شهد السودان خلال الساعات الماضية تصعيدًا عسكريًا كبيرًا، مع إعلان الجيش الوطني السوداني عن أكبر عملية تعبئة عامة في تاريخ البلاد، وسط تحركات عسكرية واسعة لاستعادة مناطق استراتيجية من ميليشيات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي". وتأتي هذه التطورات في وقت يشهد فيه الصراع انفلاتًا أمنيًا على الحدود الجنوبية والغربية للبلاد، مع مخاطر تهدد مدنًا حيوية مثل بابنوسة وغرب كردفان.
التعبئة العامة والتحضيرات العسكرية
في تصريحات رسمية من ولاية الجزيرة، أعلن الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي، فتح باب التعبئة العامة لكل المواطنين القادرين على القتال وحمل السلاح، للمشاركة في مواجهة ميليشيات الدعم السريع.
هذه الخطوة تأتي في سياق ما وصفه الجيش بـ "معركة مصيرية" تهدف للقضاء على قوات الدعم السريع وطردها من الأراضي السودانية، وتأمين المدن والمناطق الحيوية على خطوط المواجهة. وتستحضر التصريحات التاريخ الرمزي لمقاومة أحمس ضد الهكسوس في مصر، في إشارة إلى طبيعة المعركة الحالية التي تعتبر حاسمة لمستقبل السودان.
الانتصارات العسكرية الأخيرة
وفقًا للمصادر الميدانية، تمكن الجيش السوداني من استعادة مناطق استراتيجية خلال الساعات الـ 48 الماضية:
1. كازقيل جنوب الأبيض: نقطة محورية تربط شمال وجنوب كردفان، كانت تستخدم كخط إمداد رئيسي لقوات الدعم السريع، واستعادتها تؤدي إلى تقسيم قوات الميليشيات وقطع خطوط الإمداد الحيوية.
2. أم دم حاج أحمد شمال مدينة الأبيض، إضافة إلى أربع مناطق أخرى تم تأمينها بالكامل، مما يعزز السيطرة على الطرق الحيوية ويقلص قدرة ميليشيات حميدتي على التقدم نحو العاصمة الإدارية للولاية.
هذه الإنجازات تشكل تمهيدًا للعملية العسكرية الكبرى لتوسيع انتشار الجيش، وضمان السيطرة على المحاور الاستراتيجية قبل المواجهة النهائية.
التهديد القادم: هجوم على بابنوسة
في المقابل، تواصل ميليشيات الدعم السريع التحشيد لهجوم واسع بقيادة حميدتي نفسه على مدينة بابنوسة في غرب كردفان، التي تمثل عقدة مواصلات رئيسية تربط غرب كردفان بدارفور وجنوب السودان.
المدينة تحتوي على مقر الفرقة 22 مشاة التابعة للجيش السوداني، ما يجعل سقوطها كارثة استراتيجية.
الهجوم يستخدم قوات ميليشياتية مدعومة بآليات ثقيلة، مدفعية، وطائرات مسيرة، وسط اشتباكات عنيفة أدت لسقوط شهداء وتدمير للبنية التحتية.
نزوح السكان واسع، حيث غادر أكثر من 180 ألف مواطن المدينة، وتوثق حالات اعتقال عدة من المدنيين على يد ميليشيات الدعم السريع.
انتشار القناصة في محيط الأحياء السكنية يهدف إلى السيطرة على المدنيين وفرض الاستسلام النفسي، كما حصل في مدن أخرى مثل الفاشر.
مصير بابنوسة مرتبط بشكل مباشر بقدرة الجيش على إيصال الإمدادات وتأمين المدينة، إذ أن السيطرة عليها ستغير خريطة النفوذ في غرب السودان بالكامل. هذه المعركة تمثل مرحلة فاصلة تهدف لتحقيق الحسم العسكري الشامل، بدعم من حلفاء خارجيين ومجهود شعبي واسع، وتحديد مستقبل السيطرة على المنطقة.
الوضع في السودان حاليًا شديد الخطورة، مع تصاعد المواجهات المسلحة وتعاظم المخاطر الإنسانية على المدنيين. الجيش السوداني يؤكد على مواصلة العمليات لاستعادة السيادة وحماية المدن من ميليشيات الدعم السريع، بينما تبقى معركة بابنوسة محور الصراع القادم الذي سيحدد مسار النزاع في غرب البلاد.