التوتر الإسرائيلي-الأميركي حول مشروع القرار الأميركي لقطاع غزة

2025.11.18 - 10:28
Facebook Share
طباعة

 تشير التحليلات الإسرائيلية الراهنة إلى أن مشروع القرار الأميركي الجديد بشأن قطاع غزة يضع إسرائيل في موقف غير مألوف، حيث لم تعد الدولة صاحبة القرار النهائي في مسار الحرب أو في القضايا الاستراتيجية الساخنة في الشرق الأوسط. ويعكس المشروع، الذي صوّت عليه مجلس الأمن الدولي، رغبة الإدارة الأميركية في فرض ترتيبات أمنية وسياسية جديدة على غزة، تفرض على إسرائيل نوعاً من القيود على قدرتها على المناورة، خصوصاً فيما يتعلق بمستقبل القطاع والمسار السياسي للسلطة الفلسطينية.

يتضمن المشروع الأميركي إنشاء "قوة استقرار دولية" تعمل تحت قيادة موحدة، بالتنسيق مع إسرائيل ومصر والشرطة الفلسطينية المدربة حديثاً، بهدف تأمين المناطق الحدودية في قطاع غزة ونزع السلاح من جميع المجموعات المسلحة غير الرسمية. وتشمل مهام هذه القوة حماية المدنيين، وتأمين الممرات الإنسانية، وإدارة النزاعات المحتملة، بالإضافة إلى تنفيذ نزع السلاح بشكل دائم. هذا الإطار الجديد يضع إسرائيل في مواجهة مباشرة مع إدارة أميركية تسعى لتقليص سيطرتها المطلقة على القطاع، وهو ما أظهر تبايناً واضحاً في المواقف بين تل أبيب وواشنطن.

كما يتيح مشروع القرار إنشاء "مجلس السلام"، وهي هيئة حكم انتقالية يُفترض نظرياً أن يترأسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب حتى نهاية عام 2027. هذا المجلس من المفترض أن يشرف على إدارة القطاع بعد الحرب، بما في ذلك إعادة إعمار غزة وإصلاح المؤسسات المحلية، وهو ما يشير إلى احتمال فتح الطريق أمام مسار سياسي قد يقود في نهاية المطاف إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو أمر يعتبره كثيرون في إسرائيل تنازلاً استراتيجياً لم يعتد عليه صناع القرار الإسرائيليون.

ويواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضغوطاً كبيرة من البيت الأبيض في ظل مشروع القرار الأميركي. ففي اجتماع "الكابينت"، أكد نتنياهو أن موقف حكومته الرافض لإقامة دولة فلسطينية لم يتغير، مشدداً على ضرورة نزع سلاح غزة وحركة حماس "بالطريقة السهلة أو الصعبة"، ومعرباً عن رفضه لتلقي أي "محاضرات" من واشنطن بشأن مسار القرار. ويظهر هذا الموقف التباين الواضح بين تل أبيب وواشنطن، إذ تدفع الإدارة الأميركية باتجاه ترتيبات مؤسسية وأمنية جديدة في القطاع، بينما تتمسك إسرائيل بخيار السيطرة الأمنية الكاملة على غزة ورفض أي مسار سياسي قد يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية.

تظهر التحليلات الإسرائيلية أن بنود المشروع الأميركي تعتبر "تنازلات قسرية"، وهو ما يثير مخاوف داخل المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية من مرحلة ما بعد الحرب. من أبرز هذه النقاط، المسار الواضح نحو إقامة دولة فلسطينية، والفترة الطويلة للهدنة التي ترغب واشنطن في تثبيتها بشكل دائم، إضافة إلى البنود التي تمنع إسرائيل من الاعتراض على الدول المشاركة في "قوة الاستقرار الدولية". ويخلص محللون إلى أن المشروع يعكس تراجع قدرة الحكومة الإسرائيلية على فرض رؤيتها فيما يتعلق بغزة، وأن إدارة بايدن – أو إدارة ترامب حسب السياق السياسي – تحدد خطوط المرحلة المقبلة بما فيها ترتيبات الحكم والأمن.

ويرى محللون أن إسرائيل باتت أكثر ارتهاناً لضغوط واشنطن، التي لم تعد تتسامح مع النهج الإسرائيلي الرافض لأي مسار سياسي بعد الحرب. وأوضح داني فان بيرن، رئيس ضباط الاحتياط السابق في الجيش الإسرائيلي، أن خطة ترامب للشرق الأوسط، رغم ما تبدو عليه من توافق أولي مع المصالح الإسرائيلية، تحمل مخاطر إستراتيجية كبيرة، خاصة فيما يتعلق بتسهيل إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو ما يمثل تحولا جوهرياً عن نهج الإدارات الأميركية السابقة التي كانت تحمي مصالح إسرائيل في مجلس الأمن باستخدام حق النقض (الفيتو). ويضيف فان بيرن أن المشروع يفتح الطريق أمام تغييرات كبيرة في قواعد اللعبة الإستراتيجية لإسرائيل، ويضع تحديات تتعلق بخسارة السيطرة على الضفة الغربية وقطاع غزة إذا سُلّمت إدارة القطاع لجهات دولية، مؤكداً ضرورة موازنة المصالح الأمنية والسيادة مع الضغوط الأميركية المتزايدة.

ويشير فان بيرن أيضاً إلى مخاطر انخراط تركيا المتزايد في المنطقة، وما قد ينتج عنه من محاور سنية جديدة قد تواجه المحور الشيعي، كما يحذر من أن الخطة الأميركية تمهد الطريق أمام إقامة دولة فلسطينية، وهو ما قد يشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل على المدى المتوسط والطويل.

ومن جانبه، يقدم اللواء المتقاعد عيران ليرمان، في تقديره لموقف إسرائيل، تحليلاً مفصلاً حول النقاط الغامضة في مشروع القرار الأميركي. ويرى أن المشروع لا يعالج بشكل حاسم مسألة "نزع التطرف"، ويقلل من قدرة إسرائيل على التأثير المباشر على الأذرع المدنية ضمن خطة الإدارة الأميركية. ويثير أيضاً القلق حول "اللجنة الفلسطينية المحلية" التي يفترض أن تكون غير سياسية، وقد تمنح أنصار حماس تأثيراً عملياً ضمن هذه الهيئة، مع غياب وضوح العلاقة بين السلطة الانتقالية متعددة الجنسيات واللجنة المحلية، مما يمنح اللجنة مجالاً واسعا للسيطرة الفعلية. كما أن إسرائيل غير مدرجة رسمياً في "مجلس الإدارة"، مما يجعل تأثيرها على القرارات محدوداً، سواء على المستوى الميداني عبر الجهاز العسكري أو على المستوى السياسي الأعلى.

ويخلص ليرمان إلى أن هذه التحديات تجعل إسرائيل بحاجة ماسة لتوضيحات أميركية رسمية حول النقاط الغامضة، وضمان قدرتها على مواجهة حماس والحفاظ على أمنها الوطني، مؤكداً أن المشروع يشكل اختباراً جديداً لقدرة إسرائيل على حماية مصالحها الإستراتيجية تحت ضغوط خارجية متزايدة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 9