهم من قائمة المُنظمات الإرهابية هما ما شجّع الجماعة على شن هجوم شرس للسيطرة على مأرب و عبر أكثر من جبهة دون مراعاة للجانب الإنساني الذي اتخذه بايدن ذريعة لرفع العقوبات عن الجماعة. فالهجوم لم يأت من عدم و إنما بفضل قرار الإلغاء، الذي قدم نصرا مجانيا للحوثيين، في الوقت الراهن، لتدفع الثمن مأرب، التي تستضيف أكثر من مليوني نازح داخلي.


‏مفاد هذه المتناقضات بأن اليمن في مهبّ الريح بعد أن حولته بعض مراكز القوى إلى "حقل تجارب"، في هذا التوقيت الحرج الذي تقف فيه موقفاً يخالف الأعراف السياسية، والسعي إلى فرض مدخلات لاأخلاقية بُغية الحصول على مخرجات تخدمها، حتى وإن كانت تدميرية للمنطقة وتتنافى مع المنطق السياسي السوي، متجاهلة أن المخرجات تحدّدها وسائل وطرق المعالجة، وهذا الأمر محدد سلفاً وبيد الشعب، وليس بيد مراكز القوى العالمية، التي تمهّد لزرع نظام فئوي باغٍ والاعتراف به وفرضه بالقوة.

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبر عن رأي كاتبه فقط


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 6