يتجه الكونجرس الأمريكي خلال الأيام المقبلة للتصويت على النسخة النهائية من قانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA)، والتي تتضمن بندًا يدعو إلى الإلغاء الكامل لقانون حماية المدنيين السوريين المعروف باسم “قانون قيصر”، المقرّ منذ عام 2016 والموقّع من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2019.
وتتضمن المادة المدرجة ضمن قانون الدفاع إطارًا جديدًا بديلًا للعقوبات الشاملة المفروضة على سوريا، يقوم على نظام مراجعة مشروط، يفرض على الرئيس الأمريكي تقديم تقارير دورية للكونجرس حول التزام الحكومة السورية بتحقيق تقدم فعلي في مجموعة محددة من المجالات.
وتشمل المجالات المطلوبة:
التعاون مع الولايات المتحدة للقضاء على تنظيم “الدولة” ومنع عودته.
إبعاد المقاتلين الأجانب عن المواقع القيادية في الحكومة والأجهزة الأمنية.
حماية الأقليات وضمان تمثيلها العادل.
الامتناع عن أي نشاط عسكري غير مبرر ضد دول الجوار.
تنفيذ اتفاق 10 آذار المبرم بين الحكومة السورية و”قسد” بما يحمله من جوانب أمنية وسياسية.
مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والأنشطة المرتبطة بالانتشار غير المشروع.
محاكمة المتورطين بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان منذ 8 كانون الأول 2024.
اتخاذ خطوات قابلة للتحقق لوقف إنتاج وتهريب المخدرات وعلى رأسها الكبتاغون.
وتشير المادة إلى أن رفع العقوبات مرتبط كليًا باستيفاء هذه الشروط، وأن على الرئيس رفع تقرير أولي إلى لجان الكونجرس خلال 90 يومًا، يليه تقرير كل 180 يومًا لمدة أربع سنوات. وفي حال عدم تحقق الشروط في تقارير متتالية، يمكن إعادة فرض العقوبات مباشرة.
ويؤكد مسؤولون في المجلس السوري–الأمريكي أن المادة انتهت فعليًا من مرحلة التعديل بعد فشل محاولات إدخال تعديلات أكثر صرامة عليها، وأن تضمينها ضمن قانون الدفاع الوطني يجعل التصويت عليها جزءًا من التصويت على الموازنة، ما يقلّل احتمالات الاعتراض عليها. وتشير التوقعات إلى إمكانية إجراء التصويت في 11 كانون الأول، لتنتهي المسودة عند البيت الأبيض للتوقيع قبل عطلة الميلاد.
معارضة للإلغاء
ورغم دفع البيت الأبيض باتجاه إلغاء “قيصر”، واجه الموقف معارضة من منظمات وشخصيات في واشنطن لاعتبارات تتعلق بدعم إسرائيل أو رفض التقارب مع الحكومة السورية. أبرز المعارضين من أعضاء الكونجرس: ليندسي غراهام، مارك لولر، كريس فان هولن، براد شيرمان، وبراين ماست، إضافة إلى منظمات داعمة لإسرائيل مثل "آيباك" و”FDD” و"JINSA" و"ASF"، وبعض المنظمات السورية أبرزها “رابطة العلويين في الولايات المتحدة”.
تغير في المواقف
وتراجع رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب براين ماست عن موقفه الرافض، معلنًا دعم الإلغاء بشرط وجود آليات لإعادة فرض العقوبات إذا لم تلتزم الحكومة السورية بالشروط، معتبرًا أن الإلغاء سيبقى كاملًا لكن مع أدوات رقابة.
تعليق العقوبات سابقًا
وبالتزامن، أعلنت وزارتا الخزانة والتجارة الأمريكيتان تمديد تعليق جزئي للعقوبات لمدة 180 يومًا، بما يسمح بتسهيل مشاريع اقتصادية وتنموية داخل سوريا مع استثناء التعاملات المرتبطة بروسيا وإيران. وأوضح البيان أن واشنطن تبقي العقوبات على “الأسوأ من بين الأسوأ”، وتشمل الرئيس السابق بشار الأسد والمقربين منه ومهربي الكبتاغون ومنتهكي حقوق الإنسان، مع استمرار مراجعة تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب.
وأكدت الجهات المختصة أن تعليق قانون قيصر لا يمكن أن يتجاوز ستة أشهر إلا بقرار متجدد من الرئيس، بينما يبقى إلغاؤه الكامل بيد الكونجرس وحده.
خلفية عن “قيصر”
قانون قيصر أُقر عام 2016 وبدأ تطبيقه عام 2019، ويستهدف المؤسسات والأفراد والدول الداعمة للنظام السوري السابق عسكريًا أو ماليًا أو تقنيًا، بما في ذلك الدعم المقدم لبرامج إعادة الإعمار. ويحمل القانون اسمه نسبة إلى الضابط السوري المنشق فريد المذهان، الذي سرّب 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل قضوا تحت التعذيب، وهي صور أكد مكتب التحقيقات الفيدرالي صحتها وأثارت صدى دوليًا واسعًا عند عرضها في الكونجرس.
تضمين إلغاء “قيصر” داخل قانون الدفاع الوطني يعكس تحولًا مهمًا في مقاربة واشنطن للملف السوري. فالانتقال من عقوبات شاملة إلى نظام مراجعة مشروط يشير إلى رغبة أمريكية بفتح مسار سياسي واقتصادي مرن، مع الإبقاء على أدوات الضغط.
وتشكل الشروط الثمانية الواردة في المادة بمثابة خارطة طريق أمريكية لسلوك الحكومة السورية، إذ تجمع بين محاور مكافحة الإرهاب، وإصلاحات أمنية، وخطوات تتعلق بالحقوق والحريات ووقف اقتصاد المخدرات. كما تمنح واشنطن القدرة على إعادة فرض العقوبات سريعًا إذا لم تلتزم دمشق.
أما المعارضة داخل واشنطن، ورغم زخمها، تبدو أقل تأثيرًا بعد تغير موقف براين ماست، وهو أحد أهم الأصوات التي كانت تعرقل المسار، مما يشير إلى أن التصويت قد يمر دون عقبات كبيرة.